الجمعة ٢٠ حزيران (يونيو) ٢٠٠٨
بقلم محمد أبو الفتوح غنيم

وَطَنٌ مِن سَراب

(1)
 
زَعموا لَنا أَنَّ الوَطَنْ
رَبٌّ تَقَدَّس كَيفَ شاءَ
فَأَضرَموا فينا الوَلاءَ
وَأَخمَدوا فينا اللِواءَ
وَقاتَلوا فينا الإِباءَ
كَأَنَّنا أَبناءَهُ وَالأُمُّ خَضراءُ الدِّمَنْ
 
(2)
 
زَعَموا لَنا أَنَّ الوَطَنْ
حُلوٌ وَعَذبٌ ماءُهُ وَسَماءُهُ
أَصفى مَن اللَبَنِ المُصَفّى
يَنعَمُ الإِنسانُ فيهِ
بِكُلِّ أَسبابِ العَلاءِ
وَأَنَّهُ نِعمَ الوَطَنْ
حَتّى وَإِن غَطّاهُ شُؤمٌ
أَو تَخَلّى المَجدُ عَنهُ وَخُلِّفَت
أَبناءُهُ في طَرفِ أَذيالِ الأُمَمْ
يَكفي لَنا مَجدُ الهَرَمْ
قَد أوقِظَ المَجدُ التَّليدُ مُجَندَلاً
عَن صَهوَةٍ الزَّمَنِ النَؤومِ
عَلى شَواطِيءَ مِن عَدَمْ
عُذراً فَهَذا الوَهمُ يُضني
مَن هَوى عِشقَ القِمَمْ
زَعَموا لَنا أَنَّ الوَطَنْ
أَحلى وَطَنْ،
حَتّى وَإِن يَبدو مُريعاً
وَارتَدى زِيَّ العَفَنْ
 
(3)
 
إِنّي أَرى هَذا الوَطَنْ
مَيتاً تَلَفَّعَ بِالمَخاوِفِ بائِساً
وَبِكُلِّ ما في جَوفِنا مِن غُربَةٍ
وَتَحايُلٍ وَتَنازُلٍ وَتَجاهُلٍ
بِئسَ الكَفَنْ
لَسنا عَبيداً لِلوَطَنْ
بَل نَحنُ نَصنَعُ ذا الوَطَنْ
وَطَنٌ يُعَلِّمُ أَهلَهُ أَن يَبغَضوهُ
وَيَلعَنوهُ وَيوقِدوا فيهِ الفِتَنْ
 
(4)
 
وَطَنٌ وَطَنْ
وَلِكُلِّ مُحتالٍِ عَلى أَعتابِهِ
"أَقبِل لِتَلتَمِسَ السَّكَنْ
أَقبِل فَكُلُّ مَوارِدِ الدُّنيا لَدَينا تُستَباحْ
بَل كُلُّ خَيرٍ لا يُرى إِلّا عَلى التِّلفازِ
أَمَّا في الحَقائِقِ لا يُباحْ"
ما بَينَ مِطرَقَةٍ الغُرورِ
وَسِنديانِ الفَقرِ نَحيا،
نَذكُرُ الأَجدادَ نَنسى أَنَّهُم
صَاروا رُفاتاً لَيسَ يَنفَعُ
في زَمانِ الإِنفِتاحْ
حَتّى وَلَم نَحفَظ لَهُم
حَقَّ التَّباهي بِالحَفيدِ
وَقَد غَزا سُبُلَ النَّجاحْ
قَد لازَمَ الوَلَدَ الضَّنى
وَاستَعذَبَ الشَّعبُ الشَّجَنْ
 
(5)
 
أَوَلَستَ تَعرِفُ ما الوَطَنْ؟!
أَتَظُنُّهُ مُدُناً وَأَهراماً وَصَحراءً
وَنيلاً كانَ مَجداً
فَانزَوى في عَهدِنا
لَمّا جَرى فيهِ النَّتَنْ
لا لَيسَ هَذا بِالوَطَنْ
هَذا قَضاءٌ أَن وُلِدنا
بَينَ جَنّاتِ العَدَنْ
نَحنُ الوَطَنْ
نَحنُ الَّذينَ نُلَوِّثُ الدُّنيا
بِأَنفاسٍ مِنَ الحِقدِ الكَريهِ
وَنَلعَنُ بَعضَنا بَعضاً
وَنَنتَقِدُ الجَميعَ بِلا مَساعِىَ لِلصَّلاحِ
كَأَنَّنا صَيدٌ وَكُلُّ مَصائِدِ الدُّنيا
أُعِدَّت كَي تُطيحَ بِنا
عِشنا لِنَمتَهنَ الوَهَنْ
 
(6)
 
مِصرُ الَّتي لَيلى
عَلى أَطلالِها ضاعَ الأَمَلْ
مَهما تَغَزَّلتُمْ بِها وَنَسَجتُمُ مَدحاً لَها
وَرَجَوتُمُ أَن تُرجِعوها لِلمعالي بِالأَمَلْ
لا لَيسَ فيها مِن أَمَلْ
يا بُؤسَها لَيلى
إِذا قَيسٌ بَكاها كَالنِّساءِ
وَلَم يُقاتِلْ عَجزَهُ أَو لَم يُواجِهْ حُزنَهُ
وَبَقى عَلى طَلَلٍ ثَمِلْ
إِنَّ الأَمَل يَرجوهُ مَن يَسعى لَها
يَرقى بِها يَجتازُ كُلَّ مَصاعِبِ الدُّنيا
يُحِبُّ تُرابَها
مَن لَيسَ يَلعَنُ وَضعَهُ
مَن لَيسَ يَشكو فَقرَهُ
يَسعى يُبَلِّغُهُ العَمَلْ
 
(7)
 
فَإِذا سُئِلتَ عَنِ الوَطَن
قُل "كُلُّ أَرضٍ يُذكَرُ اسمُ اللهِ فيها لي وَطَنْ"
قُل "كُلُّ أَرضٍِ أَبتَني مَجداً بِها حَتماً وَطَنْ"
قُل "كُلُّ نَفسٍٍ أَرشَدتني لِلصَّوابِ هِيَ الوَطَنْ"
قُل "كُلُّ نَفسٍ لا تَكَلُّ
مِنَ الدِّفاعِ عَنِ الحُقوقِ
وَكُلُّ نَفسٍ لا تَمَلُّ
وَإِن تَداعى كُلُّ أَنصارِ الحَقيقَةِ لي وَطَنْ"
نِعمَ الوَطَنْ

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى