هبوب الروح
نشبتِ بخفةٍ وغبارٍ، وبدأ بردكِ الحائر إلى مسامات الأصابع الواجفة يتسللُ، فاختلَ وقعُ الأقدام السائرة فوق تراب الحزنِ، وحالَ تراجعُ ساعة الشتاء دونما اليقين التام بمضي العقارب في ساعة الأيام!
الم تكن الروحُ في منأىً عن تفاوض البشر، وكانت تتعبد لخالصِ السماء والنجوم، وتتضرع في معابدها وتبكي في خلوتها، تقرأ سفر التكوين وتتمجدُ في تراتيل القديسين؟ تسافر في مدارات الله والكواكب السيارة إلى أن ترتطم بروح أخرى تطير إليها قبل واحدة تطير منها؟ فأتيتِ عليها ريحاً في مساءٍ تكور أمام عينيها، فشددتِ أزرك بزوبعةٍ مع مرور الوقت إلى أن تحولت لعاصفة ..
ضَمت الروحُ يديها على نفسها فحاصرت خاصرتيها وانحنت وجثت على ركبتيها تصلي صلاة دموعٍ كي ينبت الله ما أصفر تحت أديم السنوات...
من سيرّكَ أيها الهبوبُ أن تطير الريح بياء انتهائها وتحضر لي واو والوله والوجع ووأد زهر البنفسج والوحدة الأبدية؟ وكلا الحرفين علة، علةٌ تشفي قلبي وعلةٌ تسقم ما شفت!
لم حاصرتَ واو منتصف الروح بين باءيك؟ وأسقطت ياء الأبجدية في نحيب الوادي؟
أيها الهبوبُ الذي باغتني دونما صفير أو حفيفٍ ، كيف تقنعني أنه ثمة أوراقٌ تسقط وأخرى تبقى على قيد الخضرة والاخضرار...؟؟ أهي الطبيعة بقانونها أم العود الذي اعتاد على شجن الحزن؟
والى أين تسافر بروح الأوراق المتساقطة قبل انكماشها المحتم وتغلغلها في التراب وتشييع جثمانها تحت تراب المارين بأقدامهم المترنحة؟
لماذا أيها الهبوب إلى حقل أزهار سعادتي أسرعت، وحوّلت المكان إلى فوضى مكتئبة واصفرار؟ وأسقطت وريقات يانعة خضراء قبل اصفرار الاخضرار؟
أيها الهبوب .. لم استعجلت بأن تطبق شريطاً لاصقاً من الانكسار والخيبة ؟ فتشكلتَ بسكون بانتهاء الباء وفقط؟؟
كيف تُشيع الروح في الهبوب؟؟
أي أبجدية تلك التي ستمشي في جنازة ملائكية تَحمل نعش الروح؟؟ وماذا ستطلبين مني أيتها الروح أن أنقش على ضريحك؟؟
" هنا، هنا... هب هبوب هادئ الريح، هبت لهبوبه الروح وتأهبت لرحلة الخلود المعتق"
"إلى جنان الخلد يا واو الوجود ومشتقات الوجع...."