

تباركَ شعبُ المستحيلاتِ
لا السيفُ أصدقُ أنباءً ولا الكتبُ
بلِ الدموعُ التي في الحربِ تنسكبُ
هذي فلسطينُ لا تحتاجُ من أحدٍ
مدَّ اليدينِ لها ولْيعجَبِ العجبُ
لو تقتلونَ جميعَ الحالمينَ بها
لحاربَتْكم بها الأشجارُ والسُّحُبُ
إن تقطعوا الماءَ عنها صاحَ ظامئُها:
( إنَّ السماءَ تُرجَّى حينَ تُحتَجَبُ )
أو تحجُبوا الشمسَ فيها عن مشارقِها
فشمسُ قُبَّتِها يعمى بها الذهبُ
تُناديكَ هذي الأرضُ لبِّ نداءَها
وكن أنتَ منها ماءَها وسماءَها
يناديكَ زيتونٌ جريحٌ وتِينةٌ
مُجفَّفةٌ كي تستردَّ دماءَها
يناديكَ هذا البحرُ والبحرُ دمعةٌ
وميناؤُهُ عينٌ أماتُوا ضياءَها
يناديكَ أطفالٌ ولم يتكلَّمُوا
فبعضُ سكوتِ الناسِ يُمسي نداءَها
تناديكَ يافا والجليلُ وغزَّةٌ
فكنْ أنتَ منها ماءَها وسماءَها
أيا مَنْ واقفٌ عندَ الحيادِ
تخافُ على الحصادِ من الجرادِ
تقولُ الليلُ أبيضُ لو أرادوا
وتَنسِبُ ذا الصباحَ إلى السوادِ
ألَا أبشِرْ فإنّ غداً قريبٌ
لناظرِهِ وخيرُكَ للنفادِ
فليسَ بآمنٍ من كانَ خِلّاً
لذئبٍ أو حليفاً للفسادِ
وهذا الصمتُ عارٌ ثُمَّ عارٌ
غداً تلقى بهِ ربَّ العبادِ
ألا هبّي بصحنِكِ (أنجلينا)
فإنَّ الأهلَ قد خذلوا (جِنينا)
وغزّةُ تستغيثُ فهل مجيبٌ
وعمَّ الصمتُ قوماً سامعينا
وغزّةُ ليسَ أرضاً تهدِموها
ولا شعباً يُبادُ فيَستكينا
ولكن لوثةٌ في الروحِ دبَّتْ
وكابوسٌ يُطاردُكم سنينا
إذا بلغَ الفِطامَ لنا صبيٌّ
زفَفْناهُ شهيدَ الأكرَمِينا
جِنين: مدينةٌ فلسطينيةٌ
بكى كثيراً إلى أن جفَّ مدمعُهُ
وليسَ من أحدٍ إلّاكَ يسمعُهُ
يدعوكُ ربّي دعاءَ العاجزينَ يداً
دعاءَ من طُحِنَتْ بالحزنِ أضلعُهُ
دعاءَ مَنْ طفلُهُ في القبرِ مُرتجِفٌ
وأمُّهُ معَهَ في اللحدِ تُرضعُهُ
دعاءَ مَنْ كانت الأطيارُ تُوقظُهُ
واليومَ طائرةٌ صارتْ تُروِّعُهُ
ألّا تذرْ أحداً منهم بموطنِنا
إلّا وكانَ بإذنِ اللهِ مصرعُهُ
أنا غاضبٌ من كلِّ هذا الذي يجري
وأُوشِكُ أنْ.. لكنْ تطولُ يدُ الصبرِ
أصيحُ: فِلَسْطينٌ.. فينجرحُ الصدى
ويسقُطُ من هذا الهواءِ دمٌ يَسري
أُمرِّرُ كفِّي في الخريطةِ فوقَها
فتصبحُ غصناً يابساً ميِّتَ الزَّهْرِ
وأكتبُها سطراً على الماءِ رائقاً
فيصبحُ جمراً لا يريدُ سوى الثأرِ
تباركَ شعبٌ لا ينامُ على الأذى
وأجملُ قصرٍ عندهم ظُلمةُ القبرِ
تباركَ شعبُ المُستحيلاتِ كلِّها
وأوّلُ نُطْقِ الطفلِ منهم صدى الدهرِ
فإنْ كانَ موسى فجَّرَ الصخرَ بالعصا
فهم بدأُوا دربَ النضالِ منَ الصخرِ
فلسطينُ ليستْ ما ترونَ أمامَكم
ألَا إنَّ سطحَ البحرِ ليسَ كما القَعْرِ
فغصنٌ منَ الزيتونِ يصبحُ خِنجراً
إذا هدّدتْهُ الريحُ بالقطْفِ والبَتْرِ
فِلَسْطينُ ما تحتَ اللِّحاءِ وإنْ بدَتْ
على الجِّذْعِ ديدانٌ لها نيّةُ الشرِّ
فِلَسْطينُ حينَ البحرُ ينفَدُ في المدى
سيَقبِسُ من عينِ النساءِ رؤى البحرِ
على زندِها الرمليِّ ترتاحُ موجةٌ
ومن قُبّةٍ شقراءَ مُنبَثَقُ الفجرِ
فِلَسطينُ أُمٌّ أضعَتْنا وعندما
كَبِرْنا هجرناها، تموتُ ولا ندري
بِغزَّةَ شيءٌ لا يموتُ كأنَّها
معَ الشمسِ تأتي كلَّ يومٍ بلا هَجْرِ
حقائقُ لا تفنى فموتوا بغيظِكم
سيعجِزُ علمُ الحربِ عن ذلكَ السِّرِّ
رجالٌ لها قد عاهدوا (اللهَ) بالوفا
فإمّا إلى نصرٍ وإمّا إلى نصرِ