إيمان خطيب ياسين… امرأة صنعت حضورها بالصدق لا بالمنصب
هناك أشخاص يمرّون في حياتنا مروراً سريعاً، لا يتركون أثراً ولا ذكرى.
وهناك أشخاص يكفي أن تلتقي بهم مرة واحدة لتشعر بأنك أمام روح مختلفة.
إيمان خطيب ياسين واحدة من هؤلاء الذين يتركون في القلب انطباعاً عميقاً يصعب أن يمحى.
لا أكتب عنها كمتابعة من بعيد، بل كإنسانة عرفتها عن قرب بين عامَي 2017 و2020، خلال سنوات عملي في شركة المراكز الجماهيرية، قبل أن أُكمل عملي حتى شهر ديسمبر 2024، حين أنهيت رحلتي كـ ناطقة إعلامية للمجتمع العربي بعد سنوات طويلة من الالتصاق المباشر بقضايا الناس.
كانت تلك السنوات كافية لأن أرى معدنها الحقيقي، ولأدرك أن الصدق يمكن أن يكون خياراً يومياً، وأن السياسة يمكن أن تبقى إنسانية إذا حملتها قلوب صادقة مثل قلبها.
امرأة بوجه واحد… لا تعرف الأقنعة
في العمل الجماهيري، لا يمكن للإنسان أن يخفي حقيقته.
الأزمات، ضغوط الوقت، كثافة اللقاءات، وحضور الناس… كلها تختبر المرء وتكشفه كما هو.
وإيمان كانت دائماً وجهها واحد:
لا تتصنّع ثباتاً، ولا تغيّر موقفاً وفق الجمهور، ولا ترفع صوتها إن لم يكن ذلك ضرورياً.
كانت امرأة تقول الحقيقة كما تشعر بها، وتعمل بما تمليه عليها قيمها قبل أي اعتبار آخر.
في اللقاءات الميدانية وورشات العمل والحوارات مع المجتمع، كنت أراها تحتضن الناس دون تمييز، وتشجّعهم دون أن تدّعي القوة، وتسمعهم قبل أن تتكلم.
قدرتها على الاحتواء لم تكن أداءً سياسياً، بل طبيعة أصلية فيها.
من قلب المجتمع… إلى قلب البرلمان
إيمان ليست ابنة الصالونات السياسية، بل ابنة العمل الاجتماعي، ونتاج سنوات طويلة من العمل مع النساء، والشباب، والعائلات، والبيوت المهمشة.
لذلك، حين دخلت الكنيست، لم تدخل لتُجرّب السياسة، بل لتواصل دورها الطبيعي: خدمة الناس، ولكن من موقع أشمل وأوسع.
دخلت البرلمان ومعها لغة الناس، وهمّ الناس، وحاجاتهم اليومية.
لم تتغيّر، ولم تتعالَ، ولم تفصل نفسها عن بيئتها، بل ظلّت تُعبّر عنهم كما لو أنها ما زالت في المركز الجماهيري، تستقبل الجمهور وتسمع شكواهم.
قوانين ومبادرات… تمسّ الإنسان قبل السياسة
إيمان كانت نائبة نشيطة وحاضرة، خصوصاً في الملفات الاجتماعية، وشاركت بدور فاعل ضمن إطار عمل القائمة العربية الموحدة التي دفعت بعدة قوانين مهمة. ومن أبرزها:
قانون الكهرباء – مبادرة النائب وليد طه
كان النائب وليد طه هو المبادر الرئيسي لهذا القانون، وقد قاد مسار تشريعه بكل شجاعة ومهنية.
وكنتم — كحزب وكتكتل سياسي — حاضرين بقوة في دعم هذا القانون، بمن فيهم إيمان، التي كانت جزءاً من هذا الموقف الجماعي داخل القائمة العربية الموحدة.
هذا القانون، الذي مكّن آلاف البيوت العربية غير المرخّصة من الاتصال بشبكة الكهرباء، لم يكن مجرد نصّ تشريعي، بل تحوّل إنساني واجتماعي أنصف عائلات عاشت سنوات طويلة خارج الاهتمام الرسمي.
حماية المستهلكين الضعفاء
شاركت في تعديلات تلزم الشركات بتسجيل المكالمات مع الزبائن والاحتفاظ بها، حمايةً للمسنين والعرب وذوي الإعاقة من الاستغلال والاحتيال الهاتفي.
قانون صغير في شكله… كبير في أثره.
تخصيص ساعات للنساء في البرك الطبيعية
مبادرة هدفت إلى تمكين النساء المحافظات — عربيات ويهوديات — من استخدام الأماكن الطبيعية بأمان وحرية، دون إقصاء.
العنف ضد النساء… والعدالة الاقتصادية
عملت على تعزيز النقاش حول العلاقة بين الفقر والعنف، مؤكدة أن تمكين المرأة اقتصادياً جزء أساسي من حمايتها واستقلالها.
مواقف ثابتة… دفعت ثمنها دون تردّد
إيمان ليست من السياسيين الذين يبحثون عن الكلام الآمن.
كانت مواقفها واضحة وثابتة:
• رفضت قانون المواطنة ولمّ الشمل لأنه يمزّق العائلات ويعاقب الناس على هويتهم.
• رفضت استغلال قضايا النساء لأغراض قومية ضيقة، ورفضت تحويل أجساد النساء إلى أدوات للمزايدات السياسية.
هذه المواقف لم تكن سهلة، لكنها كانت صادقة… تنبع من ضمير حيّ لا يساوم.
لماذا تبقى إيمان في القلب؟
بعد سنوات طويلة من العمل الجماهيري والإعلامي — انتهت في ديسمبر 2024 — أستطيع أن أقول إن إيمان واحدة من أكثر الشخصيات التي تركت بصمة حقيقية في مسيرتي.
لأنها:
• لا تتغيّر بين غرفة صغيرة ومنصّة كبيرة.
• تؤمن بالإنسان قبل الانتماء.
• تشجّع كل من حولها وتمنحهم القوة.
• تمتلك جرأة المبادرة لا رفاهية الانتظار.
• تقول الحقيقة دون حسابات ضيّقة.
إيمان ليست خطاباً ولا صورة، بل قصة امرأة أدخلت إلى السياسة شيئاً من الطهارة الإنسانية التي نفتقدها.
ختاماً
إيمان خطيب ياسين ليست فوق النقد، لكنها امرأة نادرة اختارت أن تكون صادقة في زمن تتغيّر فيه الوجوه بسرعة.
امرأة دخلت السياسة من باب الخدمة لا من باب الظهور، فبقيت قريبة من الناس، ومن همومهم، ومن أصواتهم التي كثيراً ما تُهمَل.
وحين يسألني أحد:
“من هي إيمان بالنسبة لك؟”
أجيب:
هي امرأة مشت في طريق السياسة بضمير ثابت… ففتحت لنا جميعاً نافذة أوسع نحو الأمل
