الثلاثاء ٣ نيسان (أبريل) ٢٠٠٧
بقلم عادل الأسطة

ذاكرة زيتونة.... ذاكرة الاجتياح

تصادف, في هذه الأيام, الذكرى الخامسة لاجتياح القوات الإسرائيلية, في العام 2002, مدن الضفة الغربية: رام الله ونابلس وجنين وبيت لحم. وقد عزمت بعض القوى الوطنية, النية على إحياء هذه الذكرى, بإقامة احتفالات وأمسيات وندوات. وربما حفلت الصحف والمجلات بالعديد من المقالات والمقابلات التي سيأتي فيها أصحابها على ما حدث, وقد يتذكرون شهيداً أو جريحاً, وقد يتذكرون مقاوماً استبسل, ولن ينسوا, على أية حال, ما فعلته القوات الإسرائيلية في تلك الأيام, وما زالت تفعله حتى اللحظة.

وقد كان الاجتياح مادة لكتاب كثيرين خاضوا فيه, وكتبوا قصصاً وروايات. سحر خليفة ابنة مدينة نابلس التي تقيم ,منذ فترة في عمان, عادت إلى المدينة , ذات نهار, وقابلت نساء نحوش العطعوط , وأنجزت روايتها " ربيع حار" في عام 2004 . وأنا أنجزت مجموعة قصصية عنوانها " فسحة لدعابة ما" , نشرت يعض قصصها في الصحف , ونشرتها كاملة على (الانترنت), استوحيت أكثرها من اجتياح المدينة . وهناك قصائد كتبها شعراء كثر, ربما كان ديوان " حالة حصار" في عام 2002, لمحمود درويش, أبرزها وأوفرها حظاً في الانتشار والدراسة.

هذه الأيام ستزورني الكاتبة سهاد عبد الهادي , من نابلس, وستهديني روايتها الأولى "ذاكرة زيتونة " والتي صدرت في عام 2007, وسأعرف منها أنها أخت المربية لواحظ عبد الهادي , وقد تعرفت إلى الأخيرة منذ ثلاثين عاماً , وعرفت أنها مهتمة بالثقافة , فقد كنا نناقش , كل أسبوع مع مدير منطقة نابلس في وكالة الغوث للاجئين , الأستاذ يوسف رضا , مع معلمي الوكالة ومعلماتها , كتاباً , سواء أكان مؤلفاً أو قيد التأليف. ولم أكن أعرف سهاد , أنها أخت لواحظ.

وسأفاجأ بمؤلفة جديدة تؤلف رواية عن اجتياح مدينتها. وربما تساءلت عن سر هذا الالتفات المتأخر للكتابة , ما دفعني لأن أسأل صاحبة الرواية إن كانت كتبت شيئاً من قبل . وستخبرني بأنها تابعت ما كتبته عن رواية سحر" ربيع حار" وأنها أفادت من نقدي للرواية.

وذاكرة زيتونة هي ذاكرة ابنة المدينة وذاكرة شخوصها , الذين ظلوا مقيمين في نابلس, والذين ظلوا في المنفى. اللاتي ذهبن إلى الشارقة فلم يقدرن على الحياة فيها, واللاتي كنَ في الشارقة , ولم يفارقهن ماضيهن في نابلس. المدينة تسكننا ونحن فيها , والمدينة تسكننا ونحن بعيدون عنها.

الشخصية المحورية في الرواية هي سهر, وهي امرأة متزوجة من رجل مغامر لا تروق له حياة المدينة تحت الاحتلال فيهاجر , ويطلب زوجته أن تهاجر معه فترفض. وتفقد سهر ابنها الوحيد , وهكذا تبقى وحيدة تعاني من الأرق. تشغل نفسها ببعض الأعمال الخيرية , وتدعوها قريبة لها , هي دعد , لزيارة الشارقة , لعلها تفيد من سهر في أعمالها ومشاريعها هناك, وتسافر سهر ,ولكنها لا تستقر, فحياة المنفى لا تروق لها, ولا تقوى على العيش بعيداً عن نابلس. وبعد أن رأت كيف يحيا الفلسطينيون هناك , تقرر العودة.. وتعود.

تبرز الرواية صورة لحياة الفلسطينيين في أماكن الشتات , وتحديداً في الشارقة. ويغدو الوطن أمسية شعرية واحتفالا للتضامن وجمع المال ليس أكثر, ينصرف المدعوون والمدعوات بعد ذلك إلى شؤون حياتهم, فيعملون ويتبادلون الزيارات ويفكرون في مشاريعهم , بعيداً عن الوطن الذي يعذب أبناءه ممن يقيمون فيه , حتى ليعاير الفلسطينيون في المنفى من يزورهم ويفكر في العودة إلى فلسطين . هكذا ترى دعد في سهر غاوية فقر وعذاب وهم , لا تحيا حياتها , سهر التي آثرت العودة , إلى نابلس , على الإقامة في الشارقة . الشتات . إنها مثل زيتون فلسطين .. وستزورها , قبل اجتياح نابلس في عام 2002 بيوم , فتاة إماراتية تعرفت إليها في الشارقة هي مها ,التي ولدت في لندن وحصلت على الجنسية البريطانية , وتدرس العلوم السياسية في جامعة عجمان. وستعيش مها الحصار مع سكان المدينة, وستتعرض إلى ما تعرضوا له من مضايقات ومعاناة . ستجوع كما يجوعون . وستقمع كما يقمعون , وحين ينتهي الحصار وتغادر المدينة إلى الشارقة , ستظل تشعر مع سكان نابلس. وحين يذهب بعض جرحى المدينة إلى الشارقة لكي يعالجوا هناك تعودهم , وتعود خالداً الذي تعرفت إليه على الجسر, خالداً ابن نابلس الذي درس الصحافة وعاد إليها قبل الاجتياح .

ستقص سهاد عبد الهادي قصص الاجتياح. ستقص عن بشر ماتوا , لا لأنهم قاوموا الاحتلال, وإنما لأنهم كانوا موجودين في المكان , فجعلت منهم القوات الإسرائيلية دروعاً بشرية لاقتحام البلدة القديمة , حيث تحصن المقاومون . ستقص عن المرضى الذين قضوا لنقص في العلاج , وعن الأطفال الذين مرضوا لنقص الحليب وسوء التغذية.

والأهم من هذا كله ستبرز صورتين لحياة الفلسطينيين, صورة حياتهم تحت الاحتلال وصورة حياتهم في المنافي , بخاصة في دول الخليج , فحياة الفلسطينيين في مخيمات لبنان وبعض البلدان الأخرى غير حاضرة في الرواية .

الآن ذكرى الاجتياح على الأبواب . وقد أعادتنا " ذاكرة زيتونة" إلى تلك الأيام التي ما زالت آثارها بارزة في الاجتياحات المتكررة وفي الحواجز على الطرقات.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى