

يا قُدْسُ إنِّي في الهَوَى مُتَبَتِّلٌ
يا قُدْسُ إنِّي في الهَوَى مُتَبَتِّلٌ
أَرْنُو إليكِ بمُهْجَةِ المُتَحَسِّرِ
أَنْتِ الضِّيَاءُ، وأَنْتِ سِرُّ صُمُودِنَا
فيكِ الإبَاءُ يَثُورُ ثَوْرَةَ ظَافِرِ
ما نَالَ مِنْ أَهْدَابِكِ المُحْتَلُّ إذْ
في جَوْفِكِ الأَقْصَى كَحَدِّ السَّنْجَرِ
ما ماتَ فينا العَزْمُ مُذْ خُلِقَتْ يَدٌ
تُلْقِي الحِجارَةَ في وُجُوهِ الغادِرِ
كَمْ مِنْ شَهِيدٍ أَزْهَرَتْ أَنْفَاسُهُ
زَهْرًا يَفُوحُ بِعِزَّةِ المُتَطَاهِرِ
والْمَوْتُ يُدْنِي مَنْ أَتَى مُسْتَبْشِرًا
لا يَخْشَ بَطْشَ العَاتِيَاتِ الجائِرِ
لا نَرْتَضِي بَيْعَ الدِّيَارِ لِخَائِنٍ
مَهْمَا اسْتَبَدَّ بِغَدْرِهِ المُتَخَادِرِ
كَمْ مِنْ عَجُوزٍ لَمْ تُفَارِقْ صَبْرَهَا
وحَكَتْ حَكَايَا العِزِّ لِلمُتَذَاكِرِ
نَحْنُ الْجِبَالُ إِذَا الْجِبَالُ تَحَرَّكَتْ
لا يَخْشَ في حَقِّ الحَياةِ مُنَافِرِ
فَلَكَمْ طَعَنَّا القَهْرَ فِي جَوْفِ البِلى
حَتَّى غَدَا بَينَ الجُرُوحِ مُنَاثِرِ
ما دامَ في الأَرواحِ عَزْمٌ شامِخٌ
مَا هَزَّها سَوطُ الطُّغاةِ الجائِرِ
أَوَ تَحْسِبُونَ بِأَنَّنَا سَنَهُونَ فِي
دَرْبِ الخُلُودِ وَنَنْثَنِي لِمُدَثَّرِ؟!
كَلَّا، سَنُشْعِلُ فِي الدُّجَى أَنْفَاسَنَا
نَارًا تُدَمِّرُ كُلَّ طَاغٍ كَافِرِ
وَنُعِيدُ لِلأَحْرَارِ دَوْرًا رَائِدًا
إنَّ الصُمُودَ هُوَ المَآلُ الآخِرِ
وَنُقَاوِمُ الأَعْدَاءَ في كُلِّ سَاحَةٍ
وَنَكِيدُ لِلأَشْرَارِ كَيْدًا غَائِرِ
إِنَّا سَنَكْتُبُ بِالرِّمَاحِ حُدُودَنَا
وَنُقِيمُهَا بِسَوَاعِدٍ كَالزَّاخِرِ
هَذِي الجِرَاحُ تَزُفُّنِي وَدِمَاؤُهَا
طَوْدٌ يُظَلِّلُ هِمَّتِي بِمَنَاصِرِ
يَا قَاتِلِي، إِنِّي إِلَيْكَ مُوَجِّهٌ
لَعْنًا يُدَمِّرُ كُلَّ إِنْسٍ فَاجِرِ
وَرَكِبْتُ بَحْرَ المَجْدِ ثورًا هائجًا
لا أَرْتَضِي بَيْنَ الوَغَى بِسَاتِرِ
وَتَفَجَّرَتْ كَفِّي بِنَارٍ زَاحِفٍ
تَسْتَأْصِلُ الظُّلْمَ البَغِيضَ الدَّابِرِ
وَكَتَبْتُ فِي العُلا حُرُوفَ كَرَامَةٍ
تَحْيَا بِهَا الأَرْوَاحُ بَيْنَ مَقَابِرِ
هَذِي الجِبالُ الصُّمُّ تَشْهَدُ أَنَّنا
نَدعُو إلى الحَقِّ العَلِيِّ الآمِرِ
وَإِذَا طَلَبْنَا السِّلْمَ لَمْ نَخْضَعْ وَإِنْ
هَجَمَ العِدَى فَسُيُوفُنَا فِي الخَاصِرِ
نَصْحُو عَلَى نَارِ الوَغَى وَعُيُونُنَا
فَوْقَ الحُدُودِ كَنَافِذٍ مُتَنَاظِرِ
هَذَا الوُجُودُ سَيَشْهَدُ الجِيلَ الذِي
يُنْيرُ ضَوْءًا فِي الطَّرِيقِ العَاثِرِ
يَهْفُوْ إِلى الأَوطانِ يَحْمِلُ حُلْمَهُ
يَحْمِي ثَرَاهَا مِنْ لِئيمٍ مَاكِرِ
وَسَيَزْرَعُ الآمالَ في صَحرائِنا
يُعْلِي لواءَ الحَقِّ في صَبْحِ وهَاجِرِ
وَيُقَاوِمُ المُحْتَلَّ في كُلِّ جَانِبٍ
لِيَكُونُ لِلأَوْطَانِ دِرْعَاً سَاتِرِ
وَيُعِيدُ لِلشُّهَدَاءِ ذِكْرًا عَاطِرًا
يَزهُو بِهِ التَّارِيخُ في كُلِّ حَاضِرِ
إِنِّي أُرَاوِدُ لَيْلَهُمْ حَتَّى يُصَبِّحُهُ الهُدَى
وَأَزُفُّ فَجْرًا لِلْيَقِينِ عَلَى يَدَيْ مُسْتَبْشِرِ
وَسَأَذْكُرُ الأَيَّامَ إِذْ كُنَّا نُقَاوِمُ غَاصِبًا
وَأُزِيلُ عَنْهُ سِتْرَ ظُلْمٍ دَاثِرِ
أَنْتِ الضِّيَاءُ، وأَنْتِ سِرُّ صُمُودِنَا
فَأَبَيْتُ أَسْتَجْدِي حَيَاةً فِي ظِلَالِ القَاهِرِ
سَأظلُّ في صَدرِ الجِراحِ مُقاتِلًا
وأُذيبُ في نارِ العَدُوِّ دَثائري
إنّي رأيتُ النورَ يَخْفِقُ في دَمِي
كالنَّارِ في عَزْمِ الفؤادِ الثائرِ
سَأَذُودُ عَن أرضي وَعَنْ أَحْبابِها
وَأُمِيتُ بَيْنَ يَدَيَّ كُلَّ مُسَاوِرِ
إِنَّا لَشُعْلَةُ غَضْبَةٍ لا تَنْطَفِي
وَإِذَا احْتَرَقْنَا فَاحْتِرَاقُ الجَامِرِ
فَامْضُوا أَحِبَّتِي الأُبَاةَ فَإِنَّنَا
نَحْيَا بِكُلِّ سِلاحِ صَبْرٍ جَاهِرِ
لِنُعِيد لِلأَرْضِ العُرُوبَةَ فَخْرَهَا
وَنَصُونُها مِن كُلِّ خِدْنٍ غَادِرِ
وَنُعيدُ لِلأَوطانِ عِزًّا سَالِفًا
يَزهُو بِهِ التَّاريخُ في الدَّفَاتِرِ
مَسْرَى النَّبِيِّ ومَهْدُ مَجْدِ العَاشِقِ
ونَشِيجُ طِفْلٍ في الدُّجَى مُتَحَاذِرِ
قومي وقولي للظلامِ مُودّعًا
إنّي حُسامٌ لا يُطَاوِعُ كاسِرِ
نَحْنُ الصُّمُودُ، نَحْنُ بَحْرُ إبَائِنَا
لَا نَسْتَكِينُ لِظَالِمٍ مُتَحَاوِرِ
كَلَّا! سَيَسْطَعُ كُلُّ حَقٍّ رَاسِخٍ
وَيَمُوتُ تَحْتَ المَجْدِ كُلُّ مُدَابِرِ
لَا تَنْثَنِي أَحْلَامُنَا يَا خَائِنًا
فَالصَّخْرُ يَكْسِرُ كُلَّ سَيْفٍ نَاحِرِ
مَا ضَرَّنَا ضَعْفُ السِّلاحِ فَإنَّمَا
إيمَانُنَا السَّيْفُ الشَّدِيدُ القَاهِرِ
إِنَّا نُحِبُّ المَوْتَ إِنْ سَلَكَ الفِدَا
دَرْبَ الكِرَامِ بِجَأْشِ صَدْرٍ زَاخِرِ
وَسَنُطْعِمُ الأَرْجَاءَ حَرَّ دِمَائِنَا
وَنُذِيقُهَا طَعْمَ الفِدَى المُتَنَاثِرِ
حَتَّى تُزَهِّرَ فِي الرُّبَى أَغْصَانُنَا
وتُعَانِقَ الأَقْصَى دِمَاءُ الطَّاهِرِ
كَمْ مِنْ شهيدِ قَدْ تَبَسَّمَ ثَغْرُهُ
فَسَطَا الضِّياءُ بِوَجْهِهِ المُتَنَاضِرِ