السبت ٩ نيسان (أبريل) ٢٠١١
بقلم محمد نادر زعيتر

هوى الكبار

اعــتزل ذكــر الأغـاني والغـزل
وقــل الفصـلَ وجـانب مـن هـزلْ
ودع الذكـــرى لأيـــام الصبــــا
فلأيـــام الصبـــا نجــم أفـــــــــــلْ

رجل متقدم بالسن، دائم التأفف من بيته، يدعي أنه عزوف عن صداقة أقرانه ويذم الجنس الآخر، ويبدي الكره للآخر، ويعتصم بالثقافة و قد أتقن بعض فنون التعامل مع الحاسوب ولا سيما ما يسمى الفيسبوك وأصبح ديدنه ومن أولوياته. إنه "أبو الحكم"

بينما كان أبو الحكم يتطلّع إلى موقع فيسبوك في المتصفح الخاص به فوجئ بظهور اسم "نوار" من جملة طالبي صداقته.......دون أن تظهر صورتها.

كان دائما يبدي التعفف عندما تذكر النساء أمامه، ويردد أنه وقد بلغ من العمر عتياً أن لا شأن له بهن، إنهن غرورات مغرورات لا تستحق إحداهن اهتمام الرجل الذي يحترم نفسه، لا قيمة للأنوثة إنها مجرد إغرا ء لمرحلة معينة من العمر من أجل الاستيلاد وحفظ النسل، وبعد هذه المرحلة لا يبقى للأنثى قيمة اعتبارية ولا يبقي ما كان يسمى حباً، يجب على الرجل أن ينظر للمرأة كشخص عادي مجرد عن الجمال، هي نزوة في وقت ما ثم هي أم وهي ربة البيت ولا محل للعاطفة بعد انتهاء مرحلة الإنجاب، ويستخف بالرجال الذين يصرفون اهتماماً لا لزوم له بشؤون النساء في مسيرة الحياة القويمة، ويعيب على كل من يبدي تهافتاً نحو الجنس اللطيف، أبو الحكم ينكر لطفهن ويصفه بالميكيافيلية، وأكثر من ذلك يتظاهر بالجدية والسلوكية الصارمة. ويردد البيتين آنفي الذكر (اعتزل ...). واشتهر صاحبنا هذا بموقفه ولا يحاول أحد أن يناقشه أو يمزح أمامه بما يخص الحكايا عن النساء لأنه يستهجن ذلك، ويعمم صاحبنا موقفه السلبي هذا فيشمله كل العلاقات بين البشر فهي رياء ومنفعة ولا براءة في أية صداقة أو مودة.

سمعته ذات يوم يحكي لأقرانه نقلاً بتصرف عن أحد المنتديات (لم يذكر اسم الموقع)
"ضاعت القيم وسحقت معانيها الجميلة؛ لم يعد هنالك كرامة أو مروءة أو شهامة، إنسان اليوم انهزامي؛ تسيِّره مصلحته الشخصية الآنية وفقاً لمعاييره القاصرة وبصيرته الحسيرة"

عاد أبو الحكم إلى متصفحه في موقع فيسبوك، أبدى موافقته على استضافة نوار كصديقة من جملة الأصدقاء والتي من جهتها أبدت إعجابها به كمثقف له مقالات ومحاضرات وآراء وأخلاق، وبدأ يراسلها باختصار طالباً مزيداً من المعلومات عنها، وتمنى لو أنها تحوّل مراسلتها إلى واسطة المرسال (المسنجر) حيث تكون المكاتبة أفضل، وأرسل لها عنوانه الإلكتروني كما أبانت له عنوانها أيضاً.

ــــ اسمي نوار والنوار هو أوائل الزهر، لا حاجة للإفصاح عن كنيتي، أنا من عائلة محافظة جداً.

ـــ ما هي ثقافتك؟ ما هي هوايتك؟ وقبل ذا وذاك كم عمرك؟

ـــ لو أنك تفقدت موقع الفيسبوك جيداً لعرفت بعض هذه المعلومات، ومع ذلك، عمري في الثلاثينيات مطلقة، ليس لدي أولاد، أعيش ببيت مستقل: أنا موظفة، مثقفة جامعية، هوايتي الأدب. وأنا أعرفك عن كثب.

ـــ لمَ اخترتني؟ أنا لا أميل للنساء، ولكن أنت لا بأس، مقبولة استثناءً.

ـــ عفواً حضر والدي، إلى لقاء.

ـــ متى؟

لاجواب.....

بعد هذه المراسلة، أطرق أبو الحكم مفكراً: نوار! في الثلاثينيات! مطلقة! موظفة! جامعية! ملتزمة! تعرفني عن كثب!!!! في مجالسه الخاصة لم يعد يأتي على ذكر الأنوثة بسوء ويتجنب الحديث الشائن عن الحب، كما عهده رفاقه. بل كان كثيراً ما يُلحظ أنه مطرق التفكير العميق.
مر يومان على ذلك الاتصال، ولم تظهر نوار لا على الفيسبوك ولا على المرسال، ما دهاها؟ هل شعر بها أبوها؟ هل ندمت على اتصالها بي؟ كيف الوصول إليها وسط غموض دامس؟ حيرة وشكوك وهواجس وشرود...

من يعرف موظفة باسم نوار؟ هل يسأل؟ وكيف وأين؟

ها هي نوار بعد مضي أسبوع

ـــ سلام عليك أستاذ

ـــ وعليكم السلام سيدتي، يبدو أنك كنت مشغولة، فقد طالت غيبتك عن الحاسوب!

ـــ لا لا ، أنا مترددة في التواصل معك، بسبب آرائك الاجتماعية، منذ يومين كنت متواجدة في إحدى المحاضرات العامة، الموضوع " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه"، ورأيتك تنبري عقب المحاضرة متداخلاً ناكراً أن يكون ثمة صداقة مخلصة ومحبة بريئة بل هي المصالح والنفاق بين الناس جميعاً واستشهدت ببيت من الشعر:

قالوا فلانٌ جيدٌ لصديقِهِ
كذبوا ما في البريةِ جيدُ
وأتبعته بأبيات لعمر بن الوردي:
جربتُ أهلَ زماني واختبْرتُ فلم
أجدْ كريماً ولا عوناً على الحِـــــوَجِ
ولا مُحِباً لذي فضلٍ ولا ثقـــــــة
ولا أميناً ولا عدلاً عن العِــــــــــــوَجِ
من أجل ذلك قد جانبتُ أكثرَهـــم
وقلتُ يا أزمةُ في شدتي فرَجـــــــــيْ

لاحظت أن الحاضرين استنكروا التشاؤم الذي أسبغته على العلاقات الاجتماعية، سمعت أحدهم يعلّق" :الإناء ينضح بما فيه" أي أنك لا تعرف الوفاء وبالتالي تعبر عن داخلك حين تنكره.

ومن يكن ذا فمٍ مرِّ مريض
يجدْ مراً به الماءَ الزلالا

أنا أستغرب كيف أوفق بين إعجابي بشخص ينكر الإخلاص والمودة الصافية بين قومه جهاراً؟

ـــ أنا لا أنكر الإخلاص والمودة في المجتمع، لكني أتحدث عن حالات سلبية عايشتها،

ـــ لكن تعميمك الفاسد كان واضحاٌ فاضحاٌ ومستنكراً، طيب! كيف لي أن أتابع التواصل مع إنسان يشك في صحة العلاقة الإنسانية أصلاً؟

ـــ ما هو الحل الآن؟

ـــ الحل أن تعيد النظر في موقفك من العلاقات الاجتماعية، وتنظر إلى النصف المليء من الكأس، وترفع النظارة السوداء عن عينيك، وتعبر بصراحة عن المحبة الإنسانية مبتدئاً مما حولك وحصرياً من أهلك وأصدقائك والمجتمع، سواءً في المجالس أو المحاضرات أو المقالات، كيف تدعي الإيمان ولا تذكر الحديث الشريف "لايؤمن أحدكم حتي يحب لأخيه ما بحب لنفسه" ؟
إني ناظرة أن تبدأ في الحال، وأنا أرقب ذلك، فإذا فعلت عن ذلك بقناعة فإني أرسّخ إعجابي بك حقاً وأبادلك الإخلاص والصدق. إبدأ فوراً..الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل.

ـــ والآن سلام عليك، سأعود عندما أشعر أنك بدأت فعلاً، وإني مصغية عن قرب لما تبوح به.
اختفت نوار

أما أبو الحكم فيظهر أنه قد وقع في حب نوار ولكنه يحاول إذعان نفسه على كبت شعوره، في أغواره تياران الأول هو الاستكبار النفسي على الآخر وبالأخص جنس النساء والثاني الهوى وفيه قد هوى، وها هي نوار اليوم تتجاوز قناعته بل ربما ترغمه على الالتفاف بزاوية دائرية وهو الذي نهض فكريا على مبدئية راسخة توطن عليها من زمن بعيد، على حد شعر أبي فراس الحمداني:

بمـنْ يَـثِـقُ الإنسانُ فيما يَنُوبـــهُ
ومِـنْ أيـنَ لِـلحُرِّ الكَريم صِحابُ
وقـدْ صَـارَ هـذا الناسُ إلا أقَلَّهُمْ
ذِئـابٌ عـلـى أجْـسَـــــادِهنَّ ثِيابُ

وعلى حد قول الشاعر حول الصداقة:

كم من صديق باللســــــان وحينما
تحتاجه قد لا يقــوم بـــــــــــواجبِ
إن جئت تطلب منـه عوناً لم تجــد
إلا اعتذاراً بعد رفع الــــحواجب
تتعثر الكلمــــــــــــــــات في شفتيه
والنظرات في زيغ لأفق ذاهـــب
يخفي ابتسامته كــــــــــــأنك جئته
بمصائب يرمينه بمــــــــــصائب
والصحب حولك يظهرون بـــــــأنهم
الأوفياء لأجل نيل مـــــــــــآرب
وإذا اضطررت إليهمو أو ضـــــاقت الأيـــــــــــام
مالك في الورى من صاحب
أما صداقات اللسان فـــــــــــــــإنها
مثل السراب ومثل حلم كــــــــــاذب

وشاعر آخر:

أَخِـلاَّءُ الـرِّجَـالِ هُـمْ كَثِيـرٌ
وَلَكِـنْ فِـي البَـلاَءِ هُـمْ قَلِيـلُ
فَـلاَ تَغْـرُرْكَ خُلَّـةُ مَنْ تُؤَاخِـي
فَمَـا لَكَ عِنْـدَ نَـائِبَـةٍ خَلِيـلُ
وَكُـلُّ أَخٍ يَقُــولُ أَنَـا وَفِـيٌّ
وَلَكِـنْ لَيْـسَ يَفْعَـلُ مَا يَقُـولُ

راوي القصة الذي ما اعتاد أن يظهر يتساءل:

(من القلوب: قلب صلد كالجبل لا تزعزعه العواطف العابرة، وقلب مثل النخلة تقاوم ثم يميل أعلاها حيث تطيح بها الريح العاتية، وقلب كالريشة في مهب النسيم، من أيها هو قلب أبي الحكم؟ )

نوار تعزف على وتر العاطفة، فهل ستصمد مقاومة أبي الحكم قبالتها؟

أبو الحكم يحاول أن يتماسك، يحاول أن يجد مناصاً للتوفيق بين فكره الثابت واسترضاء نوار التي تمترست خلف انقلابه على نفسه وتغيير جلده، ليغدو ــ كما تقول ــ الرجل الحبيب المحبوب.
أبو الحكم أضحى كطائر يحوم في فضاء الحيرة والقلق والهواجس، كضال يحمل شمعة في الهاجرة باحث عن نوار، لكن نوار واضحة كالشمس بادية للعيان تتبدّى متى قرر صاحبنا مراجعة موقفه بشكل فعلي. أنها الآن تأسره كصبية معجبة به بمزاياها المغرية، هل له أن يتخلص من أصفادها؟ لابد أن تستوفي الرهان وهو أن يصرح في كل مجال بالإيمان في خير العالم والحب الإنساني الحقيقي فطرة الله.

"وكونوا عباد الله إخوانا"

تحت هذا العنوان ورد مقال في إحدى الصحف اطلعت نوار عليه وها هي تستذكر بعض فقراته:
الأخ بالمعنى العام أو الصديق كلمتان متقاربتان وأحياناً تترادف معهما كلمة الصاحب، وقد أفاضت الأديان بتقرير المحبة بين الناس، ورد من أسماء الله الحسنى أنه الودود، وفي القرآن الكريم وردت كلمة الحب واشتقاقاتها / 38 / مرة وكلمة المودة / 29/ مرة، تقرر المسيحية: "ألله محبة" ويقول السيد المسيح: "أحبوا أعداءكم, باركوا لاعنيكم, أحسنوا إلى مبغضيكم, وصلّـوا من أجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم...." (متى:5/44).

أما في تراث العرب وغير العرب فقد ورد بشأن الصداقة:

يوزن المرء أن له صاحب واختار صفيا
وأنا اختـــرتك فـازددت رقيـا ورقيـّا
أنت لي نبع من الإخلاص يبقـــى أبديـا
لم أزل أشكر ربي أن لـي خـلاً وفيّـا
سَـلامٌ عَلى الدُّنْيـا إِذَا لَمْ يَكُـنْ بِـهَا
صَـدِيقٌ صَدُوقٌ صَادِقُ الوَعْدِ مُنْصِفَـا
(الإمام الشافعي )
لا شَيْءَ فِي الدُّنْيـا أَحَـبُّ لِنَاظِـرِي
مِـنْ مَنْظَـرِ الخِـلاَّنِ والأَصْحَـابِ
وأَلَـذُّ مُوسِيقَـى تَسُـرُّ مَسَامِعِـي
صَوْتُ البَشِيـرِ بِعَـوْدَةِ الأَحْبَـابِ
(الشاعر القروي)
 
عاشِـرْ أُنَاسـاً بِالـذَّكَـاءِ تَمَيَّـزُوا
وَاخْتَـرْ صَدِيقَكَ مِنْ ذَوِي الأَخْـلاقِ
أخاك أخاك إن من لا أخا له
كساع إلى الهيجاء بغير سلاح
(جميل الزهاوي)
تَكَثَّرْ مِنَ الإِخْوانِ مَا اسْتَطَعْـتَ فَإِنَّهُمْ
عِمَـادٌ إِذا اسْتَنْجَـدْتَهُـمْ وظَهِيـرُ
ومَا بِكَثِيـرٍ أَلْفُ خِـلٍّ وَصَاحِـبٍ
وَإِنَّ عَــدُواً وَاحِــداً لَكَثِيــرُ
إن أخاك الصدق من كان معك
ومن يضر نفسه لينفعك
ومن إذا ريب الزمان صدعك
شتت فيك شمله ليجمعك
(ينسب للإمام علي بن أبي طالب)

يقول إيليا أبو ماضي:

يا صديقي أنا لولا
أنت ما وقعت لحنا
كنت في سري لما
كنت وحدي أتغنى
إن بعض القول فن
فاجعل الإصغاء فنا
رب غيم صار لما
لمسته الريح مزنا
ربما كنت غنياً
غير أني بك أغنى

أقوال مأثورة

اربَّ أخ لك لم تلده أمك (مثل عربي)

متى أصبح صديقك مثلك بمنـزلة نفسك فقل عرفت الصداقة ( ميخائيل نعيمة)

إذا كنت تملك أصدقاء ، إذاً انت غني ( بلوطس)
لُمْ صديقك سِراً ، وامدحه أمام الآخرين (الراوي)

فوجئت نوار بأن كاتب المقال هو أبو الحكم، أجل أبو الحكم بالذات!
يا ألله كم النفس البشرية تواقة إلى الفطرة وإلى الحب العميم الذي يضفي على الوجود الطمأنينة المنشودة.

ـــ سلام يا أبا الحكم، أهنئك على مقالك، الآن صرت إنساناً سوياً مقبولاً من المجتمع قريباً من القلوب، بقي شيء يا عزيزي وهو أنك ظلمت النساء طويلا بالاستهانة والاستخفاف أفلا تحاول أن ترى فيهن الرأي السديد وتقول قولة حق؟، أسألك وأجبني هنا على متصفح هذه المراسلة التي سوف أحفظها، ما هو رأيك بجمال المرأة باختصار شديد؟
ـــ أقول لكل سامع:
إذا أردت أن تحكم على جمال امرأة لا تنظر إليها بعينك و إنما انظر إليها بعقلك لترى ماذا يختفي وراء قناع تجملها.
المرأة كتاب عليك أن تقرأه بالبصيرة وليس بالبصر و تتصفحه متجاوزاً غلافه ... قبل أن تحكم على مضمونه.

المرأة كالفاكهة تجمِّلها ظواهرها لكن هذه لا تؤكل، كما البطيخ الجميل يعاف الآكل منه القشورالجميلة ليتمتع باللباب.

شئ جميل أن تهتم المرأة بجمالها الخارجي، و لكن الأجمل أن تهتم أكثر بجمال شخصيتها و خلقها وثقافتها الاجتماعية.

ـــ وأنت بالنسبة لأنثى تحاول أن تتواصل معك، ماذا تقول لها؟ كلمة واحدة فقط؟

ـــ أقول لها ــ وقد أحرجتني ــ كلمة سحرية تتألف من حرفين، أولهما مكمنه في نهاية الحلق وثانيهما في طباق الشفتين.

ـــ وما...

قبل أن تكمل أضاف:

إنها ال "ح ب" !

الحب قدس الأقداس، به نعرف الله، به نعرف خلق الله.

الحب هو تلك الخوافق في النفس التي تتناسق مع آهات الجنان فإذا فيهما الحياة، ما نفع محرك لا ينضح ماءً لأديم متعطش؟ فلا يكون ثمة ثمر ولا عطاء! ذلك الأديم هو الحياة....الحب نسغها وما أحلاه!

بالموت يتوقف القلب لكن الحب يستمر ويسمو لأنه صنو الحياة الآبدة.
الحب مركب فيه كل الأرواح لكن لكل مآل ينتهي إليه فلا نسيء مسيرة هذا المركب كي نصل بسلام.

شاعر هو الحب يحط في ضمائر العاشقين بلا أبحدية ولا بحور ولا قواف، إنه أبلغ بيان بلا لسان.
أليس القلب وردة بين الضلوع حمراء يضوع منها ألق الحياة!

كل الزروع جذورها في الأرض إلا الحب فإن جذوره في آفاق السماء.

أنا أحب إذن أنا موجود

كل ما في الوجود متوافق بالحب الذي لا ندركه، يقولون: كن جميلاً تر الوجود جميلاٌ، وأقول: كن حبيباً تر الوجود حبيبا. تلك هي مقولة الكبار عندما يحبون يا عزيزتي.

جميل بثينة ، كان أروع من باح بالحب، وهو بلا شك كبير العاشقين يدل على كبره قوله: "ألا ريعان الشباب جديد * ودهراً تولى يا بثين يعود" ولا ينسى أي منا بعض أبياته الخالدة الغائرة في صميم قلوب العشاق الكبار.

خليليَّ ما ألقى من الوجد باطـن
ودمعي بـما أخفي الغداة شهيـدُ
إذا قلت ما بـي يا بثينة قاتلـي
من الـحب قالت ثابـت ويزيـدُ
وإن قلت ردي بعض عقلي أعش به
تولـت وقالـت ذاك منك بعيـدُ
فلا أنا مردود بـما جئت طالبـاً
ولا حبهـا فيمـا يبيـد يبيــدُ
وقلت لـها بيني وبينك فاعلمـي
مـن الله ميثـاق لـه وعهــودُ
وأفنيت عمري بانتظاري وعدهـا وأبليـت
فيها الدهر وهو جديـدُ
ويحسب نسوان من الجهل أننـي
إذا جئـت إيّاهُن كنـت أريـدُ
فأقسـم طرفي بينهن فيستـوي
وفـي الصـدر بون بينهن بعيـدُ
ألا ليـت شعري هل أبيتن ليلـة
بـوادي القرى إنـي إذن لسعيـدُ
وقد تلتقي الأشتات بعد تفـرق
وقد تدرك الحاجات وهي بعيدُ
ومن يعط في الدنيا قرينا كمثلها
فذلك في عيـش الحياة رشيـدُ
يـموت الهوى مني إذا ما لقيتها
ويـحيا إذا فارقتهـا فيعــــــودُ
يقولون جاهد يا جـميل بغزوة
ـوأي جهـاد غيـرهن أريـــــدُ
لكـل حديث بينهـن بشــــاشـة
وكـل قتيل عنـدهن شــــــهيـدُ
علقت الهوى منها وليدا فلم يزل
إلـى اليوم ينمي حبها ويزيـــدُ
فهل ألقيـن فـردا بثينـة ليلـة
تـجـود لنـا من ودها ونـجودُ

انقضت أيام قبل أن يظهر على شاشة المرسال الجواب التالي:

ـــ ما تجرأت قبلاً أن أقول لأحد ياحبيب، لأن الأصول في علاقة الذكر بالأنثى أن الأخيرة تتبدى بالجمال والفتنة لكنها لا تبذل نفسها، وما ابتدأت فتاة بغزل نحو فتاها إلا أن يبدأ هو بتلميح أو تصريح بالحب تلك هي الشهامة النسائية،باستثناء حالة خاصة:

ولادة بنت المستكفي ( قرطبة 994ــ1091) أميرة عربية وشاعرة من بيت الخلافة الأموية في الأندلس، ابنة الخليفة المستكفي بالله ا. اشتهرت بالفصاحة والشعر، وكان لها مجلس مشهود في قرطبة يؤمه الأعيان والشعراء ليتحدثوا في شؤون الشعر والأدب بعد زوال الخلافة الأموية في الأندلس.

تشتهر ببيتين شهيرين من الشعر قيل أنها كانت تكتب كل واحد منهما على جهة من ثوبها:

أنا والله أصلح للمعــــــالي
وأمشي مشيتي وأتيه تيهاً
وأمكن عاشقي من صحن خدي
وأعطي قبلتي من يشــــــتهيها

صحيح أنها بذلت نفسها ولكن بعد أن تفاخرت بالمعالي وتيهها في البيت الأول.
سأكون جريئة وعلى غير عادات النساء فأعلن من طرفي أولاً: أنني أعجبت بك أولاً ثم أحببتك... أجل أحببتك

سنبقى على تواصل هكذا، أنا أهيم ببوحك االأثير بعد أن صُقلتْ نفسُك وأقبلتَ على الحياة كما يجب أن تكون، أنت صورة رائعة في خيالي، أراك كما أتخيل حبيباُ فارساً يمشي ملكاً أتوق لرؤياك فأراك متى أشاء، ألقاك بين أسراب الحمام السماوي، أبصرك عند غدير الماء، بين النجوم أترصدك، وأنا أكتب وأقرأ أستلهم السناء من روحك الخام.....

ـــ أو ليس من وصل بعد التواصل يا حبيب؟ هوى.... نوى....جوى أي ذنب ارتكبت حتى أتجرع كأساً فارغة! يا إلهي يناشدك متيم مضنى كبير السن كبير القلب أيضاً، هل يضير الهوى أن يطرقه مليئ السنين؟ أليس من حقه الحياة التي تشاؤها لعبادك العاشقين اللائذين بجنابك!
ليس وهماً أن كهلاً يعشقُ أليس قلباً في الحنايا يخفقُ

وتختفي نوار

كانت كمن تكلفت بمهمة خاصة وأنجزتها، انتهى دورها في الحكم المؤبد على أبي الحكم الذي تاه في الآفاق وقد استوى لديه الليل والنهار، يبحث عن نواره مستعينا بصديق لكن عبثأ. ذلك الصديق هو حاسوبه الذي بدوره تصنّـم، وأصمّ عما مضى!

نوّارْ يا نوارْ...... أنت حلمٌ أم جهارْ....... أم أسدلَ الستارْ ...... على"هوى الكبار" ؟؟؟


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى