الأحد ٣٠ نيسان (أبريل) ٢٠٢٣
بقلم حفصة زاهي

هل أدركت درب النجاح؟

قصة للأطفال

كان يعيشُ في بلد جميلة ولدٌ عبقريٌّ و فَنَّان اسمه نُعْمَان، كان يعمل بِجِدٍّ طوال العام، يجمع القِطَع الخَشَبِيةَّ المُتَبَقِيَّة من عمل والده الحَطَّاب، و يجعل منها قِطَعًا فنيَّة ساحرة، و كانت غرفته كقصر صغير بديع.. مليء بالمُجَسَّمَات الجميلة ذاتِ الأشكال الخلاَّبة و الألوان الزاهية.

أراد نُعمان المشاركة في مهرجان الفُنون اليَدَوِيَّة الذي سيقام لأوَّل مَرَّة في مدينته الهادئة، و أراد أن يُطلع أصدقاءه على أعماله لِتَقْيِيمِها قبل التقدم للمسابقة، لقد كانت مفاجأة عظيمة لهم أن يشاهدوا تُحفا فنية بذلك الجمال المبهر، لكن انبهارهم بها لم يدم طويلا، فقد ظَنُّوا في أنفسهم أن نُعمان سيخطف أنظار الناس و يصبح فنَّانا مشهورا، لذلك أرادوا تحطيم إرادته و عزيمته في (على) الفوز، و قاموا بالسخرية منه الواحد تلو الآخر، فسارع ابن الجزار ليخاطبه بتهكم قائلا: ما هذه الأشياء الغريبة؟! إنها من دون أيّ معنى. و قال ابن التاجر: نُعمان الكسلان، منظرك قبيح، و أعمالك دميمة. و قال ابن الجواهري: أنت تلبس ثوبا واحدا على الدَّوام، و تسكن بيتا صغيرا و مُقرفا، فَلْتَطْلُب من أُمِّك الخَيَّاطة صناعة أثواب أخرى لك، و اطلب من أبيك الحَطَّاب أن يبني لك قصرا في الواقع لا في الأحلام.

ضحك الجميع على نُعمان و استهزءوا به، و نادوه بابن الحَطَّاب و الخَيَّاطة مرات عديدة و بصوت عال.. حتى يوهموه بأن مهنة أبويه قليلة الشأن، و أنها ذل و عار سيظل ملتصقا به أبد الدهر. خجل نُعمان من نفسه و عائلته، و قرَّرَ في لحظة غضب تحطيم أعماله الفنية و عدم المشاركة في المهرجان، و صار منذ ذلك الحين متوترا و قلقا، لا يدخل بيته إلا نادرا. و في أحد ( إحدى) الليالي خاطبته أمُّه بقلق شديد بعد أن انتظرته طويلا في بيت العائلة المتواضع:

وَلَدِي العزيز، كيف حالك؟

ردَّ عليها نعمان متذمرا: أنا مستاء جدًّا بسبب شكلي السَّاذج، لِمَ لا تخيطين لي يا أُمِّي أثوابا فاخرة كالملوك و الأمراء، أليست مهنتك الخياطة؟

نهض الأب من فراشه، و خاطب ولده الوحيد بِحيرة و انزعاج:

تَبْدُو في حال سَيِّئ اليوم يا نُعمان.

قال نُعمان: أجل.. حالي سيِّئ جدا، لأننا نعيش منذ زمن بعيد في هذا البيت الكئيب، أنت حَطَّاب يا أبي.. فَلِمَ لا تقوم ببناء قصر كبير لنا؟

قالت الأم: أقمشة الأثواب الفاخرة و ( X)غالية الثمن.

و قال الأب: القصور تحتاج لِمَوَاد بناء.. و أجهزة باهظة الثمن.

خاطب نُعمان والديه بعجرفة: الحياة في هذا البيت صارت بائسة.

حزنت الأم و دمعت عيناها، أما الأب فأمسك يد ابنه و قال:

أنا و أُمُّك نشقى لنُؤَمِّن لك الحياة الكريمة و الأشياء الضرورية، نُوَفِّرُ مصاريف دراستك، و لا نتأخر في علاجك إذا مرضت، و ها أنت الآن تأكل و تشرب.. و تنام باطمئنان.

قال نُعمان: و لكنني عاجز عن تحقيق أحلامي، سأغادر البلدة إلى غير رجعة.

حمل نُعمان حقيبته، و رحل تاركا أبويه يبكيان فراقه. مشى نُعمان طريقا طويلة حتى وصل إلى النهر، و قرَّر أن يأخذ استراحة هناك، سمع فجأة شخصا يُحَدِّثُه، استدار.. فوجده سنجابا صغيرا يضحك و يقول:

أظنك تحتاج إلى المساعدة أيها الغريب، ما رأيك أن تعيش في غابة الأحلام، و ستنفرج كل همومك بإذن الله.
استغرب نُعمان و قال: سنجاب يتكلم ! شيء غريب!

قال السنجاب: كل الحيوانات تتكلم في غابة الأحلام، و إن عشت هناك، فإنك ستحصل على ما تريد.
صدّقه نُعمان و أجابه سريعا: حسنا.. فكرة جيّدة و مثيرة، هيا بنا إلى غابة الأحلام إذاً، فلديّ الكثير لأحققه هناك.

قَطَعَ نُعمان و السنجاب النهرَ عبر جسر خشبي، و ما إن وصلا إلى اليابسة حتى انهار الجسر و اختفى السنجاب، تَيَقَّن نُعمان استحالة عودته، فاستمر بالمشي وسط الغابة السحرية مستمتعا بمناظرها الفاتنة، و أشجارها الباسقة، و أزهارها الفواحة، و حيواناتها العجيبة. توجّه نُعمان نحو عرين الأسد و ناداه قائلا: يا سَيِّدَ الغابة، امنحني بعضا من قوتك و بأسك.

زأر الأسد و قال: كما تشاء يا ابن الحَطَّاب.

تعجب نُعمان و قال: و كيف عرفت أن والدي حَطَّاب؟

قال الأسد: قوة عضلات ذراعيك، و ضخامة كَفَّيْك، و هذا يعني أنك كنت تساعد أباك في قطع و جمع الحطب.
أغمض نُعمان عينيه.. و تمنَّى أُمنيته، ثم فتحهما، فصار قويًّا كالأسد يهابه كُلُّ من يراه، ثم أكمل مسيره في الغابة، و حين وصل إلى بيت الزرافة ناداها و قال: أيتها الزرافة.. امنحيني طول عنقك و ساقيْك حتى لا يتمكن أحد من تجاوزي و التطاول عَلَي.

قالت الزرافة: لك ذلك يا ابن الخَيَّاطة.

استغرب نُعمان و قال: كيف عرفتِ أن والدتي خياطة؟!

قالت الزرافة: الأشكال الجميلة و المزركشة الموجودة على ثوبك الساحر.

تحقّقت أمنية نُعمان، و صار يمتلك عنقا طويلة، و ساقين عملاقتين، ثم سار مرة أخرى وسط الأحراش حتى وصل إلى بيت الطّاووس، ناداه و قال له: أيها الطاووس، امنحني جمالك و اعتزازك بنفسك.

قال الطاووس: لك ذلك يا ابن الخَيَّاطة.

قال نُعمان: و كيف عرفت أنني ابن الخَيَّاطة؟

قال الطاووس: أناقتك و جمال ثوبك.

قال نُعمان: لكنه لباس قديم.

تبسَّم الطاووس و قال: ثوب قديم.. لكنه متقن و بديع.

تحقّقت أمنية نُعمان، و صار جميلا شامخا كالطاووس، لكنه لم يقنع بعد بشخصيته الجديدة، فقرّر أن يقصد بيت الذئب، و حين وصل ناداه و قال: امنحني ذكائك (ذكاءك) و شجاعتك و وفائك (وفاءك) أيها الذئب.

قال الذئب: لك ذلك يا ابن الحَطَّاب.

قال نُعمان: و كيف عرفتني أيها الذئب؟

قال الذئب: أناملك الحادة، و آثار الفأس على راحتيك.

و صار نُعمان كما أراد، ذكيا.. وَفِيّا و شجاعا كالذئب، لكنه كان متضايقا جدا من تعرف الجميع على مهنة والديه.
استمرَّ نُعمان بالسير وسط الغابة، و طلب من كل الحيوانات منحه بعضا من صفاتها الجميلة، حتى صار في الأخير رجلا ضخما، جميلا، ذكيا، طويلا، قويا و سريعا، ففرح بنفسه كثيرا، و زاد إعجابه بنفسه بعد أن صار مَلِكًا على الغابة، تخدمه كل الحيوانات، و تسهر على راحته و أمنه.

عاش نُعمان مَلِكاً سعيدا في غابة الأحلام، و مرَّت شهور عدّة و هو على تلك الحال، إلى أن جاء ذلك اليوم المُروِّع، فقد انفجر بركان ضخم يقع على سفح جبل شامخ بجانب الغابة، و انجرفت السيول البركانية ببطء نحوها، ارتعد نُعمان من هول المنظر، و فزع حين شاهد كل الحيوانات مذعورة و هي تحاول النجاة بنفسها من تلك الحِمَمِ البركانية، فقرَّر الهروب سريعا من الغابة و قطع النهر، فكَّرَ مليًّا في طريقة سريعة للخلاص، و اهتدى أخيرا إلى صُنْعِ قاربٍ ضخمٍ و صَلْبٍ من حطب الأشجار، ثم جمعَ أوراق و أغصان الأشجار و النباتات الخضراء، و صنع شِراعا كبيرا للقارب.

ازداد خوف نُعمان و هو يرى تقدُّم الحِمم البركانية نحو الغابة.. و هلاك معظم الحيوانات التي عجزت عن إنقاذ نفسها، فأَتَمَّ صناعة القارب بسرعة و إتقان، و انطلق يعبر النهر متوجها نحو بلدته و هو يحمد الله على نجاته.. و يأسف على الحيوانات التي احترقت كلها في الغابة و لمْ ينج منها أحد.

تفاجأ نُعمان بمجرد وصوله إلى موطنه بعودته إلى شكله الطبيعي، و اختفاء جميع الصفات التي اكتسبها في غابة الأحلام، لم يفسد ذلك فرحته، بل قصد بيته مبتهجا و سعيدا بنجاته، ضمَّ والديه، و طلب منهما السماح قائلا:

كنت في رحلة إلى غابة الأحلام، لكنني أدركت أن أحلامي و مستقبلي هنا بينكما، في بلدتي، و بين أهلي و أحبابي.

اغْتَبَطَ الوالدان برجوع ابنهما و عانقاه بشدة، ثم جلسا يستمعان إلى مغامراته العجيبة.

همست الأم في أُذن نُعمان قائلة: مرحبا بِنُعمان، ابني الأنيق و الوسيم.

و همس الأب في أّذنه الأُخرى قائلا: مرحبا بك في دارك يا نُعمان، ما رأيك بالمشاركة في مهرجان الفنون الذي سيقام السنة القادمة؟

سُرَّ نُعمان كثيرا برؤية والديه من جديد، و قرَّر الأخذ برأيهما، فاجتهد أشهرا عديدة، و صنع أشياء جميلة و مبهرة من الحطب بمساعدتهما، و تحقق حلمه في الفوز بالمركز الأول في المسابقة بعد أن تفوّق على العديد من المتنافسين الذين جاؤوا من كل بقاع الأرض.

صعد نعمان إلى منصة التتويج، و دعا والديه إلى تَسَلُّم ِجائزته، ثم خطب في الحضور قائلا:

أنا نُعمان، ابن الحَطَّاب و الخَياَّطة، و أنا فخور بنفسي و بعائلتي، و كُلُّ الفضل يعود لوالديَّ الكريمين في تربيتي و تشجيعي لأبلغ هذه المرتبة الرفيعة.

صَفَّقَ جميع الحاضرين لنُعمان، و جاءه أصدقائه (أصدقاؤه) القُدامى يعتذرون عن تصرفهم الشَّنيع معه، فسامحهم.. ثم اِلْتَفَتَ إلى أصدقاء جدد جاؤوا يهنئونه و يتودَّدون إليه بكل أدب و إحسان.

عاد نُعمان أدراجه مع والديه إلى بيته الصغير و الآمن، و عاش أَبَدَ الدَّهر راضيا بنفسه، و فخورا بأهله.

= انتهت =

قصة للأطفال

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى