الثلاثاء ١٤ شباط (فبراير) ٢٠١٧
بقلم سامي العامري

من ذاكرتي الثانية

ما عندي مُلكٌ،
ما عندي صاحبة وخليلْ
إلاّ أوراقي المغمورة بالسلم
ونوباتِ التقبيل!
توقٌ لأحضانٍ مشعشعةٍ
وسعفٍ رفَّ حزناً في المغيبْ
توقٌ كخيمةِ حاتم الطائيِّ
دوماً يستظلُّ به الغريبْ
وأنا غريبْ!
تآخيتُ والمستحيلاتِ
حَدِّ ابتذالِ الحياة
وخنقِ نواصي الفرات
على وجعٍ وانتظارْ
متَّقدُ الحزن مثل النضارْ
لا لجوءٌ لدفقات روحي،
ولا هزة تبلعُ الدرب،
دربٌ كحلمي منبسطاً ظلَّ
لكنهُ حين رنَّ عليه صدى قدمي
حينذاك فقط قد علا كجدارْ !
أنا الهدهدُ يا سليمان
ما بنى الإسكندر بيوتاً للنمل
بيوت النمل ما زالت خرائبَ متعاويةً
بين صدى كؤوسٍ
وغيومٍ من عطشٍ
فهل لك بوثبةٍ من صولجان
يا شهابَ الدين يا سيدَ الزمان!
لساني وطَرْفك صارمانِ كلاهما
تشوقتُ يا أمي
فها هي أصابعي
تدور قناني العرق بينها كالخواتم!
عرقٌ ولا أرخص
ولو فطنوا لهذا لجلدوني ستين جلدةً
وجلدتُ إلههم تسعين
عمائمُ كالصحون الطائرة
يشمئزّ منها اليقين
وينفر منها الأمل
عمائمُ
بلِحىً تنساب كشلالات من القمل!
هم وحدهم سجنوا المكان وكل آنٍ
ثم طار مع الطيور إلى مقام الربِّ
سربٌ من أصابعِ إتهامْ
خذني معتقةً لهم
أنا من سلالة حرفك الناري،
في ماضييِّ رعدٌ يزدهي بفصاحةٍ
والرعدُ أولُ مَن يحقُّ له الكلامْ!
خاطبَني نافجٌ:
(يا صديقي)،
فرددتُ عليه بأحسن منها
فما عادت الأرضُ تكفيَ خيلاءهُ وغرورَهْ
وعماهُ الذي قد أضاء طريقي
وأبعدَ عني شرورَهْ
حينما كنت رضيعاً
وأصابعي بحجم عيدان الثقاب
كان العالم أسراراً لا تعنيني
ولم يكن عندي وقتٌ
لأهتم بمطلقٍ أو وجودٍ أو عدم
كنت فقط أهتمُّ بإطعام فراشاتٍ
تمد خراطيمها
مُدَغدِغَةً إبطَ وردةٍ ذابلة!
كان العالمُ قَبلَك غابهْ
الغابةُ حبلى بالعُقمْ
ضفةٌ ثالثة للجرح
والجرحُ وميضٌ متناثرْ
واللؤلؤ ذو الحظِّ العاثرْ!

( * ) مقتطفات من نصوص تتراوح بين شعر التفعيلة وقصيدة النثر كتبتها في سنوات الشباب الأول
من عام 1983 إلى عام 1986 بين طهران وقرية ألمانية على الحدود النمساوية بانتظار البت في أمر قبولنا كلاجئين.

والجدير بالذكر أن أهالي القرية استقبلونا بترحاب أول الأمر وكأننا نازلون من كوكب آخر ولكنهم قليلاً قليلاً راحوا ينفرون منا ويشعرون بالحرج أو الخجل من الإختلاط بنا وبهذا فقد صار مسكننا في نظرهم مشبوهاً وقاطنوه يوصمون باللصوصية والبهيمية والمتاجرة بالمخدرات وساهم الإعلام المحلي بالمبالغة الدعائية في هذا وكانت قصائدي غاضبة تبعاً لذلك! خاصة وأنا كنت مع جمع من طالبي اللجوء من جنسيات مختلفة نعيش في عزلة عن العالم وعن أي أثر لمدينة أو حياة نحس فيها بالتغيير المفترض والفارق في الشروط الحياتية بين الشرق والغرب، والطريف أني بعد حصولي على الأوراق القانونية وجواز السوق الأوروبية المشتركة وانتقالي إلى مدينة كبيرة مثل هامبورغ، فكرتُ بهجر الماضي كله بآلامه وكوابيسه وأعيش حياتي كما ينبغي أن يحياها شاب في أوج شبابه وأول شيء فكرتُ به هو تمزيق كل ما يذكرني بالماضي فبدأت بإتلاف قصائدي وفعلاً أتلفتها وبعد شهور وجدتني أحس بالندم وسرعان ما حاولتُ استرجاعها من ذاكرة منهَكة قائلاً لنفسي، ليست كلها سيئة وإذا كانت الصورة الشعرية هي المحك والحَكم فما أحراني باستلال ما أراه جميلاً من الصور أو المقاطع من كتاباتي السابقة وهكذا فما بين رغبتي في طي الماضي وحرصي على بعض قصائدي التي أحسستُ أنَّ لها وقعاً إيجابياً في نفسي، رحت أفلّي هذه الذاكرة مستخرجاً منها المقتطفات هنا وأنا في حالة يرثى لها حيث تذكرتُ ما قيل عن الشاعر الفرنسي شارل بودلير بأنه كان أحياناً يكتب وهو يسب ويلعن! والأمر نفسه مع مواطنه الشاعر لوتريامون لاحقاً،فخرجتُ بهذه الحصيلة وبقيت محتفظاً بها طيلة ثلاثة عقود دون التفكير بنشرها،

وأخيراً إذا نالت مقتطفاتي هذه رضا القارىء فهذا جلُّ ما أطمح له وإذا لا فحسبي وفائي لماضٍ مَهما كان شكله ولونه!

( ** ) يقول حسان بن ثابت :

لساني وسيفي صارمان كلاهما
ويبلغُ ما لا يبلغُ السيفُ مِذْوَدي
،،،
ويريد بالمِذوَد اللسان

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى