الخميس ١٠ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٨
حقوق الأطفال
بقلم حسن أحمد عمر

أطفال فى النار

أمر عليهم كل صباح ومساء وهم يرتدون العفريتة --- بدلة من قطعة واحدة مصنوعة من قماش خشن لا آدمى ---- وطبعأ هذه البدلة ملوثة ومسربلة بالزيت الأسود الوسخ الذى يحرق الأجساد بمساعدة حرارة الشمس الحارقة التى تتخطى الأربعين درجة فى يونيو ويوليو وأغسطس وتلتصق الأتربة والقاذورات بكل أنواعها فوق هذه العفريتة المحرقة.

إنهم أطفال فى عمر الزهور تتراوح أعمارهم بين ثمانى سنوات – تصوروا--- وثمانى عشرة سنة أراهم كالديدبان يتحركون بسرعة مذهلة فى كل إتجاه حيثما يوجههم الأسطى—صاحب الورشة--- وتراهم ينبطحون أرضأ تحت السيارات يمسكون بمفاتيح ومفكات تضارعهم فى الطول والوزن يفكون صواميل ومسامير ويربطونها كذلك، يتلقون الزيت المنتهى من موتور السيارة فى إناء ويضعون الزيت الجديد، يفكون عجلة الكاوتش التى تصعب على أقوى الرجال وتجعله يتصبب عرقأ، يسمكرون صاج السيارة، يحترقون يوميأ بحرارة الشمس التى تكوى ظهورهم دون أن يرحمهم أحد أو تمتد إليهم يد رحيمة لتنقذهم.

يعاملهم معظم الناس كأنهم كائن آخر غير الإنسان عليهم أن يعملوا المستحيل ويصعدون فى الفضاء أو يغطسون فى قاع البحار أو يثنون الحديد أو يأكلون النحاس المصهور كأنهم من الجن وليس من الإنس، تعود الناس أن يروهم أذلة مقهورين ممزقين بلا مشاعر حب أو عطف أو حنان فلقد تعودوا – هؤلاء الأطفال—أن يعاملهم الأسطى بأقبح الألفاظ وأخس الشتائم وصارت هذه قاعدة طبيعية لا يعترض عليها أحد ولا يقف فى وجهها مخلوق حتى أصحاب السيارات الذين يكون فيهم أطباء ومدرسون ومهندسون وأساتذة جامعة وعلماء نفس فأهم شىء عندهم هو إصلاح السيارة دون أن يعبؤوا بهؤلاء الضحايا المعذبي.

إذا نظرت لهؤلاء الأطفال بعين الأب سوف تزرف دموعك حزنأ عليهم وعلى مستقبلهم المعدوم فلا أحد يعلمهم المبادىء أو القيم أو المثل العليا ولا أحد يهتم بهم ولا يشعرون بأى إنتماء يربطهم بالناس أو المجتمع غير رباط الذل والحقد واللامبالاة

من كل من يتعامل معهم، هؤلاء الأطفال يكبرون بذلهم وحقدهم وجهلهم ويتزوجون وينقلون ما بهم لأبنائهم ويعيش الواحد منهم يعذب زوجته ويعذب أطفاله ويمارس معهم عقيدة الإذلال واللامبالاة التى لم ير ولم يشهد سواها من الناس.

كنت أقوم بإصلاح سيارتى عند الميكانيكى وكالعادة أنظر إليهم بحزن شديد وأحاول مداعبتهم والتقرب منهم والتعرف على ظروفهم فأجد أن معظمهم له أسرة وأخوة وأهل وعنوان ولكنه لم يفلح فى المدرسة وبدلأ من تعليمه مهنة يحبها وتتفق مع ميوله يذهب به والده للميكانيكى كنوع من العقاب والإذلال عسى أن يعود للمدرسة وهى نظرية فاشلة بالطبع لأن أمثال هؤلاء المتمردين على المدارس إستطاعت المجتمعات المتحضرة أن تصنع منهم صناعأ للحضارة بأن أدخلوهم فى الطريق المحبب إليهم دون قهر أو ضغط أو إرغام .

وبينما كان الأسطى يشتغل فى سيارتى وقع الكوريك من تحت السيارة وكان هناك طفل نائم يربط صامولة معينة وكادت السيارة تقطعة نصفين لولا ستر الله تعالى بوجود حامل خشبى آخر تحت السيارة حجزها ومنعها من الوصول الكامل لجسم الطفل الذى خرج سليمأ بإصابة بسيطة فى ذراعة قمت بعلاجها فى الصيدلية الملاصقة للورشة وظل الطفل يبكى بصوت مرتفع بشكل يقطع القلب أكثر من ساعة وأنا والآخرون نربت على كتفه حتى هدأت آلامه بعد إنتشار أثر حقنة المسكن فى جسمه.

من يهتم بهؤلاء ؟ من يعالجهم جسمانيأ ونفسيأ ؟ من يتولى إختيار المهنة التى تتفق مع مزاجهم وتركيبة أجسامهم ؟؟ من يحميهم مما يلا قونه من عذاب الأسطى فى الورشة والأهل القساة فى المنزل ؟من يهتم بطعامهم الذى لا يأكلونه إلا ملوثأ وشرابهم الذى لا يشربونه إلا مليئأ بالبكتريا والفطريات ؟ ومن يجعل لهم ساعات فسحة وراحة وإجازات ومن يذيقهم طعم الرفاهية ويطعمهم وجبة حب ويسقيهم شربة عدل وسلام وسعادة ؟؟

أيها المتكلمون عن حقوق الإنسان كفى كلامأ فقد حان وقت التنفيذ لإنقاذ هؤلاء وغيرهم من النار التى يعيشون فيها قبل أن يطيحوا بهذه النار فى كل شارع وحارة حارقين كل شىء أمامهم.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى