الثلاثاء ٢٦ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠١٠
بقلم غزالة الزهراء

وردة ولكن..

تأنق وتعطر أمام المرآة المصقولة.
بدا وسيما، جذابا كأنه بطل من أبطال هوليود اللامعين، متيقن تماما أن هذه البدلة الرمادية التي انتقاها البارحة عن رغبة جامحة هي أفضل مما لديه.

أخذ يدندن بصوت خفيض، ثم هتف في سره وهو يرتع تحت أفياء وارفة من السعادة الحقيقية: ألا يمكنني أن أكون ممثلا بارعا أستقطب عيون المعجبين، والمعجبات الحسان؟ ألا يمكن أن أحصد أموالا طائلة من جراء ذلك؟
وإذا بصوت جارح، قاس ينبجس من دواخله موبخا إياه شر توبيخ: من تظن نفسك يا فتى؟ أنسيت فجأة من تكون؟ هل الغرور استبد بك إلى هذه الدرجة؟ ماذا تعرف أنت عن الفن، وأسراره؟ دع التمثيل لنجومه العظام الذين يتفانون بجد في أدائه، وتقديسه.

دحرج نظرة خاطفة على ساعته، عقرباها يتعانقان، إنها تشير إلى منتصف النهار، هذا موعد خروجها من مقر عملها، خرج مسرعا، وصفق الباب وراءه.
عبر الشارع الرئيسي بخطوات تنم عن حماس شديد، من بعيد لمحها قادمة، زغردت الفرحة الثرية في عينيه الزرقاوين، وكاد قلبه ينط من بين أضلاعه، مرت أمامه وهي تختال في مشيتها كالطاووس، تابعت سيرها في دلال من غير أن يحظى منها بنظرة ولهى، أو ابتسامة دافئة تذيب عن كاهله جليد الانتظار، وشراسة العذاب.

سحب من سترته الباطنية سيجارة، دخنها بعصبية بالغة، ثم امتص الثانية، والثالثة، سعل بشدة، كاد فؤاده ينشق، إنه في ذروة قلقه.
لقد صمم هذه المرة بأن يعرب لها عن مشاعره الناصعة، المكبوتة، أعاد الكرة مرة أخرى لعله ينجح في امتحانه العسير، انتظرها على أحر من اللظى في المكان الذي اعتاد عليه، أفصح لها عما يكابده بمشقة بين جوانحه: أيتها الوردة المتألقة ألا تمنحينني قليلا من وقتك الثمين؟ أنا.....أنا....
تلعثم لسانه، فرت من شفتيه الكلمات كفرار لص في العتمة، وابتلعته هوة سحيقة من الصمت الراجف المشين.
ارتسمت على محياها القمحي اللون ظلال ابتسامة دافئة، قالت بصوت رخيم معجون بالطمأنينة والارتياح: ماذا تريد أيها الفتى الوسيم؟ أنا كلي آذان صاغية.

كلمة وسيم أبهجت خاطره، وشنفت آذانه مما جعلته يتكلم بكل طلاقة.
ردت عليه بهدوء رصين حتى تستله من أحلام وهمية زائفة: لقد فات الأوان، ما باليد حيلة، متأسفة جدا، أنظر.
وأرته الخاتم الماسي ألا وهو خاتم الخطوبة المحاط بأصبعها.
استبدت به الدهشة عن آخرها، الصدمة الأليمة أفجعته في صميمه، جعلته يحتضر في الدقيقة مليون مرة.

ولى راجعا من حيث أتى، انكسار بداخله بحاجة ماسة إلى ترميم، نعم بحاجة ماسة إلى ترميم.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى