السبت ١٥ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٧
بقلم ميساء قرعان

آلام أيلول

كانت تلك الرسالة القصيرة التي تلقيتها من شابة مقربة دمويا ووجدانيا في أول دقيقة بعد منتصف ليل اليوم الأخير من آب من أكثر الرسائل القصيرة التي استوقتني في حياتي،:" كل أيلول وانت بخير، كيف البحر؟" كنت حينها على الشاطئ، ألقيت بالمحمول جانبا وأدركت بأنني بحسن نية قمت بتوريط أشخاص آخرين بعشق أيلول، أيلول بما يبعثه من آلام ومن آمال ومن إعلان بالتمرد على اللون الأخضر حيث تكتسي الأشجار لونها الخريفي، لونها الحقيقي العصي على التزييف،آه كم أثارت تلك الرسالة التي لم تتعد بضعة حروف شجوني! أيلول لم يعد أيلول، أيلول ذهب مع الريح لكن كيف لي أن أنقل إليها هذا الخبر الذي قد يبدو عاجلا من وجهة نظرها؟ من أين آتي بالقسوة كي أعبر لها عما يعتمل داخلي وأنا المسئولة عن توريطها وتوريط أخريات في مثل عمرها بعشق الخريف، آثرت عدم الرد ودعوت لها في قرارة نفسي أن تبقى على قيد الإحساس، أن لا تقحم ذاتها بقراءة الفصول الأربعة كما فعلت فتفتقد الشعور بجميعها، تمنيت لها أن لا تفقد الإحساس بسماع ورقه الأصفر شهر أيلول ولا الإحساس بالمقطوعة الموسيقية الطبيعية التي تعزفها أوراق الشجر الآخذة بالتعري باتحادها مع رياح الخريف.

حاولت أن أجد لانسلاخي من الإحساس بأيلول إلى درجة نسيانه مبررا أو مبررات ، كان منها أن مناخ الكرة الأرضية في تغير وأن الفوارق بين الفصول لم تعد واضحة وأن لا فرق مناخي حقيقي بين أيلول أو آب أو اكتوبر وكوانين وهذا على الأقل ما شعرنا به في السنوات الأخيرة، لكنها كانت محاولة فاشلة لتفسير أو تبرير حالة التبلد تجاه ما يستفز المشاعر المتضاربة التي يستثيرها أيلول، في السنوات الأخيرة انسلخت عني ولذا انسلخت من أيلول وأنا أيلولية بامتياز وهذا هو التفسير الأقرب إلى المصداقية، لكن تلك الفتاة وغيرها ممن لم يزلن في حالة تواصل مع ذواتهن ما ذنبهن كي أورطهن مرة بالحب ومرة بالانسحاب؟ كن قد اشتركن معي في أكثر من احتفال سنوي خاص بالأول من أيلول، وكن بانتظاري هذا العام لكنهن يعتقدن أن غيابي عن عمان هو السبب وليست الغيبوبة التي أعانيها، هي غيبوبة من نوع خاص، غيبوبة تتسبب بحالة من التيقظ الدائم لكل ما يندرج تحت مسميات"خراب، فساد،ظلم، نفاق، ..."حالة من التيقظ الذي ينسيني ذاتي، ينسيني الأنا الغائبة في حالة سبات لست أعي منتهاه.

أيلول أصبح كما بقية الأشياء مدعاة للألم لا للتأمل، مدعاة لإدراك أن بعضنا قد أطلق رصاصة الرحمه على الأنا خاصته وأطلق العنان للأنا خاصة الآخرين
مع مجموعة ممن لا أغفر لنفسي توريطهن بحب أيلول مشيت ليلا ، دعوتهن للبحث عن ملامح أيلول وكنت أنوي أن أقدم دلائل مادية لغيابه، لكنه هذا العام بالتحديد لم يكن يشبه " الأيلولات" التي كانت في السنوات الأخيرة، الجو كان غائما، وكانت هنالك لسعة برد خريفية، وكل مكونات أيلول، راقبت السعادة في عيونهن وكن في حالة انسجام مع بكر أجواء الخريف واكتفيت، لم أعلق وقد أدركت تماما أن أيلول غادرني وقد أضاف إلى مجموعة الآلام آلاما أخرى، هو يكشف لي أنني غادرت نفسي ..


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى