السبت ٢٩ آب (أغسطس) ٢٠٠٩

واطي.. واطيين.. بيئة واطيه

بقلم: د/سامي السهم

إدانتي تعني إدانة نظام بأكمله...

دولة بكل رجالها."

فاروق عوض رئيس مجلس إدارة ورئيس تحرير إحدى الصحف القومية،
الواطي الرئيسي، بطل الرواية.

"الواطي، رواية للكاتب محمد غزلان تدور في بلاط صاحبة الجلالة، وتتخذ من فاروق عوض رئيس مجلس إدارة ورئيس تحرير إحدى الصحف القومية الرئيسية الكبرى محورا لها، وإن كان البطل الحقيقي للرواية هو الوسط الصحفي بكل ما يتصل به من رجال دولة ومسئولين ومشتغلين بالكتابة وجهاز إداري وعمال.... وربما كان هذا سببا لإهداء محمد غزلان روايته إلى روح الصحفي والروائي فتحي غانم صاحب زينب والعرش، وكذا إلى عينة من زملائه الصحفيين الذين عانوا وصمدوا وقاوموا ولم ينحنوا.

ونسأل من الواطي؟ ويجيب النص أنه فاروق عوض.بل أن فاروق عوض يعود فيسم كاتب الرواية بأنه واطي. غير أن أحداث الرواية تشير إلى أن معظم الصحفيين حول فاروق عوض واطيين أيضا وكما وسمهم رئيسهم فاروق عوض. والقراءة المتأنية للرواية ربما تفضح البيئة الصحفية برمتها وتسمها بالبيئة الواطية.وهذا ما يرد على لسان فاروق عوض نفسه: "عندما أختلي بنفسي يدق رأسي سؤال وهو كيف جمعت هؤلاء الواطيين حولي... هل جاءوا بأنفسهم أم أنا قمت بنفسي باختيارهم؟ وهل كلام الواد الواطي (يقصد كاتب الرواية)بأنني أقرب الأسافل مني كأنني أحن إلى عرق في كلام صحيح؟.. أو أن الكرسي يجذب هؤلاء الواطيين..كالورقة المدهونة عسل التي يتجمع عليها الذباب؟."( ص 208 )
نعود إلى فاروق عوض الواطي الرئيسي في الرواية وبطلها، ونسأل الكاتب لماذا هو واطي؟ونقرأ الإجابة عبر أسطر الرواية...وعلى لسان البطل الواطي نفسه.

واطي لأنه لص ومزور؛ اشترى قطعة أرض لبناء ملحق جديد للمؤسسة وكتب لذلك عقدين:"عقد أساسي وعقد مضروب، المضروب سيقدمه للمؤسسة مذكورا فيه أن قيمة الأرض اثنتا عشرة مليونا من الجنيهات، والعقد الأصلي مذكور فيه القيمة الحقيقية وهي سبعة مليون... الفرق ليس كبير.. خمسة ملايين جنيه."(ص32)

وعندما بنى فاروق عوض قصره المنيف اشترى أثاثه من الخارج وعلى نفقة المؤسسة وبطريق التزوير والسرقة أيضا:"هذا المطبخ جاء مع المطبخ الذي اشتريناه للمؤسسة.المدير المالي والإداري السابق نصحني بأن أشتري مطبخين.. فهي فرصة.. مطبخ للمؤسسة ومطبخ لي. والفواتير جاءت للمؤسسة وقام بتسديدها."(ص63)

واطي لأنه يربط بين ضرورة الجمع بين الثروة والسلطة، ويشبه اجتماعهما تشبيها فريدا:"الثروة مثل أن تكون جوانا- خادمته الفلبينية وعشيقته- في أحضانك أو فوق ظهرك... أصابعها تتحرك فيما تسميه مساج. السلطة هي أن تكون قد ابتلعت عددا من الأقراص المنشطة التي تساعدك على الاستمتاع (بالثروة)...ثروة بلا سلطة...رغبة بلا قدرة."(ص88)

واطي لأنه عندما ارتفع نجمه وذاع صيته واقترب من السلطة، ظن أنه واحد منهم وصار المتحدث الإعلامي الرسمي باسمهم،فانقلب على الناس الغلابة وافترى عليهم وأهانهم وأذلهم:"إلا أنني ظننت أني أصبحت واحدا منهم وبدأت أضرب الناس بسوطهم."(ص94)

واطي لأنه قاطع أهله في القرية التي خرج منها:"لم أصل جذوري في القرية،بل قطعتها عمدا وبعدت عن القرية وأهلها."(ص101)

واطي لأنه أنفق فلوس المؤسسة على عمال يعملون في أعماله الخاصة:"عينت خفيرين لحراسة ومراعاة داري في القرية وكانا يصرفان مكافأة شهرية من المؤسسة، ثلاثمائة جنيها لكل واحد منهم."(ص104)

واطي لأنه استغل رئاسته لمجلس إدارة المؤسسة الصحفية الحكومية الكبرى ومارس الزنا بسكرتيرته في غرفة النوم الملحقة بمكتبه التي أثثتها له حكومة الحزب الوطني بأموال الشعب الذي لا يجد قوت يومه ولا يجد لأبنائه وظائف، حيث اقتحمت عليه زوجته مكتبه ودخلت عليه غرفة نومه و:"خلعت الشبشب ونزلت به على أم رؤوسنا... حاولت أن أحمي البنت إلا أنني كنت أمام نمرة شرسة... استمرت في النباح والسباب ولعنتني بأمي وخرجت من المكتب بعد أن صفعت سيد السائق على وجهه بالكف."(ص111)

واطي لأنه عمل من نفسه قطعة قماش مهلهلة استعملها النظام الحاكم في تنظيف أوساخه:"عملت كل ما طلبوه مني وما لم يطلبوه...طلبوا مهاجمة الإخوان...هاجمت. أمروني بتقطيع الشيوعيين...قطعت. دفعوني للاشتباك مع الناصريين... اشتبكت. هاجمت أمريكا وبوش... خونت رجال أمريكا في مصر وشرشحتهم... أنا عملت عجين الفلاحة."(ص141)

واطي لأنه رئيس تحرير جاهل مدعي لا يسمع إلا نفسه:"أنا لم أكمل قراءة كتاب في حياتي، ولم أجلس أمام فيلم في التلفزيون إلى نهايته وطول السنوات الماضية كنت لا أنصت على الإطلاق لمحدثيني.. أنا كنت المتحدث الوحيد وعلى الباقي الاستماع."(ص172)

واطي لأنه بهلوان في سيرك..:"كنت عندما أدخل المؤسسة يهب الجميع وقوفا.. كان هناك مايسترو كلفته بهذه المهمة.. عندما أدخل يطلق صيحة وكأنها "سلام سلاح" ويشير بيديه إلى أعلى ليحث الصحفيين على النهوض."(ص184)

واطي لأنه طاغية مستبد جلف عديم المشاعر الإنسانية:"لم أسمح لأحد من المحررين بالجلوس أثناء مناقشة الشغل.. كنت لا أفرق بين صحفي صغير وآخر كبير.. كان الكل يقف حتى لو استمرت المناقشة ساعة كاملة.. كان الكل يرتعش.. من أطلبه لدخول مكتبي يحوقل ويبسمل ويقرأ قصار السور قبل دخوله إلى مكتبي.. منهم من كان نصيبه السب واللعن وأنه سيظل حمارا طول عمره، وهناك من كنت أكتفي بتعليق ورقة على لوحة الإعلانات بخصم يوم أو يومين من راتبه.. لم يكن أحد يجرؤ على النقاش ومن كنت أعرف عنه المناقشة والجدل كنت لا أدخله مكتبي وحده.. كنت أطلب من "المايسترو"الدخول معه ليزجره عندما يحاول أن يناقشني ويأمره بأن يكلم "الباشا" عدل."(ص191)

الحقيقة أنه لم يكن بهلوانا في سيرك، بل أنه أيضا كان قرداتي لأنه كان يقود مجموعة من القردة والخنازير. كان يتعامل مع بشر في رتبة بقر، صحفيون، الكتبة المتسولون أمام المحاكم أشرف منهم.رغم حنقي الشديد على الواطي الكبير إلا أن صغار الواطيين وكبارهم من حوله أثاروا حنقي وغضبي أيضا. الواطي لا يعيث فسادا إلا في بيئة مشجعة أي بيئة من الفسدة الواطيين.

لكن الواطي ؛ ولأنه هو نفسه الراوي فقد ملكه الكاتب فرصة الدفاع عن نفسه ليبرأها من كافة ما لحق بها من سمات دنيئة، بل وليرمي غيره بهذه السمات ولنصبح كقراء ونقاد أمام نص يتعادل أمام القضاء فيه المجرم والضحية...

وهاهو فاروق عوض الاسم المتخيل لرئيس مجلس إدارة ورئيس تحرير واحدة من المؤسسات الصحف القومية الرئيسية الكبرى، والذي فاحت رائحة فضائحه أرجاء المحروسة بجهله وسماجته وسفاهته وانحيازه الأبله لحكومة حزب الأغلبية وفساده الذي غطى على أحاسيسه الإنسانية فجعله عند تركه العمل بالمؤسسة يطلب من رئيسه الذي بيده تعيينه أو إقالته مكافأة نهاية خدمته؛ بضع ملايين، وكأنه لم يشبع مما جمعه من مال سحت... ها هو فاروق عوض يتهم من حوله بأنهم واطيين... لماذا؟

لأنهم تنكروا له:"يوم أصبحت رئيسا للتحرير ومجلس الإدارة كان يوما مشهودا تطوع أحد الصحفيين بذبح عجلين قبل دخولي إلى المؤسسة.... ويوم خروجي سمعت من يسبني بأبي وأمي ويدعو على بخراب بيتي وتوالى السباب والدعاء حتى الآن."(ص9)

كبار المسئولين الذين ساندوه في غيه وفساده، استفادوا منه ومن هداياه التي بلغت الملايين من الجنيهات على نفقة المؤسسة ومن أموال الشعب الفقير:"كانت الهدايا التي تبلغ الملايين سنويا أنواعا وأشكالا توزع على كبار المسئولين.. بعضهم كان يطلبها بلسانه ويحددها مثل الساعات والأقلام والولاعات الذهبية.. أنواع أخرى من علب القطيفة بها جنيهات ذهبية.. الملك جورج.. تختلف أحجام العلب ومحتواها من الجنيهات الذهبية حسب مكانة المسئول وأهميته وسطوته."(ص210)

الآن هؤلاء المسئولون:"لا يردون على من خرج من الخدمة فمن خرج من الخدمة حلت عليه اللعنة والغضب، وهنا يكون الحرص واجب."(ص98)

كما أنهم"أغلقوا هواتفهم وأطلقوا على كلابهم."(ص11)

واحد من هؤلاء الكلاب الواطيين:"كان يفضل الجلوس تحت أقدامي... وصلت أنيابه القذرة إلى عظامي... وأشار إلى بالاسم والرسم بأنني السبب في فساد المؤسسة وفساد الذمم وأنني ارتكبت كل الموبقات والآثام بين جدران المؤسسة وأنني لا علاقة لي بالصحافة أو الكتابة."(ص12)

وهم واطيين لأنهم كانوا كالكلاب عند قدميه وهو على كرسي الرياسة، ولكنه عندما ترك الكرسي انصرفوا عنه إلى الرئيس الجديد:"كان العشرات ينتظرونني أمام مدخل المؤسسة يلتفون حولي بمجرد ترجلي من السيارة.. عشرات أمام المصعد وعشرات أمام المكتب... الكل ذهب مع الكرسي...ربما يفعلون الآن نفس الشيء مع رئيس مجلس الإدارة الجديد."(ص21)

والمثير للعجب حقا أن تكون عائلة الواطي:زوجته وأولاده وبناته واطيين مثله:"لم تسأل عني زوجتي... ولم يسأل عني أحد من الأولاد أو البنات منذ خروجي من الخدمة."(ص92) شيء يثير التقزز، ألهذا الحد يكون الواطي بين أهله؟ وربما لو سألته لماذا كل هذا الفساد والسحت والابتذال والقفز كالقردة فوق كل هذه الأشواك والحبال؟ لأجاب من أجل الأولاد! ونسأل: هل يسعد الأولاد أن يكون أباهم ثريا وفاسدا أم يكون فقيرا مستورا وشريفا عفيفا؟حتى لو كان الأولاد يردون التضحية بشرف أبيهم وسمعته من أجل ثرائهم، لا يجب أن ينساق الأب لنزواتهم.
هكذا الواطي في كل موقع قيادي يسلط عليه فساده مجموعة من الفاسدين الواطيين مثله يتذللون إليه ليحققوا من وراء تذللهم أغراضهم، وبعد ذلك يرمون الواطي بعد خروجه من منصبه في أقرب سلة نفايات:"كل من تعاملت معهم ورأستهم كانوا يتظاهرون بالأدب. لا ينظرون إلى وجهي مباشرة.. كانت عيونهم متجهة إلى الأرض دائما وعندما خرجت تغيرت الكثير من الأمور. بلع البعض منهم لقب الريس والباشا. بعضهم اكتفي بلقب أستاذ وآخرون من الواطيين استكثروا على كلمة أستاذ."(ص97)

حتى أهله وناسه من قريته...والذين خرجوا وراءه بعد زيارته للقرية أثناء تواجده في الخدمة:"بموكب من الشباب والشيوخ رافقوا سيارتي وسيارات الحراسة في ميكروبا صات وعلى الموتوسيكلات حتى القناطر الخيرية.وودعوني بالقبلات والدعوات."(108)كما قاموا وهو في الخدمة أيضا بتغيير اسم مسجد القرية وجعله باسم أبيه، كما سموا المدرسة الابتدائية الجديدة باسم الواطي نفسه، وعندما خرج من الخدمة:"أعاد شباب القرية اسم المسجد القديم ورفعوا اللوحة الرخامية التي تحمل اسم أبي... كما قام المجلس المحلي بتغيير اسم المدرسة الابتدائية التي قمت بافتتاحها في القرية مع وزير التعليم وحملت اسمي.. مدرسة فاروق عوض الابتدائية... ناس واطيين بحق، ناس واطيين ما يتمرشي فيهم."(ص103)

والواطي ولأنه عاشر الواطيين الكبار فإنه يعرفهم على حقيقتهم بدون رتوش أو دعايات إعلامية، لذا عندما خرج من الخدمة وجلس مسترخيا أمام التلفزيون وظهر على الشاشة أمامه بعضا من الوجوه الذي يعرفهم، صاح في سائقه أن يغلق التلفزيون أو يبحث عن قناة أخرى:"فأنا لا أرغب في رؤية هذه الوجوه التي أعلم حقيقة أصحابها تماما... يتحدثون عن النزاهة وهم فسدة... يتكلمون عن الطهارة وهم أنجاس."(ص109)

وعندما يهم الواطي أن يخدش زيف المسئولين الكبار في جلسة من جلساته الخاصة على ظهر إحدى المراكب، تهرب أخباره إليهم فيتصل به أحدهم ويدور الحار الآتي:

" – آلو.

  أنت فاكر يا ابن المره الوســــــ إن الكلمتين اللي قلتهم على المركب هيخوفونا.. لسانك تحطه في بقك وتخرس خالص.
  يا باشا...
  لا باشا ولا زفت... حجمك اعرفه... أفعصك... أحطك في السجن."0ص110)

وهذا المسئول الكبير واطي طبعا ليس لأنه سب الواطي فاروق ولكن لأنه وعلى لسان فاروق نفسه مرتشي:"كنت أجمع له الرشاوى وأصدر تعليماتي إلى مديري مكاتبنا في العواصم الأوربية أن يضعوها في حساباته وأسلمه بنفسي إيصالات الإيداع."(ص110)

وعندما يذهب الواطي إلى جده بالمملكة العربية السعودية يتصل بمدير مكتب المؤسسة هناك والذي يرد عليه ببرود:"لم أشعر بأنه قفز عندما سمع صوتي كما كان يفعل عندما كنت رئيسه. رحب بي ببرود وسألني عن الخدمة التي أريدها... كان يهرع إلى الفندق عندما يعلم بوصولي. لقد تغير الحال وأصبحت رئيس مجلس إدارة سابق. واطي آخر من قائمة طويلة من الواطيين الذين صنعتهم ورفعتهم وحولتهم من أبناء سبيل إلى أصحاب عزة وسمو ومال ومشروعات. هؤلاء الكلاب، إن لم يكن كلهم فأغلبهم من داخل مؤسستي... أنا الذي أطعمتهم وربيتهم... كنت أطلقهم على غيري... جاء اليوم ليوجهوا نباحهم إلى وينهشوا لحمي وعظامي."(ص120)

وواحد من الواطيين العاملين معه يؤلهه ويخاطبه كما خاطب الرسول صلى الله عليه وسلم ربه يوم آذاه الكفار وناده: اللهم إن لم يكن بك غضب على فلا أبالي:"خصمت يوما لأثنين من الصحفيين كبار السن لتأخرهما عن الحضور. كتب لي أحدهما مذكرة لرفع الخصم لا أستطيع نسيانها وكانت نقطة تحول في علاقاتي بالصحفيين "عهدناك كريما سخيا وأخاطب كرمك أن ترفع يوم الخصم عني وأرجو ألا تكون غاضبا مني، فإن لم يكن بك غضب على فلا أبالي."(ص182)

واحد مثل هذا الواطي الذليل الذي يؤله رئيسه من أجل إلغاء خصم يومين من راتبه، يبرر للبطل الواطي ظلمه لموظفيه تبريرا لا يخلو من حكمة – فأحيانا نأخذ الحكمة من أفواه الواطيين -:"يا ريس أنت قعدت عشرين سنة رئيس مجلس إدارة ورئيس تحرير.. في مؤسستك سبعة وعشرون شركة ولديك عدة آلاف من المستخدمين.. لو ظلمت أو عذبت كل سنة أثنين... هذا لن يضيرك، فهناك حكام يظلمون الملايين من شعوبهم كل يوم."(ص233)

حقا كل حاكم مستبد وظالم يوجد من الناس من يقاومه ويتصدى له، لكن أيضا يوجد واطيين مثل الحاكم يتشبهون به.

وهذا ما جعل فاروق عوض وأمثاله من الواطيين يتألهون.

ويلخص فاروق عوض علاقاته بالبشر من حوله بأنه:"اكتشفت أن قلة الأصل هي عامل الوراثة الثابت في كل البشر... في كل من عرفت..في كل من اقترب مني أو قربته أنا مني."(ص125)

وفي معرض الدفاع التخيلي عن نفسه يصيح فاروق عوض مطمئنا إياها:"إدانتي تعني إدانة نظام بأكمله... دولة بكل رجالها."(ص127)
و البطل الواطي لا يمارس الفساد ممارسة عشوائية، إنه يفلسف الفساد ويضع له إطارا نظريا:"تختلس وحدك..تذهب إلى السجن غير مأسوف عليك ويطبق عليك وحدك شعار "لا تستر على فساد".. تراضي من فوقك ومن حولك تصبح في أمان."(ص218)

لأنه يرى – وهو صادق تماما في رؤيته - أن:" كل ما هو غير قانوني أو شرعي في هذا البلد ينمو بسرعة ويتطور بسرعة أكثر."(ص229)
وفي تعليق ظريف لا يخلو من جدة وصدق يعبر البطل الواطي عن رأيه في وضع المسئولين كبارا وصغارا ستائر على نوافذ سياراتهم بأن:"المسئولين لا يرغبون في رؤية الناس، كما أن الناس لا ترغب رؤيتهم، وكأنهم أبتليوا فاستتروا."(ص227)

هذه هي العلاقة بين الواطيين.

وبعد ؛ تثير الرواية سؤالا هاما ؛ من يصنع من: الواطي يصنع حوله واطيين أم أن الواطيين هم الذين يصنعون من بينهم الواطي؟

برأي أن الواطي والواطيين كلا منهم صناعة بيئة واطية، بيئة مهيأة لتفريخ الواطيين وحضانتهم وتنميتهم.

وبعد ؛ رواية الواطي للكاتب الصحفي محمد غزلان إضافة هامة لسجل نضال النخبة المصرية المفكرة ضد الفساد والمفسدين في موقع من أخطر المواقع وأكثرها تأثيرا ألا وهو موقع بلاط صاحبة الجلالة الذي سيبقى مهيبا ومؤثرا وشامخا بالرغم من رئيس مجلس إدارة ورئيس تحرير واحد من كبريات الصحف القومية، وكذا بالرغم مما احتوته هذه المؤسسة من صحفيين واطيين ألهوا رئيسهم وصنعوا منه أسطورة من الفساد. وهذا ما يعطي تبريرا مقنعا لإهداء محمد غزلان روايته:"إلى الزملاء الذين عانوا وصمدوا وقاوموا ولم ينحنوا في بلاط صاحبة الجلالة." حقا هم قلة بجانب الكثرة الفاسدة، ولكن هذه هي حكمة الحياة أن يكون الأخيار قلة بجانب الأشرار، ورغم ذلك ينتصر دوما وفي نهاية الأمر الأخيار.

يبقي أن نشير أن تناول الرواية باعتبارها عملا إبداعيا أدبيا كان يمكن أن يكون من منظور نقدي أدبي، وأن يركز في هذه الحالة على جماليات النص من حيث اللغة وفنيات السرد والأسماء ودلالتها...إلخ وهذا مدخل علمي له مريديه. أما ونحن إزاء عمل يشتبك اشتباكا عنيفا مع واقع غارق حتى شعر رأسه في الفساد والانحلال فإنني رأيت أن تناول الرواية من ذاك المنظور – وهو منظور علمي جاد ومحترم - يعد تخليا عن مناضل في أرض المعركة.

محمد غزلان يخوض معركة ضد واحد من كبار الفاسدين في مجال الصحافة وذلك بروايته "الواطي" ومساندته واجب على كل مناضل والواجب يقتضي الاحتفاء بالرواية وتقديمها للقراء وإجراء الدراسات حولها بالتركيز على مضمونها الاجتماعي والسياسي.

ولعلي هنا أتمنى أن يتناول الرواية كاتب صحفي يعرف جذور الرواية وصاحبها الحقيقي – طبعا كل المشتغلين بالصافة يعرفون من هو فاروق عوض في الواقع – ويقوم برد الرموز إلى حقيقتها أو بالأحرى بعض الرموز - حتى لا تدخل الرواية بصاحبها إلى محاكم السب والقذف والتشهير – لتجلو أمام القارئ العادي حقيقة البطل الواطي صاحب الوجه السمج والعقل البليد واللسان المعقود إلا من السفاهة، والذي كان يطل على القراء في بابه الأسبوعي بصفحة كاملة تفضح جهله وتسلقه ونفاقه الرخيص لقيادة سياسية كان يدعي دوما أنها تسانده!!!

بقلم: د/سامي السهم

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى