السبت ١ تموز (يوليو) ٢٠٢٣
بقلم محمد صخي العتابي

الطفل اليتيم في عيد الأضحى

عمره سبع سنوات يعيش في دار أيتام بأحدى المحافظات. فقد والديه في حادث سير مروع. كان يحمل ذكرياتهما الحية في قلبه وروحه، ويتمنى لو كانوا موجودين بجانبه في كل لحظة من حياته.

كانت أيام عيد الأضحى تقترب، والأطفال في الدار يتلقون هدايا صغيرة ويستمتعون بأجواء العيد. ومع ذلك، كان قلب حسن يعاني وحزين، لأنه يشعر بالوحدة والحنين لعائلته المفقودة. تذكر عيد الأضحى كان يجلب إليه ذكريات المرح والابتهاج الذي يشاركه مع والديه.

في صباح العيد، استيقظ حسن مبكرًا وشعر بالغربة والحنين. غابت الابتسامة عن وجهه، ولم يكن هناك أحد يعانقه ويتمنى له عيدًا سعيدًا. كانت الأصوات البهجة والضحكات التي تعلو في الدار تذكره بمدى اختلاف حياته.

بينما كان يجلس في غرفته الصغيرة، شعر برغبة قوية في زيارة قبر والديه. تذكر تفاصيل وجوههم وضحكاتهم جعله يشعر بالدفء العاطفي. خرج من غرفته وتوجه إلى المقبرة، عندما وصل إلى القبر، وجد نفسه يتحدث إلى والديه كما لو كانوا حاضرين. قال لهم عن كل الأمور التي حدثت في حياته منذ رحيلهما، عن أحلامه وتطلعاته، وعن الصعوبات التي واجهها
في تلك اللحظة، بدأ حسن يشعر براحة نفسية. وكأن والديه يستمعون إليه ويرشدونه من العالم الآخر. أعطوه القوة والعزيمة لمواجهة التحديات التي يواجهها يوميًا.

بعد أن أنهى حديثه مع والديه، قرأ لهما بعض الأدعية. ثم انحنى وقبَّل قبرهما، وعبَّر عن حبه العميق وشوقه لهما. كانت الدموع تنساب على وجنتيه، لكنه في الوقت نفسه كان يشعر بالقوة الداخلية والرغبة في أن يكون فخورًا بنفسه ويحقق أحلام والديه.

رغم أن حسن ما زال يشتاق لوالديه ويحن إلى حضنهما، إلا أنه بدأ يدرك أنه ليس وحده في هذه الحياة. اكتشف أنه محاط بأشخاص يهتمون به ويرغبون في رؤيته سعيدًا. تعلم أن العائلة ليست فقط رابطة الدم، بل هي أيضًا المحبة والرعاية التي تشاركها مع الأشخاص المقربين.

مع مرور السنوات، نمت شخصية حسن واكتسب خبرات جديدة في الحياة. أصبح لديه أحلام وأهداف يسعى لتحقيقها، وتعلم كيفية تحقيق الاستقلال والاعتماد على نفسه. درس بجدية في المدرسة واستفاد من الفرص التعليمية المتاحة له.
عندما بلغ حسن سن الثامنة عشر، قرر أن يصبح شخصًا مستقلاً ويخرج من دار الأيتام. تمكن من الحصول على وظيفة جيدة والعثور على سكن مناسب له. أدرك أنه بوسعه بناء حياة جديدة تستند إلى قوته وإرادته الصلبة.

مع مرور الوقت، استمر حسن في بناء مستقبله وتحقيق أحلام والديه. قام بتطوير مهاراته وتعمق في دراسته واستثمر في نفسه. أصبح محاميًا ناجحًا وبدأ في مساعدة الأطفال الأيتام الآخرين في تحقيق طموحاتهم وتجاوز تحدياتهم.

عندما يذكر حسن والديه في عيد الأضحى، يفكر في رحلته الصعبة وكيف استطاع تخطي الألم والوحدة. يشعر بالامتنان للحب والدعم الذي حظي به من الأشخاص الذين يعتبرهم أسرته الجديدة. تعلم أن الحياة لا تتوقف عند الألم والفقدان، بل يمكن أن تستمر في تقديم فرص جديدة وأشخاص يعطونا الدعم والمحبة.

وفي كل عيد الأضحى، يتذكر حسن والديه ويرسل لهم الصلاة والتحية. يقف أمام قبرهما ويحدثهما عن تقدمه وإنجازاته، وكيف استطاع تحقيق أحلامه بفضل القوة التي منحوها إياه.

ويقوم حسن بزيارة دار الأيتام حيث نشأ فيها. يقدم للأطفال اليتامى الهدايا والضحكات والأمل. يسعى جاهدًا لتوفير الدعم العاطفي والمادي لهم، ويشارك معهم قصة حياته ويعطيهم الثقة بأنهم ليسوا وحدهم.

قصة حسن لا تزال تتحدث عن قوة العزيمة والإرادة في مواجهة الصعاب، وعن قدرة الإنسان على بناء عائلة جديدة من الأشخاص الذين يحبهم ويهتمون بهم. تدعو قصته إلى التفاؤل والمثابرة، وتذكرنا بأهمية مشاركة الحب والرحمة مع الآخرين وتقديم الدعم في الأوقات الصعبة.

في نهاية المطاف، قد تكون الحياة مليئة بالتحديات والمحن، لكن من خلال الإرادة والتفاؤل، يمكننا تحويل الحزن إلى قوة واليأس إلى أمل. وتظل قصة حسن، الطفل اليتيم في عيد الأضحى، شاهدًا على ذلك التحول وعلى قوة الروح الإنسانية في التغلب على الصعاب وبناء حياة جديدة مليئة بالمعنى والسعادة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى