موعظة اللهب
لقد تداعت خيمة النهرتتشبث الأوراق بأطراف أصابعها الأخيرةثم تغرق في ثرى الضفة النديتعبر الريحُ الأرضَ الغبراء في صمتقد رحلت الحورياتفانسب، يا نهر التايمز العذب، حتى أكمل أغنيتي [1]النهر لا يحملالقوارير الفارغة، ولا أوراق الشطائر أو مناديل الحرير،لا يحمل علب الورق أو أعقاب السجائرأو شيئا من آثار ليالي الصيف. قد رحلت الحوريات،رحل أصدقاؤهن، وبقية باقية تلكأت من أعيان المدينةرحلوا..دون أن يتركوا عنوانا.وجلست على ضفة بحيرة ليمان أبكيانسب أيها النهر العذب حتى أكمل أغنيتيانسب فلن أطيل الكلام، و لن أحدثك إلا همساتهب الريح خلفيو في عصفةٍ باردةتحمل إلى أذني قعقعة العظام، وضحكة خافتة تتردد في الأرجاء.تسلل جرذ بين الأعشابساحبا بطنه اللزج على ثرى الضفةبينما كنت أصطاد في مياه القناة الراكدةذات مساء شتوي خلف معمل الغازمتأملا... حطام سفينة أخي الملكومصرع أبي الملك من قبله....أجساد بيضاءُ عارية تفترش الأرض الرطبةوعظام ملقاة في حجيرة العلية الجافةلا تقعقع إلا لدى مرور الجرذ بقوائمه عليها،عاما بعد عام.وخلفي أسمع بين الحين و الحين [2]أصوات الأبواق والمحركاتفي الربيع. [3] التي ستجلب سويتني إلى السيدة بوترغمر القمر بإشراقته الساطعةالسيدة بوتر و ابنتهاوهما تغسلان رجليهما في ماء الصودا [4]وهذه الأصوات أصوات الأطفال التي تصدح في القبةتوت توت توتزق زق زقبكل فظاعتهتيريومدينة الوهم،تحت الضباب الأغبر ذات ظهيرة في الشتاءدعانيالسيد يوجونيد، التاجر الإزميري، اللحية طليقة والجيب مليء بالزبيبوالوثائق اللازمة في يده،دعانيبرطانة فرنسية إلى الغذاء في فندق شارع كانونوإلى قضاء نهاية الأسبوع معه في الحاضرةفي الساعة البنفسجية، عندما تتملص الأعين و الظهر من المكتبعندماتنتظر الآلة الآدميةكسيارة الأجرة تخفق منتظرةًأنا، تيريزياس، على الرغم من أنني أعمىأضطرب بين حياتين،.أنا.. الرجل العجوز بنهدين متجعدين، أستطيع أن أرى في الساعة البنفسجيةساعة المساء التي تكدح آئبة إلى المنزل،التي تعيد الملاح إلى بيتهوالراقنة إلى دارها وقتَ تناول الشايتنظف بقايا فطورها الصباحي، تشعل الموقدو تضع على المائدة طعاما معبأ في علب القصدير.وعلى الحبل خارج النافذة انتشرت ملابسها بلا وجللتجفف لمسات أشعة الشمس الغاربة بللها.وعلى الأريكة – و هي سريرها في الليل-. أكوامُ الجوارب و الخفاف و القمصان، و الألبسة النسويةوأنا، تيريزياس، العجوز بنهدين متجعدينأدركتُ القصة وتنبأت بالباقي.كانت تترقب، وكنتُ أترقب أيضا، الضيفَ الموعود.وها هو، ها قد وصل الشاب ذو القروحمجرد موظف عند وكيل عقاري صغير، وله نظرة وقحةأحد السفهاء ممن تكللهم الثقةتكليل قبعةٍ حريريةٍ رأسَ مليونير من مدينة برادفوردالوقت مناسب الآن في اعتقادهفقد فرغا من الطعام وهي تعِبة يرهقها الضجريحاول ملاطفتها بلمسات لا تأباها إن لم ترضهايهجم، وقد احمر وجهه واستقر قراره، مرة واحدةبيدين تستكشفان فلا تلقيان دفاعالا يقتضي غروره تفاعلافالترحيب و التجاهل عنده سواء.وأنا، تيريزياس عانيت، تنبأتُ بكل ما جرى على تلك الأريكةأو السرير قبل حدوثهأنا.. الذي جلستُ تحت أسوار مدينة طيبةومشيت بين أسفل السافلين في عالم الموتىيمنحها قبلةَ متفضلٍ قبل أن ينصرف. متلمسا طريقه أسفل السلم في الظلامتلتفت فتنظر إلى نفسها لحظةً في المرآةوهي لا تكاد تشعر برحيل عشيقها: يدع ذهنها فكرة نصفَ مكتملة تمضي في سبيلها". انتهى الأمر وأنا سعيدة أنه انتهى"عندما تقع امرأة حسناءُ في الحماقةثم تخلو إلى نفسها فتتمشى وحيدة في غرفتهاتمسح على شعرها بحركة آليةوتضع أسطوانة في الحاكي.انساب ذاك اللحن فوق الماء، قربيوعلى طول مجراه إلى شارع الملكة فكتوريا.أيتها المدينة، أيتها المدينةأحيانا أسمع، قرب حانة في شارع التايمز الأدنىنحيبا دافئا لآلة المندولينوقرعا وثرثرة في الداخلحيث يتسكع الصيادون في الظهيرة،حيث تحفظ جدران كنيسة الشهيد ماغنوسسناءَ الذهب والبياض الأيوني المحيّرَ [5]يعرقُ النهر زيتا و قارا. [6]تنسابُ السفنُ والمدَّ المنسابَباتجاه الريح،تنشّر أشرعتها حمراءَ عريضةترفرف على الصاري.تكنس البوارجُالأخشابَ المنجرفة مع التيارنحو شطآن غرينيتشخلف جزيرة الكلابفويلا ويلا ويلاويلا ويلا ويلاإليزابيث وليسستريجدفان في القاربوالكوثلُ محارة مذهّبة،تختلط فيها الحمرة بلون الذهبتموجات الماء الرشيقة تجتاح الشاطئينرياحُ الجنوبتحملإلى أسفل الجدولرنين نواقيسالأبراج البيضاءفويلا ويلا ويلاويلا ويلا ويلاحافلات وأشجار مغبرّةهابري شهدت مولدي و أضاعتني ريشموندوكيو،قرب ريتشموند رفعت ركبتيمستلقية على سطح قارب صغيرقدماي عند بوابة مور وقلبي تحت قدميّبكى بعد الحادثووعدني ببداية جديدةلم أحر جوابا. ما الذي يمكن أن أستنكره؟على رمال مارجيتلا تستطيع أن تربط شيئا بشيء.الأظافر المتكسرة في الأيدي المتسخة.شعبي المتواضع، شعبي الذي لا يتوقعشيئا..ثم قدِمتُ إلى قرطاجة [7]وهي تحترق و تحترق و تحترقيا إلهي نجني منهانجني يا إلهيإنها تحترق
أخذ هذا الجزء عنوانه «موعظة اللهب» من خطبة لبوذا يحث فيها على تجنب نيران الشغف و الأنانية
و كل ما يمنع ارتقاء الإنسان و انبعاثه الروحي. يفتتح بمشهد حزين للنهر الملوث حيث يصطاد المتحدث
الذي يعلن فيما بعد أنه تيريزياس،وهو حسب الميثولوجيا الإغريقية رجل حُوّل إلى امرأة سبع
سنين لأنه ضرب ثعبانين ثمّ صيّرته الآلهة أعمى و منحته ملَكة التنبؤ، يتنبأ،يتلو ذلك لحظة سكينة
دافئة ثم أغاني بنات النهر الثلاث.