الجمعة ٢٧ آب (أغسطس) ٢٠١٠
بقلم صبحي فحماوي

التجريب في رواية (حرمتان ومحرم)!

التجريب لا يعني التخبيص فيما يجوز وما لا يجوز، إذ أنه لا يصدر إلا عن كاتب متمرس، ومتمكن من أدواته الفنية، ففي الشعر أصدر محمود درويش ديوانه السابع بعنوان(محاولة رقم 7) والمحاولة بعد الديوان السادس هي نوع من التواضع، ولكنها لا تصدر إلا عن كاتب متمكن..

والتجريب لا يأتي إلا من الخبراء في الإبداع أو النقد، فمن كتب في موضوعات صارت تقليدية، ولم تعد تدهش القراء، ولا تعزز معلوماتهم الفنية والفكرية، ولا تقدم فنوناً أو قضايا جديدة، تجده يجرب لإصدار إبداع من نوع جديد، سواء كان ذلك في الشكل، أو المضمون، أو كلاهما معاً ، وأحياناً يتجه « للتغريب شرقاً» أو «الإشراق غرباً» وذلك بالكتابة في الاتجاه المضاد، لعله يفتح باباً جديداً من الفن المستنير، بهدف الإمتاع والتوعية والتغيير نحو التطوير...

ولتدوين تجربتي الذاتية ، فعندما بدأت في كتابة رواية «حرمتان ومحرم» ، كنت أقصد تصوير العذابات التي تتعرض لها فتاتان جميلتنا متخرجتان من كلية التربية وهما في العشرين من العمر، في القطاع الفلسطيني المحاصر بالجدران الفولاذية من جميع الجهات، وتحت ظروف الفاقة والفقر المقترب من الموت جوعاً، تضطر الفتاتان للسفر والعمل معلمتين في ولاية الرمال، يرافقهما الرجل الكبير بالسن، المَحرَم أبو مهيوب، وتنتهي الرواية بعد ثمان سنوات بزواج الرجل الخمسيني أبو مهيوب من الفتاتين معاً ..

ولكن وبعد انتهاء الرواية بخاتمة «تمت الرواية» سمعت لغطاً خارج المكان، وما هي سوى ثوان معدودات حتى اقتربت الأصوات، وكأنها تصدر من شخصيات روايتي، وتتقدم داخلة مكتبتي، فجربت أن ألحس توقيعي بذيل الرواية، وفتحت باب ملفها من جديد، فإذ بالشخصيات الرئيسة للرواية (تغريد وماجدة وأبو مهيوب) ينبثقون من صفحات الرواية، ويدخلون عليّ بدمهم ولحمهم، متمردين ، ورافضين للنهايات التي حددتها لهم، ومعاكسين للطريق التي رسمتها لهم.. فدونت ما حصل معي بعد انتهاء الرواية تحت عنوان:

متعة الرعب

لا أكاد أنهي روايتي عزيزي القارىء، حتى يفاجئني أمرٌ جلل..! دهشة ورعب يعترياني، لا أتوقع حدوثهما..! هل أنا في حلم، أم في علم، أفرك عيني، ثم أنظر مرة أخرى، فأرى أمامي شخصيات الرواية الرئيسة؛ أبو مهيوب وماجدة وتغريد...سبحان الله! تغريد نفسها تتجسد أمامي! أراهم يتقدمون نحوي بلحمهم وقاماتهم المعروفة لدي، يدخلون عليّ، وعيونهم تُحدِّجني.. تكاد تأكلني! ولكنني في الحقيقة كنت قد تعودت التعامل مع هذه الشخصيات، فلست خائفاً من دخولهم غرفة مكتبي حيث ولدت شخصياتهم بين يديّ! وأنا في الحقيقة مؤلف، أتخيل شخصياتي على الورق، ولكنني لم أتوقع، ولم أتخيل مجرد تخيل، أنني سأقف مرتبكاً بتحولهم إلى شخصيات من لحم ودم، تحيا وتتحرك أمامي، وتناقش أفكارها، وتقبل وترفض أفكاري!.. أمر مدهش! لا..! مؤكد أنني لست في وعيي..! لقد أدمنت التعامل مع هذه الشخصيات، لدرجة أنني أصبحت أعيش معها، وأحلم بها، وأفكر في همومها، وأعاني معها، وأحاول توجيهها لما فيه مصلحتها، وأحذرها من الوقوع في الخطأ.. صرت أشعر أني وليّ أمر هذه الشخصيات، ومسؤول عن تصرفاتها، وأخاف على مستقبلها، ولكنني لم أفكر في يوم من الأيام أن أراها أمامي حية تسعى..!

نعم إنهم يدخلون عليّ هكذا (دون إحم، ولا دستور..!) صدِّقني إنني أشاهدهم الآن بأمّ عينيّ يدخلون مجتمعين، فأنا لا أحلم أو أعيش حالة غيبوبة، أو أتعاطى المخدرات لا سمح الله! وأنا في كامل قواي العقلية والصحية والجسدية والنفسية... يتباطأ أبو مهيوب في الدخول، فتقول لـه ماجدة: "احتراماً للسن، فأنت تدخل أولاً، وكذلك فأنت على اليمين، وتيامنوا!"

تتيامن الجماعة، وتدخل عليّ..! لا أخفي عليك خوفي من المشهد، نظراً لعدم توقّعه على الأقل، فأنا أعرف أنني أكتب رواية من بنات أفكاري، مجرد تخيُّل، ولكن دخول شخصياتي عليّ بهذه الثقة، ولا أريد أن أقول: (بهذه الوقاحة)! ذلك لأنني أحببت شخصياتي وأدّبتها، فأحسنت تأديبها، ولذلك أقول لك: "يبدو أنهم ذوو شخصيات قوية، ويشنون هجوماً منظماً نحوي..!"

أتأملهم مرعوباً، ولكني فرح بدخولهم! هل سبق أن شعرتَ برعب ممتع؟ كثيراً ما يحصل معي هذا، فعندما كنت في (عالم دزني - ماجيك ماونتن - أمريكا) وركبت مع الراكبين في تلك القاطرات السماوية التي تدور، وتلف في السماء، مثل ثعبان ضخم، والأفعى ترمي بنفسها من السماء، ومرة نشاهد أرجلنا باتجاه السماء، ورؤوسنا باتجاه الأرض، نتشقلب ونحن نصرخ، (مستمتعين بالرعب)..! هل استمتعت مثلي بالخوف في غرفة الأشباح عندما تظهر لك الهياكل العظمية من قبورها في العتمة، وتستعطفك بأنين يهز القلوب؟ أو عندما تمرّ في العتمة إلى جوار مقبرة دزني، فتسمع أنين وآلام الموتى داخل قبورهم، فتشعر بخوف عظيم! وعندما تخرج، تشعر بمتعة وراحة نفسية لكونك ما زلت حياً، فالداخل إلى المقبرة خائف، والخارج منها فرِح، بعكس أصحاب هذه القبور الذين انتهوا وتحللت هياكلهم العظمية داخل توابيتهم! هل استمتعت بأعياد الهلوين الأمريكية، التي تعتمد متعتها على الرعب؟ هل شاهدت المتعة المرعبة لفرسان مالطا وتجار الأسلحة العولميين، حينما ينجحون في إنزال قواتهم في بغداد وقندهار لابتزاز النفط، ولكنهم يرتعبون تماماً عندما تلتقط تماسيح الأهوار العراقية الكثير من أرجل مرتزقتهم، وتقضمها، وتجهز عليها برمشة عين، أو بقضمة تمساح، فيخرجونهم من مياه بوص الأهوار، على نقالات إسعاف حضارية ديمقراطية، وهم ينزفون دماً، منهزمين برِجْلٍ واحدة لكل منهم، يرفعونها إلى الأعلى كإشارة نصر، ولكنها قميئة مهينة أمام جذوع أشجار النخيل العملاقة..!

إنني أشعر بمثل هذه المتعة المرعبة، وأنا أشاهد شخصياتي الحبيبة التي صنعتها من كلمات، تخرج من بين سطور كمبيوتري، كمارد خرج من قُمقمه، وتقف أمامي عنيدة، رافضة للأدوار والأثواب التي ألبستها إياها! إذن صحيحة هي حكاية المارد الذي يخرج من القُمقم وسراج علاء الدين، (... وشبّيك لبّيك... عبدك بين إيديك....).. ولكن هؤلاء الملاعين ليسوا عبيداً، بل متمرّدون نماريد، رافضون لعلاء الدين وسراجه!

لا تتوانى شخصياتي عن الصراخ المكتوم في وجهي! هل شعرت ذات مرّة بالصراخ المكتوم...إنه صراخ يملأ جو غرفة مكتبي، ولكن بخفوت.. قد يكون الجيران وسكان العمارة لا يسمعونه أبداً.. أتأكد من ذلك لأن أحداً منهم لا يهجم فيرن جرس باب شقّتي ليستفسر عما يحصل، أو ينجدني مما أنا فيه! إنهم ينكشفون عليّ ويظهرون لي، ولكن يبدو أنهم يلبسون طاقية الإخفاء أمام الآخرين..!

والحقيقة أقولها لك، فبالرغم من البهدلة والإهانة التي أتعرض لها، فأنا لا أشعر بالخوف أو الرعب التقليديين، أو الانزعاج مما أواجه، بل برعب لذيذ، وإهانة ممزوجة بالنشوة.. قد تقول: إن هذا الرجل فقد عقله، أو رَكبهُ جِنٌّ أزرق، أو إنه يرى أشباحاً، أو إن أرواحاً تخرج من عينيه. ولكن الحقيقة يا أخي غير ذلك. الحقيقة أن شعور المؤلف بخروج شخصياته إلى الحياة مجسّدة أمامه يعني أن الشخصيات صارت حية تسعى..! (فألقى موسى عصاه، فإذا هي حية تسعى) تلك القصة توضح إعجاز الله (فتبارك الله أحسن الخالقين) إنه قِمَّة الخلق، أن تدب الحياة في العصا، فإذا بها حية تسعى..! وبشكل مشابه، تدب الحياة في شخصيات روايتي، فإذا بها حية تسعى، ولكن في مواجهتي!

ودون مقدمات توجِّه ماجدة كلامها إلي بعنف، ودون حياء أو خجل.. أتأمل ملامحها وهي تتكلم.. نفس الملامح التي رسمتها بالكلمات، سبحان الله..! نفس امتلاء جسدها الأسمر الجميل بلا إفاضة، وعيناها اللتان تشعان ذكاءً وحيوية وزعرنة، وفمها بشفتيه المكتنزتين الذي يتفوه بالعبارة القوية، نفس شقاوة اليافعات، وليست العيال، في حديثها وحركات يديها المشدودتين باتجاهي، وهي تقول:

"نحن نبدي لك احترامنا وتقديرنا، وفضلك علينا، لأنك خلقت شخصياتنا، ورسمتها كما يحلو لك، ولكن وبعد أن دبّت الروح فينا، وبعد أن صرنا شخصيات حيّة تسعى على الأرض، فإننا نشعر بالمهانة والرفض لأدوارنا، نعم نحن نرفض أدوارنا التي تعرضها بهذه الصورة..! نحن نستغرب كيف تجرأت ورسمت لنا هذه النتيجة المدمِّرة..؟ ومن هو الذي خوّلك التحدث باسمنا، والتحكم بمصيرنا، وكأننا جاريتان أو جاهلتان أو مغفلتان أو ساذجتان، أو من سقْط المتاع، فتحدّد مصيرنا بالزواج من عمِّنا (أبو مهيوب)، هذا الرجل الثقة؟

وتتجرأ تغريد بالتقدم نحوي مُعزِّزة موقف ماجدة: «يا أخي على الأقل شاورنا في الأمر، أو خذ منا توكيلاً بتحديد مستقبلنا، فنحن معلمتان متعلمتان، مثقفتان ناقدتان للحياة، ونقرأ الصحف والمجلات والكتب، ونشاهد القنوات الفضائية التلفازية، ونتعامل مع الإنترنت، ونتابع وسائل الإعلام المختلفة، وننتقد المحجَّبات والاقتصاد الوطني والمقاومة و إلوطااااااان..! ولا نستحق منك أن تحرجنا مع رجل نُجلّه ونحترمه ونقدِّره حق قدره؛ كأب أو عمٍّ لنا، خرج معنا في مهمة مَحرَم وصان غربتنا، فوصفته بأنه قد خان الأمانة!" تكلمني تغريد بحدّة، بينما أتفرس في وجهها، وتقاطيع جسدها، منبهراً: "سبحان الله الخالق الناطق! ما هذا الجمال يا تغريد؟ ما هذا السحر والدلال يا تغريد؟ ما هذا العنق الطويل الرخامي الشفاف الطري بنعومة اللُّبان، وما هذا الصدر الطافح بالمحبة! كل هذا رسمته بكلماتي، فظهرتِ أمامي كحورية البحر التي تقفز على أعشاب الشاطىء! هل حوريات البحر بهذا الجمال يا تغريد؟»

يشاهدونني سارح العين والفؤاد، فتقول لهما ماجدة: «يبدو أن الرجل قد ذهب عقله، أو أنه يتصنّع الغباء أو السذاجة وهو يشاهدنا نقف أمامه وجهاً لوجه، فيمثّل علينا دور الأهبل البهلول، الذي لا يدرك ماذا نقول..!»

وأما أبو مهيوب الذي أشاهده يقف أمامي كما رسمته؛ رجلاً كبيراً في السن، ولكنه لا يزال مشدود القامة، كما تصورته! سبحان الله! يقف كالرمح بين الصبيتين قائلاً: «يا أخي أنا أعيش مع هاتين الصبيتين بصفتي مَحْرَماً، وأنا لا أخون الأمانة من جهة، ومن جهة أخرى، فهما ليستا من عمري، ولو رغبت في الزواج، فلن أتزوج أكثر من واحدة.. يقول المثل: (حطوا على ظهره عنزة، فضرط، ثم قال: ردوا على ظهري الثانية..!) وأنا قبلت أن أمثِّل دور المَحْرَم، ولكنني لا أسمح لك بأن تشكك في مصداقيتي، وتجعلني مسخرة أمام الناس والخلق، وهذا لا يليق بمقامي وشرفي، ولا يحقق أمل الأهل، الذين أودعوني أمانتين، جوهرتين، وأنا لا أستطيع أن أكون كالقطة التي تأكل أولادها!" أسمع وأرى كل هذا، فأجد نفسي مضطراً لكسر حاجز الخوف، وتفكيك تحنُّطي وتليين جمودي أمام شخصياتي، فأنطق لأول مرة معهم. وأقول لـه متظاهراً بالمزاح وروح الدعابة: "هذه عبارة القطة التي تأكل أولادها يا (أبو مهيوب)، غير صحيحة، فالقطة تحمل أولادها حديثي الولادة، فتمسكهم من جلودهم اللحمية بفمها، وتنقلهم من مكان إلى مكان آخر أكثر أمناً، فيقول من يشاهدها إنها تأكل أولادها، ولكن هذا غير صحيح!" أقول هذا كي أشعرهم أنني لست خائفاً منهم، وكذلك لممارسة النقد، والنقد الذاتي.. فتعلّق ماجدة: "دعك من هذه الفلسفة، ولا تبيعنا معلومات، لا علاقة لها في الموضوع، فأنت غير القادر على تصريف أمورنا، والذي تسيء قيادتنا وتوجيهنا، فتزوجنا من عمِّنا أبو مهيوب، الذي هو أكبر من عمر والدينا..!»

ويتجرأ أبو مهيوب قائلاً لماجدة: «رحم الله والدك الذي مات صغيراً، ولم يتجاوز الخمسينات من العمر!" فتشكره ماجدة على الترحم، وتضيف تغريد: "ولكنك تعرف أننا التقينا بالشابين الوسيمين؛ عباس الأخضر، ونواف الخياط، في البر مرّة، وفي السوق مرّة أخرى، وسرنا معهما مسافة طويلة داخل السوق، وتبادلنا معهما الحديث، وتعارفنا معاً، واستلطفناهما، ولا نريد أن نقول لك إننا أحببناهما، وكانت الطريق سالكة باتجاه عقد قرانين من هذا النوع، فلماذا لم تُوَجِّهنا للزواج من هذين الشابين؟" وتحرجني ماجدة بقولها: "وطوال الرواية أشبعت القراء مَرجَلَة، وفلسفة فارغة، بأنك مؤلف ألمعي ولوذعي وعتيد، تحرك شخصياتنا كيفما تشاء، وتلعب بنا الشطرنج، والبيضة والحجر، ولكنك تجانب الصواب في النتيجة التي تسيء فيها قيادتنا وتوليفنا وتوجيهنا إلى ما لا يجب، وما لا نرغب، وتفقدنا السيطرة على ذواتنا، وتُفشل تجربتنا الفكرية لتطوير المجتمع الذي نعمل فيه، وتُفشل مُهمتنا المقدسة التي جئنا من أجلها، لنساعد أهلنا على مجرد البقاء، وعدم الموت جوعاً تحت سنابك الأعداء المحتلين!»

أنهض من كرسي مكتبي، وأقف مشرئباً، ومجيباً بكل حزم:«ولكن كيف ألغي قرانين مكتوبين بعقدين خطِّيين، وأستبدلهما بكتابين آخرين مع شابين غريبين لم يوافق عليهما وليا أمريكما القابعان هناك في المعسكر؟" فتجيب ماجدة ساخرة: "الذي يجرِّئك على زَجِّنا لارتكاب خطيئتنا الزواجية مع عمّنا أبو مهيوب، يستطيع أن يوجه ذهنك لأن يقوم عمّنا أبو مهيوب بفك زواجه منا، أي بتطليقنا، وكتب كتابين جديدين، بحيث تتزوج كل واحدة منا الشاب الذي تريد، ويتم الزواج على سنّة الله ورسوله، بموافقة وليّ الأمر؛ عمّنا أبو مهيوب.»

أشعر أنني أتبهدل كمؤلف، وأنني لست أهلاً للتأليف، ولا للتمثيل، ولا حتى للكتابة، ولا للنيلة....! وأن شخصيتي الفعلية هزيلة أمام شخصيات الرواية التي تستقوي عليّ، وتهزني من الأعماق، وهي التي توجه نفسها لتقرير مصيرها، وتشعر أنها هي الحقيقة، وأنني أنا الوهم. وقد يكون ذلك صحيحاً، فكثير من شخصيات الروايات الوهمية صارت حقيقة أكثر من الحقائق نفسها، فشخصيات رواية ألف ليلة وليلة الوهمية اشتهرت وعممت، بينما انقرضت شخصية مؤلفها أو مؤلفيها عبر تاريخ العرب..! وهذا يجعلني أتفهم كون شخصياتي الروائية حقيقة، وكوني أنا الوهم، ذلك لأنها ستحيا بعدي، وأنا سأموت، مثلما عاشت الأهرامات، ومات فراعنتها، الذين لا نعرف أسماءهم الحقيقية، فكل فرعون جاء، مسح اسم الفرعون الذي سبقه ببناء الهرم، ووضع اسمه مكانه، فصارت أسماء خوفو وخفرع ومنقرع، ما هي إلا أسماء سمّيتموها..! والحقيقة غير ذلك!

وهذا ما نراه في السد العالي الذي بناه شعب جمال عبد الناصر، فزاودت عليه البطانة الإعلامية للحاكم الذي تلاه، بكون السد قد دمّر البيئة والزراعة والآثار المصرية، وعندما لم تستطع الإقناع بمسح صورة عبد الناصر من وجه خارطة مصر العربية، عاد الحاكم فألصق صورته على النصب التذكاري للسد فوق صورة الزعيم الخالد عبد الناصر، وليس تحتها، لتمحو الروايةُ الحقيقةَ! ولتكون الحقيقة وهماً، والوهم حقيقة! ولهذا فوهم شخصياتي لا يمنع تراجعي أمامها، وممارسة النقد والنقد الذاتي في كل التفاصيل.

لا أعرف كيف أتصرف، وأنا أرفض أن أتخلى عن هذه الشخصيات التي صارت حية تسعى لالتقاط رزقها، فأترك لها القرار لتتصرف بمحض إرادتها، وتتزوج من تشاء، وأترك القرار لك أيها القارىء العزيز.. لتتفاوض مع شخصياتي المُبدَعة..، وتتناقش مع كل واحد منها، أو معها مجتمعة؛ كيف ستكون النهاية، ولو أنه لا يعلم النهاية إلا الله..!

الرواية لم تتم..!

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى