السبت ٨ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١٢
طرافة النقد الشعري
بقلم سامي العامري

العراقي الراهن ومرَحُهُ

وصلني من شاعر مغربي وهو صديق قديم إيميل يقول فيه: لا تبتئس إن تجاهلك النقاد أو حاولوا طمس اسمك...

فضحكتُ بسبب توصله إلى هذه القناعة وطبعاً هو ليس الوحيد فهناك عشرات التعليقات التي وصلتني متضمنةً مثل هذه العبارة ... فالحمقى من النقاد في الوقت الذي أرادوا عمداً تجاهلي، ساهموا في إيصال كتاباتي إلى أبعد نقطة في عالمنا العربي وهكذا ينقلب السحر على الساحر !

وأضاف: طبعاً لا أنسى أبداً تجاهلهم لك لأنك لا تنفعهم بشيء وهم على درجة من الحمق بحيث يجهلون حقيقة عن نفسية القراء مفادها أنه كلما تعمدوا تجاهل شعر شاعر له مكانته في قلوب القراء وأوغلوا في مديح شلتهم كلما ازداد احتقار القراء لهم...

قلتُ له: إن تجاهل من يسمون أنفسهم بالنقاد لشعري وشعر العديد من زملائي الشعراء الأصلاء لهو إدانة مستمرة للنقد العراقي المعاصر أولاً أما النقد العربي فهذا شأن آخر فليس شرطاً أن يكون النقاد في بلداننا العربية الأخرى قد اطلع جميعهم على قصائدي رغم أني نشرت في العديد من الصحف العربية وكذلك في المجلات العربية المعروفة كمجلة الناقد والإغتراب الأدبي والثقافة الجديدة واللحظة الشعرية وغيرها فيما مضى ونشرتُ لاحقاً ومازلتُ أنشر منذ عشر سنوات تقريباً في أهمِّ المواقع العربية التي تعنى بالشعر والثقافة، لذا فالتجاهل المتعمد لا ينتقص مني أبداً فطالما كررتُ في كتاباتي النثرية وفي قصائدي بأني أكتب للتأريخ:

أنا مَن تعطَّر بالجدائل والخمائل والفضائل كلِّها (**)
أنا مَن تدفأ بالشقائق والصواعق والحرائق كلِّها
أُبكي وأُطرِبْ
أنا مَن صنعتُ من الخيالِ حقيقةً
ومِنَ الحقيقةِ عمقَ أخيلةٍ
ستُعْجِزُهم وأصعبْ
أنا ليْ من الأصحاب والأحبابِ
ما ابتسمتْ نجومٌ في السماء له
بلى
وارتجَّ مَركبْ
تدرينَ معنى الكبرياءِ
فإنْ كتبتُ لعصريَ المُعتلِّ هذا ما استطعتُ
فإنني والحقِّ للتأريخِ أكتبْ

ثم جاءت القشة التي قصمت ظهر البعير ! حسبَ المثل الطريف حيث أن الشاعرة والناقدة د. ناهضة ستار سواء بقصد أو بدونه لم تُقم وزناً هي الأخرى لرأيي الذي طرحته في تعليق لي على قصيدة لها فحتى إذا كان رأيي خطأ – ورأيي صحيح طبعاً – فكان عليها أن ترد لا أن ترفع القصيدة وربما أن السبب هو سببي أنا بالذت ذلك أني أعلِّق أحياناً على نصوص كتاب وشعراء وكاتبات وشاعرات دون أن أعرف طبيعة مزاجهم ومدى تقبلهم للرأي المختلف، وهذه عفويتي وصدقي والطبيعة النقية فيَّ، لهذا لم تستمر فقد أقلعتُ بعد هذه التجربة عن التعليق إلا على نصوص من أعرفهم وأعرفهن جيداً وحتى هذه الحالة باتت قليلة الحصول.

المسألة التي أثارت استغرابي هي كيف يمكن أن يطرح الفرد نفسه ناقداً وهو غير مطلع بما يكفي على الوسط الثقافي الشعري ومن هي الأسماء التي تتواتر فيه ؟ وهذه كانت النقطة الأساسية وهي التي جعلتني أنفعل فأكتب قبل سنتين على وجه التقريب مقالاً عن الأستاذة الناقدة ستار والشاعر العراقي محمد البغدادي، والواقع أنا منذ زمن طويلٍ نسبياً كنتُ أنوي كتابة سلسلة مقالات أعرّي فيها بعض الطارئين على النقد وكنتُ بحاجة إلى استفزازٍ بسيط لأبدأ بكتابة هذه المقالات بعد أن طفح الكيل كما شعرتُ ولكن ربما سوء حظ د. ناهضة ستار هذه المرة هو الذي أوقعها بين براثن قلمي! وإلا فأنا لم أكن أعنيها أبداً إلا بقدر ما يتعلّق الأمر بتعليق عابر وأما النية التي أحملها فهي المساهمة مع العديد من الشرفاء في الحد من هذا الهذيان النقدي والمحاباة ومحاولة كسب ود النساء الشاعرات، والمحسوبيات والصداقات ومبدأ: المقربون أولى بالمعروف!

وهناك عدة نقاط أجد من الضروري توضيحها قبل الخوض بتفاصيل أعمق وأوسع في الفصول القادمة

1 – كتب أحدهم تعليقاً على مقالي السابق لا أتذكر نصه ولكن معناه في البال وهو أني طلبتُ مرة من الشاعر العراقي فاضل العزاوي مدح قصائدي ولمّا رفضَ هجوته!!
بربّك هل يمكن أن يفعل هذا حتى المراهق !؟

الحكاية فحواها التالي - وأظن أن الأستاذ فاضل العزاوي سيقرأ مقالي هذا لأني رأيتُ أن أرسل له الرابط - أقول كنتُ قد عشتُ عدة سنواتٍ حياةً بوهيمية مشردة وقد أنجزتُ رغم كل شيء ديوانين في تلك الأعوام حتى إذا جاء العام 2003 قررتُ طبع واحدٍ منهما وبما أنني لم أكن معروفاً داخل الوسط الثقافي العربي بما يرضيني وبما أن الشاعر العزاوي كان معروفاً وكنت قد قرأت له قصائد عديدة أعجبتُ بها وبما أنه مثلي يقيم في ألمانيا لذلك حضرتُ ذات يوم إحدى أمسياته الشعرية في مدينة كولونيا وبعد انتهاء قراءته قلتُ له ما نصه بعد أن عرَّفته بنفسي: يسعدني أن أهديك نسخة من مخطوطة ديوان لي وأرجو قراءته بعناية وإذا نال رضاك فأتمنى أن تكتب كلمة على ظهر الغلاف الأخير... هذا كل ما قلته له بعد أن أعطيته عنواني وأعتقد أنه أسلوب مهذب مني والديوان وهو باكورة أعمالي بعنوان: السكسفون المُجنَّح والذي صدرَ لاحقاً أي بعد عام من ذلك عن دار سنابل في القاهرة، وأنا أعتبره واحداً من أهم دواويني لأنه بقيَ معي كمخطوطة أراجعها أكثر من عشرة أعوام، فوافق الأستاذ العزاوي وتناول المخطوطة بفرح كما أخبرتني ابتسامته وقال: حسناً سأقرأه وأعطيك رأيي في رسالة، شكرته... وانتظرتُ وانتظرتُ حتى يئستُ من رده فها قد مضت شهور ولا جواب !

ثم مرة أخرى التقيته صدفةً في مدينة كولونيا أيضاً وكانت له قراءة شعرية مع شاعر ألماني لا يحضرني اسمه وعند انتهاء القراءة ذكَّرتُه بكلامه السابق فابتسمَ وعلل ذلك التأخر بالإنشغال وأنه سيحرص هذه المرة، ومضى شهران وما من رد وأخيراً أمسكتُ بقلمي وكتبتُ قصيدة منشورة في ديواني الثالث والذي يحمل عنوان: العالم يحتفل بافتتاح جروحي:

ألقاكَ تفترُّ
بَلَهاً ودونَك صارمٌ حُرُّ
لو عُشتَ قبلَ العصر هذا شاعراً
أو بعدَه
لرأيتَ مَن ليسوا يرونك ( فلتةً )
لكنْ بحيثُ تكون أسقام الكبار
تكون عافية الصغار وهكذا
عُوفيتَ لمّا أُسْقِمَ العَصرُ
------

وهذه القصيدة بشهادة العديدين تُعتبر من عيون الشعر العربي الحديث (شعر التفعيلة)

2- هو قول الشاعر الذي تناولتْ الأستاذة د. ستار قصيدته بالقراءة، قوله بتأسُّفٍ: آه لو ردَّتْ على تعليقك الدكتورة ناهضة ستار فأنك بسبب مقالتك هذه – ويقصد السابقة - نلتَ من الشهرة ما لم تستطع نيلهُ في ثلاثين عاماً ( وهي خبرة السنوات التي كتبتُ فيها الشعر العمودي).

طبعاً هو يعرف وغيره أيضاً لو لم أكن إسماً مهماً ولو لم يحبَّ يحترم كتاباتي الأدباء والقراء لما ولَّدتْ مقالتي تلك من ردود أفعالٍ كثيرة هو يعرفها جيداً فلو كتب أحد غيري مثل هذه المقالة فلا أتصور أنه سيلتفتُ إليها إلا القلة – طبعاً مع بعض الإستثناءات – ثم هو يتَّهم أستاذته بافتقارها للحكمة ! فلو كانت حكيمة لردَّتْ عليَّ... أليس هذا هو الإستنتاج المنطقي !؟

والنقطة الثالثة هي أني أعتذرتُ لها لا عن قناعة بتاتاً وإنما لسببين الأول هو أنها امرأة من بلدي وأنا معروف عني دفاعي في كتاباتي حد التطرف عن حقوق المرأة العربية المسلمة وحريتها والسبب الثاني هو طلب الشاعر الكبير الأخ والصديق يحيى السماوي بأن أفعل هذا وبما أنه أول طلب له مني لذا كان يعزُّ عليَّ أن أقول: لا....

(*) فصلٌ من كتاب نقدي إنطباعي قادم بعنوان: النقد الشعري المعاصر، بين الأصالة والإدعاء

(**) من قصيدة: أحاديث ما بعد الحُمّى


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى