الثلاثاء ١٢ شباط (فبراير) ٢٠١٣
بقلم كيرلس سمعان شهدي

الغَانِيَة

فى احد بارات وسط البلد الشهيرة، جلست أحتسى كوكتيلى المفضل من الخمور المعتقة، والغريب أنه مع أخر رشفة شعرت أنى أستفقت، اصبحتُ فجأة حاراً وصحواً، ضرب الملل أطراف أصابعى وسرى منها لرجلى، فبدأتْ تتحرك وقاية من تنميل الملل، خرجتُ ودلفت يساراً فى يسار، وما أحلى أصحاب اليسار وطرقهم، وفى نهاية شارع كان ضيقاً كفاية ليشعرنى برحب نفسى وهى تقطعه، كسرت يمينى ولم أدرِ ما الذى سأكسره ثانيةً فى تلك الليلة، حتى وجدته أمامى بيت قديم بعض الشئ من طابقين أكتست شرفاته بستائر مخملية بطبقتين أمامية بيضاء ومن تحتها تظهر الطبقة الأخرى على هيئة خط أحمر وردى، أنه الشكل الكلاسيكى للماخور، ففى العصور الوسطى كانت تُصمم الستائر من طبقتين على هذه الشاكلة وفى الحفلات عندما يغط الناس فى أكلهم وشربهم، تستطيع أن تميل بأية صبية بضة ونضرة ولتفعل ما تشاء بين طبقتى الستارة فهى لا تخفى شئ عن شئ بل شئ فى شئ، ومن هنا جاءت لذة ممارسة الحب وقوفاً. طرقت الباب ففتحتْ لى سيدة بدى وجهها من تبرجها المتكلف ككراسة رسمى فى الابتدائية. أخبرتها أنى أريد مقابلة مدام فايزة، هكذا أفهمنى صديقى أنها كلمة السر للدخول، أومئتْ برأسها واصطحبتنى، وفى الداخل ضربت الأضاءة الخافتة حواف الحيطان، فبدت النقوش التى فى السقف أنها تقترب فى وقار لأحتضانك.

رفعت تلك السيدة يدها لتوقفنى على مدخل احد الغرف، كانت بلا باب فقط أغطية من الناحيتين تقابلا فى شكل القلب الكلاسيكى، أَطَلتُ فى رقبتى واسترقتُ النظر، هناك جلستْ على كنبة قديمة سيدة أقل تبرجًا من الأولى، أتكون تلك هى فايزة؟ ولكنى سمعت حوار غريب كانت تكلم واحدة أخرى معها وكان صوت الأخيرة ناعم عذب ووضاء أخترق الأفاق ليحيلنى إلى الوضع الأكثر تهيجاً، حتى أنى شعرت أن التماثيل فى مطلع حواف السلم تسخر من سذاجتى، فإن أثارنى مجرد صوتها ماذا لو أُغلقت علينا غرفة واحدة. قالت فايزة بصوت متهدج "أنتى هتسبينى دلوقتى" فردتْ صاحبة الصوت الرقراق العذب "أيوة أنا لازم أمشى، ومش هقدر أجى ليكى تانى أنا تعبت خلاص منكى، مش قادره استحمل أكتر من كده."

خسئتى يا فايزة كيف لك أن تُتعبى ذاك القمر، فكرتُ أن ادخل عليهم وأخبرها أن تجربنى ولأكون أنا الزبون الأخير. أكملت فايزة حديثها وبمرارة قالت:

 طب أبقى حتى بصى علينا من وقت للتانى زى ما بتعملى على طول

 مش هقدر أنا خلاص هسافر روما قريب واحتمال مارجعش تانى

"تسافرين" إلهذا الحد أتعبك الأوغاد المحليون؟! بالطبع فأنتِ تستحقى أبناء روما ذوى الأجسام المفتولة التى لم تتكون مثلنا فى رحم بل نُحتت ببراعة من صخر، ولكن على الأقل أنتظرى لترينى، نعم ليس لى علاقة بروما سوى خالتى التى ذهبت للرهبنة هناك فى أحد الأديرة الكاثوليكية. أنتظرينى ربما نذهب سوياً هناك لزيارتها،ومِن ثُمَّ أشارت لى السيدة الأولى فدخلت عليهم، كانت فايزة للتو قد فكت وثاق حضنها مع صاحبة الصوت العذب، فظهرت وهى تستدير للرحيل، لن استطيع وصف وجهها الملائكى أو تقسيمات جسمها التى محت فكرة تميز ابناء روما عنا تماماً من ذهنى وهذا لأنها كانت ترتدى ذاك الثوب الرمادى بغطاء الرأس المميز الذى كانت ترتديه خالتى فى زيارتها لنا من ديرها فى روما. ياااه لحماقتى أنها راهبة صدقتْ اعتقادها بالبرّ فى سِرّ ما تفعل وكذبت اعتقاد الأخرين بشائنة الظاهر فيما تفعل.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى