

نور من الأنقاض
أيا دارُ، هل فيكِ البقايا تحدّثُ
عن الأمسِ، أم سيفُ المنيّةِ يمرُدُ؟
تمرُّ الرِّياحُ العاتياتُ كأنّها
بقايا نحيبٍ في الديارِ تردّدُ
تكسّرتِ الأبوابُ، ضاعتْ ملامحٌ
من الأمسِ، كانتْ للمسرةِ تُورِدُ
هنا ضحكةُ الطفلِ الذي كانَ آمِناً
وهذي بقايا مهجةٍ تتنهّدُ
أيا حربُ، ماذا قد تركتِ لأمّةٍ
سوى اليُتمِ والأنّاتِ والليلِ أسودُ؟
أحِبّتنا في التُّربِ غابوا كأنّهم
سرابٌ أتى لمّا تجلّى تبدّدوا
تركتِ النخيلَ العالياتِ كأنّها
جذوعٌ تهشّمْنَ الهشيمَ المُجدّدُ
وجُدْتِ على الأرضِ اليباسِ بدَمِّنا
كأنّكِ ساقيها فهل منكِ مورِدُ؟
كأنَّ بقايا السيفِ تبكي جراحَها
وقد عافها حدٌّ عن الطعنِ يُجرِدُ
وكيف يُطيقُ السيفُ ذكرى دمائنا
وفي كلِّ شبرٍ للضحايا مُسوَّدُ؟
توقّدَ في أرضِ البلاءِ لهيبُها
فهل تُطفئُ النيرانُ دمعًا يُنضَّدُ؟
فكم أمٍّ ثَكلى تضمُّ بقايا
وتنشدُ في ليلِ الدمارِ وتُرغِدُ:
"أيا ليتَ لي عينًا تعودُ لما مضى
فلا أفقِدُ الأحبابَ والعيشَ أرغدُ!"
ولكنَّ فجْرَ العزمِ يبزغُ باسِمًا
إذا ما انطوتْ ليلُ المآسي وسُهَّدُ
سنمضي وإن طالَ البلاءُ كأنّنا
جبالٌ، إذا ما هزّها الرِّيحُ تُرصَدُ
ونبعثُ من رمْلِ الدمارِ حضارةً
كأنّ الفناءَ الحالكَ اليومَ مولِدُ
فما الحربُ إلا سحابةُ صيفِنا
وما العزمُ إلا سيفُنا المتجرِّدُ
ألسنا بني قومٍ إذا ضاقَ أمرُنا
نشقُّ طريقَ العزِّ لا نتردَّدُ؟
إذا كُسِرَ السيفُ الجسورُ، فإنّنا
نُعيدُ لهُ حدًّا متى شاءَ مهندُ
لنا في الدّجن مزنٌ، لنا في الرّدى حياةٌ
ونحنُ، وإن طالَ الظلامُ، نُعاندُ
تسيرُ خطانا فوق جرحٍ تجرّحَتْ
ولا ينحني منا إلى الذلِّ ساجِدُ
نردُّ الردى عن أرضِنا وجِوارِنا
ونبني على أنقاضِنا المجدَ يُولدُ
فلا الحربُ تُفنينا، ولا غدرُ غاصبٍ
يُزيلُ الذي كنّا وما نحنُ نُنجِدُ
وإن رامَنا باغٍ بأنيابِ غدرِهِ
ففي كفِّنا نصلٌ وفي العزمِ معقِدُ
نشقُّ الدجى، لا نستكينُ لظالمٍ
ونرسمُ فجرًا في الدياجي ونُوقدُ
لنا في الجراحِ الكبرياءُ وعزّةٌ
وفي كفّنا نبتُ الحياةِ سيُعقَدُ
فلا تسألوا عنّا غدًا، سوفَ تبصرونَ
من الأنقاضِ النورَ للحقِّ يُشهدُ