الأحد ١٢ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٤
بقلم ملكة أحمد الشريف

مــريـــــــم

الليل أسدل ستائره على عالم الأمس وكأن شيئا لم يكن... وها هو اليوم يلفظ أنفاسه الأخيرة غير عابئ بما تركه في نفسه، بالأمس فقط كان يرتع ضاحكا مستبشرا بوجودها بجواره، وحضورها الطاغي في كل الأشياء، وابتسامتها التي تملأ حياته.

غالبا ما يراها مشغولة بقطعة تطّرزها بخيطان الحرير الزاهية، لحياكة شال أو حقيبة لإحدى بناتها...تصحو مبكرة تعد إبريق الشاي بالنعناع أو الميرمية تحب شربه بالنعناع صيفا وبالميرمية شتاء...و كانت جاراتها لا يحلو لهن شربه إلا برفقتها، تحمل كل واحدة همومها...وأفراحها، وتلقي ما بجعبتها من تعب الحياة بين يديها...فقلبها الكبير يتسع لهن ولهمومهن.

, "ام محمد" احتضنها المخيم، واحتضنته هي بقلبها، وربت أبنائها السبعة " أربع بنات وثلاث أبناء زوّجتهم لتكمل رسالتها بإتمامهم الدراسة، استشهد زوجها وهي في عز صباها، وربت أبنائها أحسن تربية، يتحاكى أهل المخيم بأدبهم وأخلاقهم.

حضرت جارتها "أم علي" أولا ولم تجد باب "أم محمد" مشرعا كعادته..أمسكت ذيل ثوبها وجلست على الباب تنتظر، وفي قلبها غصة تريد أن تشكي عثرات زمانها كعادتها "للحبيبة الغالية" كما تقول عنها، وحضرت جارتها "أم فلاح" تحمل بين يديها صحن" برازق" من عمل يديها تريد أن تذيقه لجاراتها الأخريات أثناء اجتماعهن الصباحي.

يبدو أن" أم محمد" ما زالت تغط في سباتها، مما زاد قلق وحيرة جاراتها،وظنن أن سوءا ما أصابها،أخذت تدق الجارات على الباب، وخرج أصغر أبنائها سنا، وهو يفرك عينيه صاحيا من نومه، يبدو ان" مريم" ابنته البكر التي رزق بها قبل الشهر والنصف والتي اسماها تيمنا بأمه - لم تتوان في بكائها، وهو الذي كان عندما يطلق لعصبيته العنان بسبب بكاء الصغيرة تقول له أمه " بتقلب شهور يا إمي، كل الصغار هيك"

تفاجأ إبراهيم الابن الأصغر كجاراته وهو الذي يعلم أن أمه لا تنام حتى هذا الوقت، ذهبوا جميعا إلى غرفة أمه ليجدها على سريرها بجانبها القرآن الكريم الذي كانت تتلو آياته كعادتها بعد أذان الفجر.

اقترب منها بخطوات واهية...يخاف مما يحدثه به قلبه لا يريد أن يصدق هاتفا في أعماقه بأن هناك حدثا ما،حاول للحظة إسكات الهاتف داخله، فهو الذي لم يعرف أبيه الذي استشهد وأمه حامل في أيامها الأولى به،فكانت نعم الأم والأب له ولأخوته.

استجمع كل قواه ولكنه لم يتمالك نفسه، وصرخ بكل ما تبقى من قواه الخائرة"يما ااااااا...يمااااااا" سقط بعدها مغشيا عليه، أخوته هزهم الصوت وهرعوا هم والجيران ليروا ماذا جرى؟؟
خير يا جماعة ايش في؟؟

مريم...رحمها الله...!!

انتقلت مريم إلى ربها...لقد أدت رسالتها.. شقت دربها بقوة، لتنمو أنامل أطفالها البضة، وتقوى لتكمل مسيرة أمهم الصابرة..

رحمك الله يا مريم...عانيت الكثير في حياة لا تحتمل الرهان كثيرا على عثراتها.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى