الخميس ٥ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٢
بقلم لبنى محمود ياسين

كيف تصبح صاحب حق ..دائماً؟

قديما قال مثل مصري دارج: «خدوهم بالصوت لا يغلبوكم».

يبدو أن ثقافة الصوت العالي صارت فلسفة رائجة، ولها محبيها وروادها ومريديها، وكل ما من شأنه أن يعليها، ويقلب لبقية البشر عاليها واطيها، ويرفع صاخبها ويدني هاديها .

فإن وقفت في الدور أمام دائرة ما، أو حتى في السوبر ماركت، أتاك أحدهم مخترقاً الصفوف بوقاحة يُحسد عليها، باعتبار الوقاحة خلقاً عصرياً جداً يتيح لك من التجاوزات ما لا يتيحه لك الحياء، وإن قلت له:" عفواً يا أخي أنا كنت هنا قبلك"، فوجئت بصوته يملأ المكان صارخا في وجهك، بعبارة ما تبرر وجوده في الصف تبريراً منطقياً مقنعاً لم يسعفك ذكائك المحدود في الانتباه له دون تعريض نفسك إلى الموسيقى التصويرية الناتجة عن اهتزاز حباله الصوتية، من الممكن أن يكون رده مثلا:" إي..خربت الدنيا..استنى شوي أنا مستعجل"، أما سبب استعجاله، فلا تخف ليس حالة إسعاف عليه أن يوصلها إلى المشفى لا سمح الله، ولا طفل ينتظره في السيارة مثلاً، ولا امرأة توشك على الولادة، إنه باختصار شلة الأنس التي تنتظره في الاستراحة أو في السيارة أو في أي مكان آخر، بإمكانك أن تكتشف ذلك من المنتجات التي قام بشرائها والتي غالبا ما تكون تسالي غذائية لزوم جلسة الصفا الليلية، وهنا عليك أن تكون مقدراً لروح الجماعة التي معه ولا تعرض نفسك لاجتماعها على جسد سيادتك لتعبر عن رأيها بحرية في اعتراضك غير المبرر عن اختراق صاحبهم لدورك الوضيع.

أما إن أسعفته جرأته أو وقاحته التي أخبرتكم من قبل أنها من الأخلاق العصرية المحمودة لذلك فأنا هنا لا أستغيب ولا أشتم بل على العكس أمتدح شخصاً بأجمل ما فيه، المهم إن أسعفته تلك الوقاحة إلى رد أبلغ من ذلك فإنه سيصرخ فيك قائلاً:" نعم يا روح أمك..أنا هنا من الصباح وتقلي أنا قبلك"، بالطبع عندها ستشكك في عينيك، وفي ذاكرتك، وفي أي شيء يخصك إلا صدقه، لأن نبرة صوته الموسيقية العالية، وتناغمها مع نظرة تقدح شرراً، سيجعل الأفضل لك ولعائلتك ولكل من تعرفه أن تنسحب، بعد أن تتذكر أن شلة الأنس الكريمة قد تكون بانتظاره أسفل المبنى أو في كراج السيارات، مما يجعلك عرضة للارتقاء إلى مادة تسلية شيقة لحضرتهم من خلال انتخابك موضوعاً لبرنامج تلفزيون الواقع الذي سيقومون بتصويره بكاميرات جوالاتهم، وبثه عبر جميع القنوات المتوفرة، بينما أنت تتمتع بملمس صفعاتهم وركلاتهم على جوانبك، وحتى يتكرم متطوع ما ويطلب الشرطة ستكون جميع خرائط الوطن العربي قبل التقسيم وبعده قد رسمت على ملامحك، وبأي حال فإنهم ما أن يسمعوا تلك الصفارة التي تبشرك بالخير"وا وي وا وي"، والتي هي بكل تواضع صفارة سيارة الشرطة، حتى يركضوا باتجاه سياراتهم وينطلقوا بها لا يلوون على شيء، وتبقى أنت متأخرا في كل الحالات عن الموعد المتوقع فيه حضورك لأهلك أو لأصدقائك، مع بعض الرضوض على جسدك تتناسب في كميتها وشدتها مع الوقت الذي استغرقته سيارة الشرطة في الوصول إلى مكان التصوير..عفوا أقصد مكان الشجار..أو ربما مكان الاعتداء باعتبارك متشاجر سلبي..أكل علقة ساخنة على حساب غيره دون أن يرد الصاع ولا بربع صاع حتى.

لذلك صديقي، أنصحك منذ اليوم بالحصول على التدريبات الصوتية للسولو والأوبرا وجميع الأصوات ذات الترددات العالية، ليس للتدريب على الغناء لا سمح الله، لكن لاستعمالها يومياً في إطلاق مقدراتك الصوتية حتى أعلى درجة ممكنة، لأن ذلك مع بعض الوقاحة التي ستتدرب عليها أيضا تدريجياً، باستخدام تمرينات للوقاحة والبجاحة والكذب عيني عينك تجدها تحت عنوان " أصول التعامل الراقي في القرن الواحد والعشرين"، سوف يجعلك صاحب حق بامتياز، سواء في موقف سيارتك، أو في اختراق الصف، أو في الحصول على ترقية، أو في الحصول على إجازة مرضية من العمل، أو في التعامل مع زوجتك وأهلها..وحدث ولا حرج..فطالما اجتمعت الوقاحة والصوت العالي..لا بد أن تكون على حق مبين...وسلامتكم.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى