

المَوتُ فُرصَةٌ للنَّجاةْ
إلى شَهيدَةِ الأرضِ والكَلِمَة التي لم تعِشْ بما يكفِي، الشَّاعِرَةِ بالحُرِّيَةِ خارِجَ الزَّمَكانِ في الوُجودِ المَحْضِ، حيثُ الأرضُ غيرُ الأرض والسَّمَاءُ بيضَاءُ لم تُلوِّثهَا يدُ الإنسان، وحيثُ الدَّمُ مُقدَّسٌ غارِقٌ في رائِحَةِ المسكِ، وحيثُ القصيدَةُ شَفَّافَةٌ ومُضِيئَهْ.
إلَى رمز الصمود والمقاومة، الشاعرة الشهيدة "هِبَه أبُو نَدَى".
سَتَذْكُرُنِي أرْضٌ، وَإْنْ لَمْ أَعِشْ بِهَا
وَلَمْ أَلْتَمِسْ يَوْمًا بَرَاءَةَ عُشْبِهَا.
ولَمْ أتَّخِذْهَا فِكْرَةً، بَلْ عَقِيدَةً
وأَلْقَيتُ قَلْبِي فِي غَيَابَاتِ جُبِّهَا.
فَأبصَرْتُ مَوْتًا نَاعِمًا، كَانَ مُتْعَبًا
وحُرِّيَّةً حَمْرَاءَ، ضَاقَتْ بِرَحْبِهَا.
مَعِي شُهَدَاءٌ، أَنْهَتِ الحَربُ عُمرَهُمْ
وَقَدْ تَرَكُوا أسْمَاءَهُمْ فِي مَهَبِّهَا.
لِمَنْ دَخَلُوهَا مُؤمِنِينَ بنَصْرِهِمْ
فَلا صَوتَ يَعلُو فَوقَ صرْخَةِ شَعْبِهَا.
خَرَجتُ منَ اللَّاوَجْدِ نَحْوَ الوُجُودِ
حِينَ طَغَى الطُّوفَانُ، طُوفَانُ حَرْبِهَا.
وَلَمْ أَخَفِ المَوْتَ الأَكِيدَ لأنَّنِي
أَمُوتُ بِأرْضٍ تَستَعِيذُ بِرَبِّهَا.
فَهَلْ سَيَرَانِي العَالمُ المَرأةَ التِّي
فِلَسْطِينُ كَانتْ أبجَدِيَّةَ قَلْبِهَا؟!
سَيَنْتَصِرُ الزَّيتُونُ، بَعدَ تَوَجُّسٍ
وتَعْكِسُ وجْهَ الشَّمسِ، مِرآةُ غَيْبِهَا.
ويَمْشِي علَيهَا الطِّفلُ كالنَّخْلِ وَاثِقًا
وقَدْ كَانَ يَمْشِي خَائِفًا مُتَنَبِّهَا.
وَهَا أنَا خَلْفَ الكَونِ أمْتَدُّ وَحْشَةً
وأعُرُجُ ضَوْءًا فِي سَمَاوَاتِ حُبِّهَا.
دَمِي لَمْ يَزَلْ فَوْقَ الخَريطَةِ سَاخِنًا
ورُوحِي ارْتَقَتْ كالبَرْقِ، نَحْوَ مُحِبِّهَا.
وَمِنْ عَالَمِي العُلْوِيِّ أُبصِرُ فِتْيَةً
يُبَادُونَ فِي شَرْقِ البِلادِ وَغَرْبِهَا.
شَياطِينُ هذِي الأرضِ، تَحتَاجُ خَاتَمًا
لِنُبصِرَهَا يَوْمًا تُسَاقُ لِنَحْبِهَا.
فَمِنْ أيْنَ؟ مِنْ أيْنَ الخَلاصُ وَلا يَدٌ
تُخَفِّفُ عَنهَا الآنَ أوجَاعَ صَلْبِهَا.
وكَيْفَ دَمُ الإنسَانِ صَارَ مُدَنَّسًا
وَبِالمِسْكِ منْ فَجْرِ النُّبُوءَاتِ شُبِّهَا.!
سَمَاوِيَّةٌ رُوحِي، لذَلكَ أشتَهِي
بِمَسجِدِهَا الأقْصَى، تَأمُّلَ شُهْبِهَا.
كَمَا أشْتَهِي مَاءً وَعِطْرًا وَوَرْدَةً
لِيَنْعَسَ قَلْبِي مُطمَئِنًا بِقُرْبِهَا
وتَخرُجَ منْ كَهْفِ الحَضَارَاتِ أُمَّةٌ
يُضِيءُ لَهَا التَّارِيخُ، عَتْمَةَ دَرْبِهَا.
مُبَارَكةً بِالأنبِيَاءِ، سَتَرْتَقِي
وَيَصْدَح صَوتُ النَّصْرِ مُقتَرِنًا بِهَا.
فَكُنْ فِي تَجَلِّيهَا شَهِيدًا وَشَاهِدًا
وَلَا تَتَأَخَّرْ، حِينَ تَدْعُوكَ لَبِّهَا.
سَتَنْجُو منَ الدُّنْيَا، وتَنْجُو منَ الرَّدَى
وتَرْتَاح منْ شَكِّ الحُرُوبِ ورَيْبِهَا.
وَتَمْسَحَ عنكَ الخَوْفَ مَا دُمتَ ثَائِرًا
تُعِيدُ دُمُوعًا حُرَّةً لِمَصَبِّهَا.
فَلَا تَخْلَعِ الأَيَّامَ، عَلَّ مُهَلْهِلًا
سَيَأخُذُ بَعْدَ اللَّيلِ ثَارَ كُلَيْبِهَا.