الاثنين ٧ شباط (فبراير) ٢٠٠٥
بقلم بشرى عوني الحديدي

هذيان الحياة

تخط رسالة على شرفة منزلها بلا مرسل ... بلا حياة، لقد وقعنا جميعنا أسرى نفوسنا، في زمن الانكسار و اليأس، في زمن الاندثار و الحب البغيض الكاذب، ترعرعنا جميعا على نطق الموت في رحم الحياة، في رحم الكذب و الانتقام.

اختتمت الرسالة بكلماتها هذه و بصدى صراخها في عالم الصمت، و بالدموع التي شكلت حاجزا من لالىء الحقد البائس. و حاجزا من الموت اليائس.

أحست بدموع اختناقها في عنقها، فأكملت فنجان قهوتها الذي كان أشبه بعلقم الموت، اه، ما ألذ هذا الفنجان .. منذ زمن لم أميز اللذة و الحياة الحقيقيتان، الان أحسستها فيك يا فنجان الجحيم.. الان.

ثم ذهبت في بحر خيالها .. و بدوامة تفكيرها و اعصار أفكارها .. و عيناها تحدقان في خيوط الشمس الذهبية المنسوجة .." كالعادة حان غروب وجهك الشاحب الان أعرف .. أعرف.. كل يوم تظلين مستبشرة مشرقة ، و تيأسين مما تريه من حقد في قلوب لم تر الا المرض و الموت و القهر و الدمار، مما تريه من بأس في عيون صغيرة على فهم اليأس".

ولم تصحو من أعاصير نفسها الا على انكسار فنجان القهوة الأليم بين يديها و على سيول الدماء بين أصابعها الرقيقة، فقط أمسكت قلمها بهدوء و رقة متجاهلة دماءها و قررت كتابة بعض الأوراق، و همست: سرقت مني شبابي البائس بضواحك باردة الاحساس و الشعور، دمرت التسامح و اللين مني و من أقراني، كيف اتهمتني و لفقت كذبا و زورا علي و طردتني ظلما و قهرا من وظيفة عمري التي ما زلت حتى الان منعلقة بها ؟؟ أتذكرين كيف هاجمت شقة سعيد و عادل؟ و ذهبت بخطواتك الواثقة الباردة و استليت عقوبة قرار سطورك و سطور الموت عليهم انتقاما ممزوجا ببعض الظلم؟ للان لم أفصح بجريمة هذا السر الذي يكتم وجداني و ايماني ، فلما سرقت بناتي من بيت! ي ... أأفتقد بشرى أم ايمان أم براءة.. أم وجدان؟؟ عزيزاتي بناتي .. و عزيزات الموت .. لماذا أصريت على قطع لساني و ابتسامتي ؟؟؟

لم تكمل هذيانها هذا حتى ثارت و اضجرت فجأة، و ضربت كرسيها بقدميها و حطمته، ثم أمسكت باناء ورودها المفضل لديها و لذكرياتها و ضربته بالحائط حتى تفتت لشظايا و تفتت ذكرياتها معه، داست بقسوة على ورودها البيضاء .. داست و داست و الدموع تنهمر منها حتى امتلأت قدماها بالدماء من أثر الزجاج و قلبت طاولتها رأسا على عقب.

تمالكت أعصابها بعد أن عمت الفوضى من حولها أقفلت بدموعها و أوجاعها المكفكفة مغلف رسالة غابة نفسها، وكتبت عليه: الى الحياة الخالية من البشرى والبراءة و الايمان ، الخالية من السعادةو العدل و الوجدان ، في بلاد القهر و الكبت و الطغيان، شارع الموت و الهذيان.

ثم حدقت بعينها الدامعتين الى السماء و رتلت : اياك يا طيور السماء أن تسخري من دمعي و هواني لأني سأغير هذا الزمان و سأشدو به الأغاني ، ثم تنهدت و رمت مغلفها من الشرفة.. مسلمة اياه الى الرياح المدوية علها تحمله معها الى كاهن مستقبلها، كانت حينها بائسة و متفائلة في نفس الوقت، من يعرف اذا كان القدر قد لمحها؟؟؟


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى