

البحر الوافر
"من مذكّرات مقاوم"
على قدرِ الفراشِ بسطتُ حالي
كبسطِ الغيمِ مِن فوقِ الجبالِ
تركتُ مِنَ العشائرِ كلَّ قبحٍ
لأركبَ صهوةَ الفرسِ المُحالِ
فما عزُّ الفتى في ظلِّ أرضٍ
قِوامتُها النّساءُ على الرّجالِ
وما شرفُ ابنِ آدمَ عندَ قومٍ
بأولادٍ تفاخرُ أو بمالِ
وليسَ لمدحِ ظلّامٍ ولكنْ
لردِّ الظّلمِ أستدعي مقالي
إذا استوحشتُ لي أنيابُ ذئبٍ
وإنْ صافيتُ لي أُنْسُ الغزالِ
فجادلني بما تبغيهِ إلا
بعِرضيَ لا تفكّرْ في جدالي
وقلْ خيرًا إذا ما شئتَ خيرًا
تجدْني أعذبَ الماءِ الزُّلالِ
وإنْ لكَ سوّلتْ نفسٌ بشرٍّ
تهنْ عندي كقشرِ البرتقالِ
تساجلُني جهنّمُ حينَ أُلقي
فما لكَ أيُّ خبزٍ في سجالي
هلالًا كنتَ تسطعُ خلفَ شمسي
ولولا الشّمسُ أنتَ دجى الهلالِ
لساني إن نويتُ عليكَ قتلًا
قتلتُكَ بالكلامِ بلا قتالِ
لقد أدخلتُ في بيتي جريرًا
وأخرجتُ الفرزدقَ مِن خلالي
وأشعارُ الحطيئةِ في هجاءٍ
ينامُ على وسادتِها ارتجالي
فحاذرْ لعنةَ الشّعراءِ واسألْ
وما أغناكَ عن هذا السّؤالِ
إذا انطفأَ الأقاربُ في عيوني
دفنتُ رمادَهم تحتَ الرّمالِ
وإنْ أحببتُ في الدّنيا احتمالًا
بذلتُ بوسعِهِ كلَّ احتمالي
وإنّي ما شَرُفتُ سوى بنفسي
ولم أفخرْ بعمٍّ أو بخالِ
أنا مِن تربةِ الجولانِ قلبي
خصيبُ الشّوقِ والحبِّ الحلالِ
وليسَ لممكنٍ أسعى مليًا
بغيرِ المستحيلِ فلا أبالي
وروحي مِن فلسطينَ استعارتْ
قوافيها وأوزانَ الفِعالِ
عجبتُ لأهلِ غزّةَ كيفَ صاروا
لأهلِ العزمِ مضربَ للمثالِ
أرى في عينِهم نصرًا مبينًا
أمامَ مدرّعاتِ الاحتلالِ
لأجلِ بلادِهم فوجًا أراهم
يجرّونَ المنيّةَ بالحبالِ
يعيشُ الموتُ فيهم مثلَ ضيفٍ
تعوّدَ أنْ يظلَّ على وصالِ
همُ الأعلى ولو ماتوا جميعًا
مِنَ السّلطاتِ أصحابِ المعالي
وهم قهرُ الطّغاةِ وخاذليهم
بحقِّ المستعانِ وذي الجلالِ
وللهِ الكمالُ ولا أزكّي
سوى في غزّةٍ معنى الكمالِ
فلستُ بشاعرٍ إنْ قلتُ شِعرًا
لتزيينِ البشاعةِ بالجمالِ
ولستُ بصادقٍ قولي إذا ما
جعلتُ الشّعرَ ضربًا مِن خيالِ
ولا أسفٌ على شيءٍ رخيصٍ
إذا رحلَ الأحبّةُ والغوالي