الثلاثاء ٢٠ آذار (مارس) ٢٠١٢
بقلم مادونا عسكر

منعاً للالتباس بين الضّحيّة والشّهيد

في زمن الموت هذا، وفي ظلّ ما نشهده من ثورات واقتتال وحروب، تسقط الآلاف من الأرواح. ولم نعد نميّز بين من يواجه الموت في سبيل الدّفاع عن الوطن أو عن قضيّة يؤمن بها، وبين من يفاجئه الموت لسبب أو لآخر. وأصبحت النّاس مجرّد أعداد، تنقل لنا خبر وفاتهم الوسائل الإعلاميّة بشكل مقتضب، ولقد اعتدنا على ذلك ولم نعد نندهش متى سمعنا عن هذه الأعداد المخيفة الّتي تسقط كلّ يوم، لا بل كلّ ساعة.
نجد عند النّاس نوعاً من الالتباس حول تسمية هؤلاء الأشخاص ولعلّنا نخلط بين مفهوم الشّهيد ومفهوم الضّحيّة. فهناك شروط معيّنة لكي نطلق على من يموتون فداءً عن بلادهم لقب "شهداء".

الشّهيد هو من اختار أن يحيا مسيرة حياة توصله إلى الشّهادة. لذلك لا نستطيع أن نطلق على كلّ الّذين يموتون في أوطاننا لقب "شهداء". وبعد الخيار، يأتي القرار الّذي يجعل من مسيرة حياتهم، مسيرة خاصّة جدّاً تتأقلم مع الواقع الّذي آمنوا به، والّذي اعتبروه حقيقة مطلقة، وبالتّالي يتناسب القرار مع الخيار الّذي عاشوه. ومن هذا المنطلق، تبدأ مسيرتهم كشهداء، وتطال حياتهم وهم أحياء. هي مسيرة نضال، وسلوك طريق واضح وانطباع خاص لما آمنوا به، إلى أن يصلوا لعيش شهادة الدّمّ. هدف الشّهيد واضح، وهو يعي أنّ الخطّ الّذي اتّبعه يؤدّي به إلى شهادة الدّمّ، وهو مستعدّ دائماً أن يضحّي حتّى النّهاية، ولو بسفك الدّماء .

ونطلق لقب "شهيد" على من اختار طوعاً وبدون أيّ ضغط اجتماعيّ أودينيّ أو عائليّ، بل بملء إرادته الحرّة ،أسلوب حياته. كما يدفع الشّهيد ثمناً باهظاً للوصول إلى هدفه، والثّمن يخصّه بذاته، ولا يمكن أن يحمّله لشخص آخر، ممّن يعرفونه أو حتّى يحبّونه من أهله أو أصدقائه أو معارفه.
إذاً، فالشّهيد، يختار مسيرة حياة، ويناضل في سبيل هدف، ويدفع ثمنه بإرادته الحرّة والطّوعيّة. وهذا الثمن بالنّسبة لمن اختار أن يكون في مصاف الشّهداء، وأقصاها شهادة الدّمّ.

أمّا الأشخاص الذين يدفعون ثمن أهداف غيرهم، ويموتون دون أن يختاروا ذلك، فهم "ضحايا". والفرق شاسع بين "الشّهيد" و"الضّحيّة" . فالضّحيّة شخص يدفع ثمن أهداف غيره، وبالتّالي يعيش أبعد ما يكون عن خيار هذه الأهداف. فهؤلاء الّذين يلقون مصرعهم في انفجار أو في حادث إرهابيّ، هم ضحايا، لأنّهم لم يختاروا طوعاً أن يموتوا. لذا فالإنسان الضّحيّة يعيش الظّلم والقهر، وبالتّالي يدفع ثمن ما لم يختره وما لم يقرّره، وذنبه الوحيد أنّه أُقحم في لعبة الموت. هناك آخر قام عنه بخيار معيّن وقرّر، وبالتّالي يُسفك دمه بدون هدف.
والضّحيّة شخص مجرّد من كلّ قرار، ويوظّف طاقته وقوّته كي يستمرّ بالرّغم من كلّ القرارات الّتي أُخذت عنه، في سبيل أن تجعل منه ضحيّة. كما أنّه مجرّد من كلّ هدف إلّا هدف البقاء .

الإنسان كائن مقدّس، وإن اختار الشّهادة فطوبى له، فما من حبّ أعظم من أن يبذل الإنسان نفسه في سبيل أحبّائه. وإن لم يختر وسقط وروت دماؤه تراب الوطن، فعلينا ألّا ننسى أنّ هذه الدّماء مقدّسة أيضاً.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى