السبت ١ أيار (مايو) ٢٠٠٤
مقتطفــات من شعر
بقلم مفيد مسوح

جميــل صدقي الزهـــاوي 1863 – 1936

في الفلسفة والمـــرأة والمجتمع

جميـل صدقي الزهــاوي فيلسوف العراق الكبير في الربع الأخير من القرن التاسع عشر وشاعرهـا في بداية القرن العشرين وحتى وفاته عام 1936 .. تميز منهجه الفلسفي بالإستناد إلى علم الطبيعة والظواهر وخاصة نسبية انشتاين ومنهجه الإجتماعي بالتحرر واحترام المرأة وتقدير دورها في بناء الوطن وشعره بالواقعية ورقة المشاعر ونبل الآراء وجرأة القول والتحريض على التحرر من قيود الدين والتقاليد والمفاهيم المتخلفة وعلى تبني الفكر الإشتراكي ..

كان الزهاوي محبوبــاً كشاعر ومعلم وفيلسوف وإنسان في الأوساط الشعبية والأدبية والسياسية النهضوية في بلاد الشام ومصر والبلدان العربية الأخرى فضلاً عن مكانته الكبيرة لدى الشعب الكردي، فهو ابن لأبوين كرديين من بغــداد. وقد كتب فيه طه حسين:

" لم يكن الزهــاوي شاعر العربية فحسب ولا شاعر العراق بل شاعر مصر وغيرها من الأقطار .. لقد كان شاعر العقل .. وكان معري هذا العصر .. ولكنه المعري الذي اتصل بأوروبا وتسلح بالعلم .."

الفكر المادي واتساع الأفق والإيمان بقوى الطبيعة والتسلح بالعلم عند الزهــاوي سببها استيعابه لمفهوم اللانهاية في الكون، لقد قــــال:

لا تقبــل الأجـــــرام عــدا
كلا ولا الأبعــــــاد حـــــدا
إن المجــــــرة لـم تــــكن
إلا عــــوالم فقـن عــــــدا
والسحب فيهـــا أنجــــــم
هـن الشموس بَعـُدن جـدا
والأرض بنت الشمــــس تلــــــزم
أمهــــا جريــاً وتحـْـدى
وتــدور في أطرافهـــــــا
مشــدودة بالجذب شــــدا
ويــدور محورهـــــــا تـوجــــه
نحــــــــــــــــو نــــور الشمــس خـــــدا

ويؤكــــد:

تحوي السماء نجومــــاً ذات أنظمة

من الشمــوس كثاراً ليس تنحصـــر

نخــالها ثــــابتـات وهي مســـرعـة

كأنهــا الخيـل في البيــداء تحتضـــر

أما نتيجة هذا المستوى الرفيع من فهم المادة والكون فقد انعكس تماماً على مواقفه من المجتمع والعادات والحياة العامة. كان الزهــاوي نصيراً عنيداً للمرأة وكتب في حريتها ومساواتها بالرجل الكثير من النثر والشعر. إحدى مقالاته في الدفاع عن المرأة نشرت في عام 1910 سببت له المتاعب وانتهت بتسريحه من وظيفته في إحدى مدارس بغداد وشن حملات كبيرة من قبل الكتاب المتشددين الذين وصفوه بالمارق .. قصـائده في تحـرر المرأة كـانت أشد وقعـاً على الرجعيين والمتخلفين ..

في مقالته المذكورة أعـلاه عبر الزهاوي عن اعترافه الكامل بدور المرأة الهام والكبير في الحياة الأسرية والمجتمع وبناء الوطن وأشار إلى مساوىء المفاهيم السائدة التي تحط من قدرها وتظهرها كمتاع يمتلكه الرجل ويفعل به ما يشاء ويحق له التخلي عنه أو استبداله متى رغب في ذلك، تلك المفاهيم التي لا تعترف للمرأة بمقوماتها كإنسان وبالتالي بحقوقها البشرية .. و استشهد بأمثلة من نمط الحياة الأوروبية التي تتمتع المرأة في ظلها بحريتها مما يجعلها عنصراً فعالاً مساهماً في بناء المجتمع والحضارة ويوفر لها الكرامة الإنسانية واحترام كامل حقوقهــا .. في حين يرى بـان الدين الإسلامي أجـاز قسوة الرجل على المرأة وسمح له باعتبارها سقط متاع فلا رادع عنده من أن يكيل لها اللعنات والشتائم واللكمات ويعيدها إلى بيت أهلها مطلقة محرومة من الحياة الهادئة المستقرة .. وتساءل الزهاوي عن العدالة المزعومة في حق الرجل بتعـداد الزيجـات وفق معيار كمـي وبإعلان الطلاق متـى شـاء وحرمان المرأة من هذا الحق ..
وأشار الشاعر والفيلسوف الكبير إلى الظلم المتعدد النواحي الذي تتعرض له المرأة إضافة إلى الزواج والطلاق .. فحق الميراث وقيمة الشهادة وشروط المظهر خارج المنزل وأسهـامها في الشأن العـام تثبت امتهاناً كبيراً للمرأة تبدو معه عبـدة لا وزن لها ولا حقوق .. أما في السماء فليس الأمر بأحسن .. فللمرأة المؤمنة في رحاب الجنة زوجها في أحسن الحـالات بينما لـه من حور العين سبــــعون إلى سبعيــن ألف ما يكرس اعتبار المرأة ملكاً ومتعة لا أكثر يكافأ الرجل بها، متـى حق له ذلك، وبالمعيار الكمـي أيضــاً ..

عن حجاب المرأة وتسترها أمام الرجال تحدث الزهاوي مبيناً أن في الأمر امتهان فظيع لها وتكريس لثقافة الخوف والضعف والخيانة وانعدام الثقة بين بني البشر ومحدداً سلبيات الحجاب على كافة الأصعدة وإيجابيات السفور التربوية والإجتماعية وانعكاسه على قدرة المرأة على التفاعل مع الرجل في تطوير المجتمع وبناء الحضارة ..

كان الحجــاب يسومها

خســـــــفأ ويرهقهـــا عـذابــــــــــــــــا

إن الأ ُلى قد أذنبــــــــــوا

هـم صيـروه لها عقـــــــــابـا

وسيطلب التــــــــاريخ من

نــاس لهـــا ظلمـــــــوا الحســـابــا

ويضيـف في قصيـدة أخرى:

مـزقـي ياابنــة العــراق الحجــابا

واسفـري فالحيـاة تبغـي انقــلابـا

مـزقيــــــــــه واحرقـيه بلا

ريــث فقــد كـــــــــان حـارسـاً كـــــذابـا

لقـد أثار الزهـاوي واقع وصور اضطهاد الرجل للمرأة في المجتمع العراقي وسلوكية العنف والإرهاب التي تمارس بحقها والإستهتار بإنسانيتها وتعامله غير اللائق مع العذوبة والرقة الأنثوية:

ما أتعـس الحسنـــــــــاء يمـلك أمرهــا الــزوج العنيـــف

وهو إذ يرى في الشرق استهانة بقدر المرأة وتهميشاً لها خارج حياة العمل والعطاء والإبداع ومشاركة الرجل في تطوير المجتمع وبناء الوطن فإنه يقارن الحال بما هو عليه في الغرب حيث للمرأة احترامهـا ومكانتهـا وفرصها المتكافئة مع فرص الرجل وبالتالي تمتع المجتمعات الأوروبية بإسهام الجنسين بالعمل والبنــاء وإضفاء مظاهر الطبيعيـة والتحضر والرفاهية على الحياة الإجتماعية:

في الغرب حيث كلا الجنسين يشتغل

لا يفـْضل المرأة َ المقدامةَ َ الرجــل ُ

كلا القرينيــن معتـز بصــــــــــاحبه

عليه إن نـال منـه العجزُ يتـــــــــكل

وكـل جنس لــه نقصٌ بمفـــــــــرده

أما الحيــاة فبــــالجنسيــن تكتمــــل

أما العـراق ففيـه الأمــــر مختلـــف

فقــد ألـم بنصف الأمـــة الشلــــــــل

ويقارن بحسرة تطور الغرب وسعي أبنائه إلى التقدم في حين يغط شرقنا بالسبـــــات العميق:

الشرق ما زال يحبو وهو مغتمض
والغرب يركض وثبــاً وهو يقظــان

والغـرب أبنـاؤه بالعلـم قد سعــدوا

والشرق أهلـوه في جهـل كما كانوا

ويرى أن السبب الرئيس في نقص حياتنا واكتمـال الحياة في الغرب هو موقع المرأة في المجتمـع:

وكـل جنس لــه نقص بمفـــــــــرده

أما الحيـاة فبــــالجنسيــن تكتمــــل

ذلك الموقع الذي يجعل الناس مشغولين بالعمل والإبـداع والإنتـاج الوفيـر بينما نحن مشغولون بالترهات وبتبادل الإتهام في قضايا الديــــن:

الغـرب يشغلـه مــــــال ومتربــة

والشــرق يشغلـه كفـــرٌ وإيمـــان

ولذلك نحن ضعفـــاء وقريبــون من الهوان:

الغـرب عـزٌ بنــوه أينمــا نزلــوا

والشــرق إلا قليــلاً أهلـُه هـانــوا

ولكنه لم يفقد الأمل بنهضة العرب إن هم استيـــــــــــقظوا:

سترقى بلاد الشرق بعـد انحطـاطها

لو ان بنيــها استيـقظوا وتعلمـوا

يـزول تمـاماً ما بها من تــــــــــأخر

لو ان حكـومات البـــــلاد تـُنظـــم

وفي معرض آخــر يعيد تأخر العرب إلـى التعصـب والتمسـك بمفاهيم الماضي المتخلفة وبمواقف الرجال الأنانيـة من المرأة بالتحديــد، تركت آثارها السيئـة على كل شيء:

هو التعصب قـد واللــه أخـركــم

عن الشعوب التي تسعى فتقـتــرب

وفي الزواج غير المتكافيء من حيث السن ولا القائم على أساس من المودة والحب والإحترام والإعتراف للمرأة بإنسانيتهــا يصور الحياة الجحيمية وما تمتليء به من مآس:

كـم قـد تــزوج ذو الستين يــافعـة

والشيب في رأسه كــالنـار يشتعـل

يقـضي لبانتـَـه منهـــــا إلى أجــل

وقــد يكـون قصيــراً ذلك الأجـــــل

ولا يبــالي بحـبل الــــــود بعـد ئذ

أكان متصـــلاً أم ليـس يتصــــــــل

تزوجتْ وهي لا تـدري لشقوتهــا

أزوجـُهــا أحـد الغيـــلان أم رجـــل

يسبهــا لا لذنب ثـــــــم يركلــــها

بالرجـل منـه مهيــناً وهي تحتمــل

وبعـد ذلك يعــــــدو كالنعــام إلـى

أصحابــه وهو ممــا جـاءه جـــزل

ولــم تكـن أربـعٌ يشبــعن نهمتــه

والذئب يشبعــه من جوعـه حمـــل

وهو يجـد في مستندات المجتمـع المتخلف سبـباً صريحـاً لاستمرار مظاهر قهر النساء واضطهادهن وحرمانهن من الحرية والمساواة:

وددت من كــل قلبـي غير مختشــع

لـو عـاد يـومـاً علـى أعقـابـه الأزل

فأســأل اللــه تقديـــــراً يغيـر مــــا

قضــــاه قبــلاً فـلا ظلـمٌ ولا دخــــل

وأحد أكثر مظاهر قهر المرأة يتجلى في سهـولة الطلاق عند الرجـل، والعصمة في يـده، يلوح به حينمـا يشــاء وتحت أية حجـة أو حالة دون رادع أو تحسب لمـا يتركه هذا العمل الأنـاني من إهانة للمرأة وتحطيم للأسرة وبؤس وحرمـان:

وقـد يطلقــها فـي حــانة ثمــــــــلاً

الظلم الواقـع على المرأة كمـا يراه الزهــاوي يبدأ في البيت وهي طفلة عنـد أهلهــا الذين أرضعوها الخوف والدونية مع حليب الطفولة وهيؤوهـا للزواج المبكر القسري في حالة تشبه بيع النعـاج بعيـداً عن أية قيمة إنسانية وفي بيئـة متخلفة ظالمة تتكرس فيهــا كل أشكـال العبودية والقهر :

لقـــد روعـوها ثم نـامت عيــونـهـــمُ

وليـس ســواء نــــــــائم ومـــــروع

وقـــد زوجــوهـا وهي غير مريـــدة

بشيــخ كبيـــر جــاء بالمـال يطمـــع

وفـي الــدار أزواج لـه غيــر هـــــذه

ثــلاث فـود الشيـــخ لو هـن أربــــع

تضـاجعــه في البيت وهــو كـأنــــــه

أبــوهـا فـقـل في أمرهـا كيف تصنع

هنــاك ستشــقى أو تمــوت كئيبـــــة

على أن مـوت المـرء في الهـم أنفع

هناك سيبدو اليأس والبؤس والأسى

لهــــــــا وتـلقــاها المصـائب أجمـع

وفـي قصيـدة أخرى ينتهي الأمر بمأســاة حقيقيــة:

جلـوهـا عروسـاً بعد سبـع فزمـروا

وفي مرح الأفـراح خبـوا وأوضعـوا

جلوهـا عروسـاً ما بهـا من غميـزة

سوى صفرة فــوق الأسيليــن تلمـع

وزفت إلى الشيخ الذي لشقــــــائها

أتـــى طــالباً كيمـا بهــــــا يتمتـــــع

فقــالت له لا تـدنُ يـاشيـخ راغبــــاً

فأنت أبــي بل أنت فـي الســن أرفع

فإن كــان منك الشيب ليـس بــرادع

لجهــلك يـا هـــــــــــــذا فإنـي أردع

ولكــن مـا بالشيـخ من شهـوة غلت

أبى أن يعـاف الشيـخ ما هـو مـزمع

فقطـب منـه الوجــه ينفـخ غــاضبـاً

ومـــد يديـه جــاذبـاً وهـــي تـدفــــع

يقــول لهــا (أسماء) أنت حليلتـــي

ولا بــد مـــن أن الحليــــلة تخضــع

أحلــك لــي رب السمـــــاوات إنـــه

حكيـــم وإن الحق مــا هـــو يشــرع

فلمــا رأت أن لا منــاص يصـونهـا

من الشيخ لما أوشك الشيخ يصـرع

أحالــــت علــى كأس هنـــاك معـدة

من الســم واهتشــت لهــا تتجــــرع

ومـاتت (أسمــاء) وبكــتهـا أمهــا وبكى أبــوها نـادماً .. وهيهــات أن ينفع الندم بعدمـا حلت الفاجعة وتحـولت الفتــاة إلى جثة هـامدة لم يبق لهــا سوى ما يغطي جسدهـا من أزهار الربيــع:

فلمـــا بـدا صبــح وشاعت فجيعـــة

وصـاح بها الناس والناس أسرعــوا

أتت أمهــا تجثو إلى الجنب رأسهــا

وتلطم حــر الوجـه والوجــه أسفـــع

وعـض أبــوهـا للنـدامة كفــــــــــه

ومــا أن لــه هذي النــدامة تنفــــــع

وهو إذ ذاك لا ينسى أن يخبرنــا بأن أسمــاء فتـاة ذات قلب ومشــاعر وقـد كان في قلبهــا خفقــات حب لشــاب هــام بهـا ولكنــه حرم من أبسط حق له في الحيــاة وهو أن يحظى بحبيبتـه فيعيشان حيــاة سعيدة متكــافئة:

أكـب (نعيــم) بــاكيــاً فــوق قبرهــا

وقـــال فأبكــى كل من كــان يسمـــع

وعــادوا بـــه ذا رجفــة يسنــدونـه

بهم ليس فيـــــه للسلامـــة مـوضـع

فعــاش سقيـم الجسـم خمسة أشهر

ومـات .. كــذاك الحب بالناس يصنع

فـواروه في قبر يجــاور قبرهــــــا

على ربـــوة .. إنـا إلى اللــه نرجـــع

هكذا صور الزهــاوي المجتمــع العراقي المتخلف تكبله قيـود المفاهيـم الرجعية والموقف اللاإنساني من المرأة ومن التحرر الإجتمــاعي .. وهو إذ يضع الإصبـع على الجراح في مرحلة مبـكرة نسبيــاً فإنه يرى أن الخلاص من هذا الواقع السيء ممكن والنهوض بالوطن والمجتمع ممكن بشرط التخلص من أسباب ومسوغات الظلم والتمييز المفروض على المرأة الإذعان لهمـا والخضوع للرجل على أساس هذه المسوغات ..

إنـه، لقناعة راسخة عنده مبنية على أسس ومعايير إنسانية أثبتت الحضارة صحتهـا وجدواهـا، فخـور بدفـاعه عن المرأة وبربطـه تحرر الوطن وتقدمه بتحرر المرأة .. وقـد عرف الزهـاوي بين شعراء وفلاسفة وسياسيي العراق ومصر وبـلاد الشام بموقفه المتميز والصريـح تجـاه مسائل المرأة والدفاع عن حقوقهـا وقد قيل عنه الكثير .. فهذا الدكتور عبد الرحمن الشهبندر يقـول في تأبينه:

" إذا أردنـا أن نكبر الزهــاوي ونخلد ذكـراه فعلينـا أن ننشيء باسمه في مسقط رأسه مدرسة للإنـاث يعلمن فيهـا من فنـون الأدب والعلم ..."
دفاع الزهـاوي عن المرأة جلب له المتاعب وقد هجـاه لذلك كثيرون فيما لم ترقْ لأصدقـائه حملات الحاقدين .. فولي الدين يكن قال راداً هجوم المتشددين على الزهـاوي لشعره في تحرر المرأة:

ألا قد بغت هذي العمــائم بغيهــــــا

فـدارت علـى القــــوم الكـرام دوائـره

بـأي كتــــاب أم بـأية سنــــــــــــــة

يجـازى على قـول الصـواب معـاشره

بـأي كتــــاب أم بـأية سنــــــــــــــة

يريــدون طـي الحـــق إن قـام نـاشره

سـلام على الدنيا سلام على الورى

ســــلام علـى العهـد الذي قـل شـاكره

ولكنه نـال بالمقـابل الكثير من المديح من قبل شعراء شاطروه الآراء التقدمية مثل معـروف الرصـافي:

ومـا الآداب فـي بغــــــــــداد لـــولا

يـــراعَ جميلـهــــــــا إلا دعــــــــاوي

إذا مـا قــــال فـي بغــــــــداد شعـراً

رواه لــــــــــه بأقصـى الأرض راوي

أعيــذك يـا جميـــل الشـــعر مـن أن

يســوءك نقـد أربـاب المســــــــــاوي

وليسوا محوجيـــك إلـى معيـــــــــن

وهـم مـا بيـــــن مهزول وضــــــاوي

فنفـخ منـــك يجعلهــــم هبـــــــــــاء

ويسقطهـــم إلى سفــــــــل المهـــاوي

ومـــا احتــاج القـوي إلى معيـــــــن

إذا كـــان الضعيــــــف هـو المقـــاوي

وبـــدوي الجبـــل، يحييه في دمشق ضيفـاً عزيـزاً ويحيي العراق فيه ويؤكـد تأييده للزهـاوي في فكـره الكفاحي:
يــاشـاعر التــاج المضيء علـى جبيـن أغــــر فـاتح
وفتـى القريحــة أعطيت عرش الإمـارة في القـرائح
طيــب العـراق وإنـه للمسـك مـن برديـــك فــــــــائح
أهــوى العــراق وإن تكن طــاحت بسؤدده الطــوائح
حــدث فقـد طــاب الحـديث ونــام عن نجــواه كـاشح
واذكــر لنـا عبر الحيــاة فأنـت مـأمـــــون النصــائح
هـذي الحيــاة لمـن كالليث مرهــــوب الجوانـــــــــح
والعيـش معنــــاه الكفــــــاح وهــالك مـن لا يكـــافح

لقد أحب شعراء الشرق جميل صدقي الزهـاوي ولم يفوتوا فرصة لإظهـار إعجـابهم به فكراً وشعراً وفلسفة وشخصية أيضــاً وهـو لذلك متفائـل رغـم مـا أحاط به من متاعب طالمــا الأمــل بـاق في النفـوس:

تبقــى الحيـاة على الأرزاء طيبـــة

مـادامت النفــس بالآمــــال تتصـل

ومن لم تأته فرصة مديح الزهـاوي ومكانته الكبيرة في حياته أبنـه ورثــاه كمـا يستحق .. من بشارة الخـوري إلى علي الجـارم والجواهري وغيرهم ..

محمد مهدي الجواهري قـال قصيدة رائعة في رثــاء الزهـاوي مطلعهـا:
علـى رغـم انف الدهر ذكـراك خـالد

تــرن بسمع الدهـر منك القصــائد

ومؤكـداً المكـانة الفكرية والعلمية الكبيرة للزهـاوي والتي كان يتمنى أن يستفيد الوطن والمجتمع منها أكثر قفل قصيدته قائلاً:
أضـاعوك حيـــاً وابتغــوك جنـــازة

وهذا الذي تأبــاه صيـــد أمـــاجد

ربـط الزهــاوي رؤيتـه للطبيعة والحيــاة والمجتمـع بصدق أحـاسيسه وبالتصـاقه الشـاعري بالطبيعة النقية السـاحرة والقويــة والكريمـة .. وهو لذلك يحب الغزل ويعشق الفن والغنـاء على الأخص .. أحب أم كلثــوم وعبد الوهـاب وغيرهمــا .. وقــال في أم كلثوم لدى زيارتهــا بغـداد سنة 1932:

الفــن روض أنيـق غير مســــــؤوم

وأنـت بلبـلــــــه يـــــا أم كلثـــــوم

لأنت أقــدر من غنـــى بقـافيــــــــــة

لحنـــاً يرجعــه من بعـــــد ترنيـــم

إني أخــاف افتنانـاً فيـه مفتضحـــي

فــإنمـا أنـا شيــخ غيــــر معصـوم

سلــي بــي القوم قبل اللــوم باحـثـة

وبعــــد ذلك يــا لوامتـــي لـومــي

لا تفزع الكاعب الحسناء مـن كلمي

فإن نصــل سهــامي غير مسمـوم

ويضيف ابن الخمسة والستين عـامـاً دون حـرج:

يــا أم كلثــوم غنـي فالهوى نغـــــــم

تلــذه الشيب والشبــان كلـــــــــهمُ

مـن أجــل صـوت رخيـم منك يسمعه

يـا أم كلثـوم جـــاء الجمع يـزدحـم

قد هــزه صـوتك المــوار يطربــــــه

فهاج كالبحـر ذي الأمـواج يرتطـم

أشعار الزهــاوي في العلم والفلسفة والمجتمع وقصائده في فضح الإحتلال العثمـاني والمرتبطين به سياسة وثقافة لم تمنعه من قـول الغزل والتفنن في وصف الطبيعة والتعايش الرومانسي مع القيم الجمـالية ..

وأعـاد الشحـرور ألحــان وجـــــــــد

طــائراً مـن نهـد هنــاك لنهـــــــــد

بيـن نبت يضــور عرفــــــــــاً وورد

مـن خزامـى ويـاسمين ورنـــــــــد

وشقيــــق ونرجـــس وعــــرار

قرب جــورية يفـــــــــــوح شـذاهــا

ذات لـــون مـن السمـــاء أتاهـــــا

فـي شعاع من الشمس طبق هـواها

قبلـت فــاه وهـو قبــــل فـاهــــــــا

لتــــلاق مـن بعد شحـط المـزار

إن حســن الربيـــع للعين فـاتــــــــن

كـم بـه من زهــر كثيـر المحــاسن

غـير أن الزمـــان يـاقـوم خــــــــائن

فـلأزهـــاره جمـــال ولكـــــــــــــن

هي آه قصيـــــــــرة الأعمـــــار

لقـد كانت للزهـاوي صداقات وعلاقات مودة انطـلاقـاً من أرضية التفاهم الفكري مع العديد من أبرز الشخصيات الأدبية والفكرية والنضـالية في مختلف بلدان العـالم .. لقد قـال في طاغور، شاعر الهند الكبير وشاعر الحب والسلام وكان له صديقاً .. وقـال في جبران خليل جبران وأحمد شوقـي وفي أم كلثــوم وعبد الوهـاب وغيرهـم .. كمـا كتب لعظمـاء راحلين، كمـا هي الحـال في المتنبي وتولستوي وفي المعري أيضاً حيث قال مؤكداً التأثر الكبير به:

إنـي تتلمـذت فـي بيتــي عليك وإن

أبــــــلت عظـامك أدهـار وأزمــان

تتوج أعمــال الشاعر والفيلسوف الحكيم جميل صدقي الزهــاوي ملحمتــه الشعرية الخالدة (ثـورة جهنميــة – نزعــات الشيطــان – منكر ونكيــر) ..

ثورة أهــل الجحيــم ملهـاة حوارية شعرية خيـالية فلسفية واجتمـاعية ألفهــا وهو في بداية عقده السابع عـام (1929) يقـاوم بعنفوانه ملامح الشيخوخة التي داهمته والمرض وتباشير العجز بالمزيد من المرح وروح الفكــاهة والمجون، يعرض فيهـا رؤاه وفلسفتـه ونظرته للحيـاة وأدبهـا والنـاس ومعتقداتهم من خـلال سجـل زيـارته للجحيــم والنعيــم على طريقة أبي العـلاء المعـري في (رســالة الغفـران) ودانتـي في (الكوميديـا الإلهيـة) ..

لقـد أراد الزهــاوي، كمـا يقـول الأستـاذ أمين الريحــاني، أن "يشعل أنوار العقـل والعـدل والحب الإنسـاني على شواطيء الشك والتهكــم" .. و(ثـورة جهنميـة)، وإن كانت تشبه إلى حـد مـا رسـالة المعري أو كوميديا دانتي الإلهيــة أو الزوابـع والتـوابع لابن شهيــد الأندلسـي فإن لهــا خصوصيتها وشخصيتهــا المستقلة في التصوير والحوار والمرتكزات ارتباطـاً مع خصوصية المعايير وحدودهـا، فالمعنيون بالمكان وبالخطوات والجولات مسلمون يحاورهم ويحـاكمهم مـلائكة مسلمـون ..
وملحمة الزهـاوي هذه هي "أنفس أعماله وأحقهــا بطـول البقـاء" كمـا يقول أمين الريحــاني .. وتستحق أن تخصص لهـا الدراسـات، فليس من السهل أو العـدل استعراض كافة جوانبهـا في عمــل غير مستقـل ..

واختصاراً .. تبـدأ رحـلة الزهـاوي لحظة إيداعه في القبــر:

بعــد أن مت واحتـواني الحفيـــــــر

جــاءنـي منكــــر وجـــاء نكيـــــــر

ملكــان اسطــــاعـا الظهـــــــــــــــــــــــور

ولا أدري لمــــاذا وكيـف كـان الظهــــــور

كنت فـــي رقـــدة بقبـــــري إلى أن

أيقظـــاني منهــــا وعــاد الشعــور

فبـــــدا القبــر ضيقــاً ذا وخــــــوم

مـــا به للهــواء خـــرم صغيــــــــر

إن تحـــــــت الأرض إلا قليـــــــــلاً

منــــزل المـرء ذي الطموح الأخير

أتيـــــــا للســـؤال فظيـــــن حيـــث

الميت بعـــد استيقــاظه مذعـــــور

عـن أمـور كثيـــــرة قــد أتــــاهـــا

يــوم كــان في الأرض حيـاً يسيــر

خـــار عــزمي ولـم أكــن أتظنــــى

أن عـــزميَ يـومــاً لشيء يخـــور

. . . .
قــال من أنت وهـــو ينظـر شــزراً

قلـت شيــــخ في لحـــــده مقبـــور

قـــال مــاذا أتيــت إذ كنـــت حيـــاً

قلـت كـــل الذي أتيـــت حقيــــــــر

ليس في أعمـــــالي التـــي كنـت آتيهــــــــــــــــــــا

على وجــــه الأرض أمر خطيــر

كنت عبــداً مسيـــراً غير حــــــــر

لا خيــــــــارَ لــــــه ولا تخـييــــــر

مـا حبــوني شيئـــــاً من الحــول والقـــــــــــــــدرة

حتـــى أديــرَ مـا لا يــــــــــــــدور

كان خيـــراً منـي الحجــارة تثوى

حيـث لا آمـــرٌ ولا مـأمـــــــــــــور

ويستمر الإستجواب الذي يتناوب فيه الملكـان بطرح الكثير من الأسئلة في جميـع مواضيع وفرائض الديــن وشروطه بـدءاً بالشهـادة والصلاة والصوم والزكــاة والحج وانتقــالاً إلى العقيدة والإيمـان بكل مــا جــاءت به رسـالة السمـاء .. وإذ أثقـــل الملكــان على الميت بالأسئلـة العديـدة المتتاليـة قــال:

قلـــت مهـــلاً يـا أيهــا المــــــلك الملحــــــــــف

مهـــلاً فــــإن هـــــــــــذا كثيــــــــــر

كـان إيمانــي فـي شبــابي جمـــاً

مـــا بـــه نـــذرة ولا تقصيــــــــــر

غيـــر أن الشكـــوك هبـت تــلاحقنــــــــــــــــــــــــــي فلــم يستقــر منـي الشعـــــــور

ثـم عـــاد الإيمـــــــــــــان إلى أن ســله الشيطــان الرجيـم الغـــرور

ثـم آمنت ثـم ألحـــدت حتـــــــــى قيــــل هــــذا مـذبـذب ممــــــــرور

ثـم أنـي في الوقت هــذا لخـوفي لست أدري ماذا اعتقادي الأخيــــر

ويتــابع الملكــان مهمتهمــا دون اكتـراث لخوف الميت وارتجــافه وترقبــه:

قــال مــاذا رأيت في الجــن قبــلاً

ومن الجــن صــــــالح شريـــــــــر

ثــم في جبـريلَ الذي هو بين اللـه

ذي العـرش والرســــول سفيــــــر

ثــم في الخنــاس الذي ليــس

من ســــــــــــــــــــواه في الحيــــاة تخلــــو الصــــدور
. . . .
قلـت للــــه مـا فـي السمـــــــــــــاوات

والأرض ومــــا بينهـــن خلــــــــق كثيـــــــــر

غيــر أني أرتـــاب فـي كـل مـا قد

عجــــز العقـــل عنــه والتفكيـــــر

لم يكـن في الكتـاب مـن خطأ كـلا

ولكــــــنْ أخطـــــأ التفسيـــــــــــر

ويحين وقت السؤال عن المــرأة والحجــاب:

قـال هــل في السفـور نفع يرجـى

قلت خيـر من الحجاب السفــــور

إنمـا في الحجــاب شــــــلٌ لشعب

وخفــاءٌ وفي السفــور ظهـــــور

كيـف يسمـو إلى الحضـارة شعب

منــه نصف عن نصفـه مستـــور

ليـس يأتي شعبٌ جـــلائـلَ مـالـــم

تـتـقـــدم إنــأثـه والذكــــــــــــور

إن فـي رونـــق النهــــار لنــاسـاً

لم يـُزلْ عن عيـونهـا الديجـــــور

لعــل مـا جاء في هذه الأبيات القليلة من أكثر مـا قاله الزهاوي قوة وصراحة وإصـراراً على إرجـاع ضعف المجتمــع وتخلفــه إلى مسألة الموقف من المرأة لكونها جاءت في مواجهـة صريحـة مع ممثلين لثقـافة أحدُ أهم عنـاوينهــا عزلُ المـرأة عن المجتمـع والحط من قيمتهـا ودورهـا في الحيـاة .. فالميت في قبـره وأمـام التحقيق لـم يستطع المراوغة وإخفـاء قناعته بأن الموقف من المرأة يمثل الحـد الفـاصل بين من يريد لوطنه التحضر ولمجتمعه التطـور وبين أولئك الذيــن ما زال الديجـور يغطي عيــونهم ويعمي أبصـارهم ..

وجوابـاً على سؤاله حول الإيمـان بالله يجيب الميت رابطـاً الله بالكـون الفسيـح وبالطبيعة .. ولكنــه يؤكـد في نفس الوقت شكــه وحيرتـه:

قـال مــاذا هو اللـــه فهـل أنــــت

مجيبــــي كمــا يجيـب الخبيــــــــر

قلــت إن الإلـــــــــه فوق منـــال

العقـــــــل منـــا وهــو العزيــــز الكبيــــــر

إنـــه فـي الجبال والبــر والبـحر

مــن الأرض والسمــاوات نـــــور

وهــو إن قــــال كــنْ لشـــــيء

سيكــــــــــــــــــــــون الشـيءُ من فـوره فـلا تـأخيـر

إن هــذا مــا قــد تلقنتــــــه

والقلـــــــــــــــــــــــــــــــب مـن شكـــه يكـــاد يخــــــور

مـــا لكـل الأكــــوان إلا إلـــــــــه

واحـــد لا يــزول وهـــو الأثيــــــر

ليـس بين الأثيــر والله فـــــــرقٌ

في سـوى اللفـظ إن هـداك شعــور

ويشكو الميت من كثـرة الأسئلة التي تحرجه وتزعجــه:

لا تكــونـا علـي فظيــــن فـي قبــــــــــــــري

فإنـــــــــــــــــيَ شيــخ بعطـف جــديــــر

وإذا لـم أرد لأُبْســط رأيـــــــــــي
فـــي جـوابـــــي فإننـي معــــــذور

إن قـــول الحـق الصـراح على

الأحــــــــــــــــــــــــــرار حتـى فـي قبرهــم محظـــور

فـدعـاني في حفـرتــي مستريحـاً

أنـا من ضـوضــاء الحيــاة نفـــور

اتركــانـــــي ولا تزيــدا عنـــائي

بســـــــؤال فإنــــني مـــوتـــــــور

لــم تصــن مـن جــرأة المستبــديــــن علـــــــــــــى

الهــــالكين حتـى القبــــــــــور؟؟

ويحتـد الحــوار بين الميت والملكيــن فيعبـر عن غيظــه واحتجــاجه:

إنمــا سألتـمــاني عــــن أمـــــور

هي ليست تغنـــي وليسـت تضيـر

ولمـــاذا لـم تسألا عـن ضميــري

والفتـى مـن يعـفُ منــه الضميــر

ولمـــاذا لـم تسـألا عـن جهـــادي

فـي سبيــل الحقــوق وهـو شهيـر

ولمـــاذا لـم تســألا عـن زيـــادي

عـن بـلادي أيــام عــزَ النصيـــــر

ولمـــاذا لـم تســألا عـن وفـــائي

ووفـــائـي لمـن صحبــت كثيــــــر

ولمـــاذا لـم تســـــــألا عـن مســــــاعـــــــــــي

لإبطــــــال الشـــــر وهــو خطيــــــر

عـن دفــــاعي عـن النســـاء عليهـــــــــــــــــــــــن

مـن الشقــوة الرجـــــالُ تجـــور

وســــلاني عمـــا نظمـت مـن الشعـــــــــــــــر

فبـالشعــور يــرتقــي الجمهــــــــــور

وســــلاني عــن جعــليَ الصـــدقَ كالصخــــــــــــــــر

أســـاسـاً تبنـــى عليه الأمـور

أسكــــوتٌ عن كـل مــا هـو حـــقٌ

وسـؤالٌ عـن كـــل ما هـو زور؟!

وهنــــا ينهـي الملكــان التحقيـق ويصــلان إلى الإستنتــاج الخطيـــر:

قــال مــا أنــت أيهــا الرجــس إلا

مـلحدٌ قـد ضــــل السبيـــل كفــور

مـا جــــــزاء الذيــن كـُفــــروا إلا

عــذابٌ مبــرح وإلا سعيــــــــــــر

قـُضي الأمـر فاستعـــد لضـــــرب

منـه تـدمى بعـد البطـون الظهـور

وتبدأ رحـلة العقــاب والعذاب:

وأمضــاني بالمقــامع ضربــــــــاً

كـدت منه في أرض قبـري أغـور

ثـم صــبا فـــــوق رأســـــي

قطــــــــــــــــــــــــرانـــاً لســــــــــــــــوء حظـي يفـــور

فشـوى رأســـي ثـم وجهـي حتى

بــــان مثــل المجــدور فيـه بثـور

وأطــالا فـي عــذابـي إلـــــــى أن

غـاب وعيــي وزال عني الشعـور

وإمعــانـاً في إذلال الميت وقهـره يذهب الملكــان به إلى الجنـة كي يشــاهد نعيمهــا فتزداد حسرته وندمـه في جهنــم:

ثـم طارا بي في الفضاء إلى الجنة

حتــى يغــرى بلــومي الضميـــــر

وأســرا فـي أذن رضــوانَ شيئـــاً

فــأباح الجـــواز وهـو عسيـــــــر

لمسـت إذ دخلتهــا الوجـهُ منـــــي

نفحـــة ً فـاح عطرهـــا والعبيــــر

أخذتنـــي منهــا المشــاهد حتــــى

خـلـْت أنـيَ سكـــرانُ أو مسحــور

جنـة عرضهـا السماوات والأرض

بهــا مـــن شتـى النعيــــم الكثيـــر

فطعــــام للآكليــــــــــــن لذيـــــــذ

وشــــراب للشـاربيـــن طهــــــور

سمـك مقلـــي وطيــر شـــــــــوي

ولـذيـــذ مـن الشــواء الطيــــــور

وبهــا بعـــد ذلكـــــم ثمــــــــــرات

وكـؤوس مليئــــــــــة وخمــــــور

وبهــا دوحــة يقـال لهــا الطوبــى

لهــا ظـــــــل حيث سـرتَ يسيــــر

تتــدلــــى غصــونهـا فــوق أرض

عرضـــها من كـل النواحي شهور

وجـرت تحتهــــا مـن العســـل المشتـــــــــــــــــــار

أنهــــــــــار مـا عليهـــا خفيـــــر

ومــن الخمـرة العتيـــــــقة أخـرى

طعمهــــا الزنجبيــــل والكــــافــور

ومــن الألبــان اللذيـــذة مــا يشربـــــــــــــــــــه

خلـــقٌ وهـو بعـــــــــــــد غـزيـــــــر

كـــل مـا يرغبــون لهــم حــــــلال

كـــل مـا يشتهـــــونـه ميســـــــور

وعلــى أرضهــــــــــا ذرابـي َ قـــــد بثـــــــت

حســـــــــــــــــــــــانـاً كأنهـن زهـــــور

وعليهــــا أسـرة وفــــــــــــــراش

مثلمــا يهـوى المؤمنـــــون وثيــر

وعـلى تلكـــم الأســرة حـــــــــورٌ

فـي حلـــي لهـــا ونعــمَ الحـــــــور

ليـس يخشيـن فـي المجانة عـاراً

وإن اهتـــز تحتهـــن السريــــــــــر

كــل مـن صلــى قـائمــاً وتـزكـــى

فمـــن الحــــور حظـه مـوفــــــــور

ولقــد يعطـــى المـــرء سبعيـــــن

حــــــــــــــــــــــــوراءَ عليهــــن سندسٌ وحريـــــر

يتهــاديــن كـالجـُمـــــــان حسـانـاً

فـوق صـــــرح كأنــــه البلــــــــور

إئت مـا شئـت ولا تخــش بـأســــاً

لا حــــــــرامُ فيهـــا ولا محظــــور

ليس فيهـــا مـوتٌ ولا مــوبقــــاتٌ

ليس فيهـــا شمسٌ ولا زمهريـــــر

لا شتـــاءٌ ولا خـريفٌ وصيـــــــفٌ

أتــرى أن الأرض ليسـت تــــدور؟

جنــــةٌ فــوق جنـــة فـوق أخــرى

درجـــــــــاتٌ فـي كلهــن حبـــــور

ولكن الجنــة ليست للميت الضيف وقـد جيء به إليهــا كـي يرى الفرق بينهــا وجهنـم حيث لا شيء ممـا رأى .. حتى ولا شربة مــاء تروي ظمــأه:

ولقــد رمـت شربــةً من نميـــــــر

فتيممتــه ففــــــــر النميـــــــــــــــر

وكــأن المــــــاء الـــذي شئـت أن

أشربــه بـابتعـــــــــاده مـأمــــــــور

وتذكـرت أننــي رجـــل جــــــــيء

بــــه كــــــي يُـراعى منه الشعـــور

أي حــق فــي أن أنــال شــرابــي

بعــد أن صـح أننــي مثبـــــــــــور؟

قلـت عـودا مـن حيـث جئتمــــاني

إنمـــا هـــــذه لهمــي تـُثيــــــــــــر

وبانتهـــاء زيــارة الجنـة يتوجه الركب إلـى جهنـم يتعرف فيهـا الميت المحكـوم على سعير نـارهـا وألم العذاب في جحيـمها:

أخـرَجــانيَ منهــا وشـدا وثـــاقـي

بنســـوع كمـا يُشـــد البعيـــــــــــر

ثـم قــامـا فـدليـاني ثــلاثـــــــــــــاً

في صميـم الجحيـم وهـي تفــــــور

وأخيـراً فــي جـوفهــا قــذفـا بــي

مثلمـــا يقـذف المتــــاع الحقيـــــر

لسـت أسطيــع وصـفَ مـا أنـــا قـــد

قـــــــــــــــــــــــــاسيـت منهـــــا فإنـــه لعسيـــر

إنهـــا فـي أعمــاقهـــا طبقــــــاتٌ

بعضُهـــا تحـت بعضهــا محفـور

وأشــدُ العـذاب مـا كــان فـــي الهــــــــــــــــاوية

السفلــى حيـث يطغــــى العسيــــر

الطعـــام الزقــوم فـي كـل يـــــوم

والشــراب اليحمــوم واليحمــور

ثـم فيـــها عقـارب وأفـــــــــــــاع

ثـم فيـــها ضــراغـم ونمــــــــور

لست أنسى نيـرانهــــا مـائجـــات

تتلظــــــــى كأنهـــن بحــــــــــور

فـي جهنـم يلتقــي الزهــاوي شخصيــــــات افتخــر التـاريخ بهـم والعلـم والأدب .. شعراء وفـلاسفة وعلمــاء .. فها هم الفرزدق والأخطل وجريــر وإلى جـانبهم المعري والمتنبــي وشكسبيـر ودانتــي وغيرهم من أصحـاب العقـول ومـن المبدعيـــن:

ولقــــد أبصرت الفرزدق نضــواً

يتلـــوى ووجهـــه معصـــــــــور

وإلى جنبـــه يقـاسي اللظـــــــــى

الأخطـلُ مستعبـراً ويشكو جريــر

ولقـد كــان آخـــــــــــــرون حـواليـــــــــــهم

جثــــــــــــــــــومـاً وكلــهم مـوتــــــور

منهـــم العـــالم الكبيــــــــر ورب

الفـــــــــــــــــــــن والفيلســــوف والنحـريــــــــــر

لـم أشـــاهد بعـد التــــلفت فيهـــا

جـــــــاهلاً ليـس عنـده تفكيـــــــر

إنمـــا مثـوى الجـــاهلين جنــــانٌ

شاهقـــاتُ القصـور فيها الحـــور

ثـم حيــاني أحمـــــدُ المتنبــــــــي

والمعــري الشيخ وهــو ضريــــر

وكـــلا الشــاعرين بحـــرٌ خضـــم

وكــلا الشـــاعرين فحـــــلٌ كبيـــر

ولقــد كــان يخنــق الغيــــــــظ

بشـــــــــــــــــــــــــاراً وفــي وجهــه الدميــم

بثــــور
ويليـــهمْ أبـو نــواس كئيــبــــــــاً

وهـو ذلــك الممــراحة السكيـــــر

. . . .
وسمعـت الخيــام فـي وسط

الجمـــــــــــــــــــــــــــــــــع يغنــي فيطــرب الجمهــــور

حبـــذا خمــرةٌ تـُعيـــن على

النيـــــــــــــــــــــــــــــران حتـى إذا ذكـــت لا تضيـــــــر
اسقنــي خمــرة لعلــي بهــا

أرجــــــــــــــــــــــــــــــع شيئــــاً ممــا سبتنــي السعيــر

واصليـــني بـاللــــــه أيتهــا

الخمـــــــــــــــــــــــــــرة إنــــي امــرؤ إليــك فقيـــــــــر

أنت لـــو كنـت فـي الجحيــــــم

بجنبـــــــــــــــــــــــــي لـم ترعنـي نـــار ولا زمهــرير

ويتــابع الزهـــاوي رحلتـه في جهنــم وقــد خففت لقـاءاتـه بالعظمـاء مـن بني البشر مـن فلاسفة وشعراء وعلمـــاء قسوةَ الجحيــم ولظى نيــرانه. ثـم يروي لنــا كيف تجمهر النــاس حول سقراط وأفــلاطون وأرسطو وكـوبيرنيكوس ودارويــن وهيغــل وسبنسر ونيوتن وروسو وفولتيــر وزارادشت .. وابن سينــا وابـن رشد والراونـدي وغيرهــم .. وفي خطبة أمـام الجميع شرح سقراط مـاهية النـار ومنشأهـا مـُرجعاً تغذيتهـا وسعيرهـا إلى البترول الذي سينضب من بـاطن الأرض فينطفيء سعيرهــا:

ولقــد تنضب العيـون فـلا نـــــــار

ولا ســــــــــاعر ولا مسعــــــــور

ولـم يفت الزهـاوي تصوير احتجــاج أولئك الذين كـانوا أصلاً ضحـايا في الحياة فلمــاذا هم أيضـاً من نزلاء جهنــم، وقد كانوا بالجنة أجدر.. فجــاء هذا على لسـان مصطفـى الحــلاج الذي قـال:

لمْ شئت العــــــذابَ لـــي ولمـــاذا

لــم تـُجــرني وأنت منـــه المجيـــر

كان في الدنيا القتـلُ منهم نصيبي

ونصيبــي اليـومَ العـذابُ العسيــــر

الشعـراء والفلاسفة والعلمــاء بعد أن طـاب لقاؤهـم وتباحثوا في شؤون النهـاية السيئة الذي آلت إليها أوضـاعهم تبادلوا الآراء والمقترحات لإيجـاد حل يريحهم من عذاب النار فخرج منهم حكيـم اخترع آلات عديدة وعتـاداً حربياً وآلـة تطفيء السعير:

مكثــوا حتى جـاء منهم حكيــــــم

بـاختــراع لـم تنتظـــره الدهــــور

آلـــــــة تطفـيء السعيـــــر إذا شــــاء

فــــــــــــــــلا تحـــــرقُالجســـومَ السعيــــــر

وأتـى آخــــرُ بخـــارقة يهلـــــــك

فــي مـرة بهــــا الجمهـــــــــــــور

واهتـــدى غيـره إلى مــا بـــــه

الإنســــــــــــــــــــــان يخفــى فـلا يـــــراه البصيــــر

اختراعات العلمــاء حفـذت إلىدرجــةكبيرةالشبابَالمظلومين
والمقهورين والمعذبين وقـدامتلأت نفوسهم غيظـاًوحقداًوثـارت ثائرتهـم:

ولقــد قـام فـي الأخيــر فتــى يخـــــــــــــــــــــطب

فيهـم والصـــوت منــه جهـــــــور

وأحــاطت به المـــلايـــــن يصغــون

إليــــــــــــــــــــــه وكلهـــــــم مـوتــــــــــــــــور

قــال يـاقـومنــا جهنـــــــمُ غصت

بــالألـى يـُظلمـــون منـكم فثـوروا

قـــال يـاقومنــا أرى الأمـــر من ســـوء إلــــــــــــــى الأســوأ الأمــض يسيــــــــــــر

قـــال يـا قـوم إننــا قــد ظـُلمنـــــا

شــر ظلــم فمـــا لنــا لا نثـــــــور

فهــــــل الحـق أن يخلـــد فـي

النـــــــــــــــــــــــــــــــار على الكفر ســـاعةًً ً مجبــور

قـــال يـا قـوم لا تخــافوا فمـــا

فـــــــــــــــــــــــــــــــــــوق شرور تكـــابدون شــرور

اجســـروا أيهــا الرفـــاقُ فمــا

نـــــــــــــــــــــــــــال بعيــــــــدَ الآمـــال إلا الجســـور

أنتــم اليــوم فــي جهنــمَ أســـرى

وليكــن منـكم لكـــم تحـــــــــــــرير

أيهــــا النـــاس دافعــوا عــن

حقــــــــــــــــــــــــــوق غصبـــوهـا والكــاثر المنصـور

ألأهـــل الجحيــم بؤس وتعــــــس

ولمن حـــل فـي الجنــان ســرور؟!

ألنـــا أسفـل الجحيــــــــــم مقـــامٌ

ولهــم فـي أعلـى الجنـان قصــور؟!

إن أهل القضـــاء مـا أنصفوكـــم

فكـــأن القلــوب منهــم صخـــــــور

قـــد خـدمـْنـا العلـــومَ شتــى

بدنـيـــــــــــــــــــانـا فهـل من حســـن الجـزاء
السعيـــــر

فعـلا مـن أهـل الجحيـم ضجيــــجٌ

رجـف الوادي منـــه والســــــاعور

ولقـد هـاجـوا في الجحيـم وماجـوا

كخضــم مـرت عليــــه الدهــــــــور

أطفــأوا جمـرةَ الجحيـم فكـــــانت

فتنـــةٌ مـا جرى بهــا التقديــــــــــر

ثورةٌ في الجحيــــــم أرجفت العـــــــــــــــــــرش

وكــــــــادت منهـــا السمـــاء تمـــور

وهنـــا تهتز مشــاعر الثـوري الأعمى وقـد حرضتـه أصوات الجمـاهير وهتـافاتها فتصدرَ الحشودَ محمـولاً على الأكتـاف يهتـف ويـردد الجمـاهير خلفـَه بحمـاس وجـرأة:
المعري:

غصبـوا حقــكم فيـا قوم ثــــوروا

إن غصب الحقــــوق ظلـم كبيــــــر

الثائرون:

غصبـوا حقــنا ولــم ينصفـونـــــا

إنمـا نحن للحقــــوق نثــــــــــــــور

المعري:

لكــــم الأكـــواخ المشيـــدة بـالنـــار

وللبلـْـــــــــــــــــه فـــي الجنـــــــــان القصــــــور

الثائرون:

غصبـوا حقــنا ولــم ينصفـونـــــا

إنمـا نحــن للحقــــوق نثــــــــــــور

المعري:

إن خضعتــم فمــا لكم من نصيب

فـي طـــوال الدهــور إلا السعيــــــر

الثائرون:

غصبـوا حقــنا ولــم ينصفـونـــــا

إنمـا نحــن للحقــــوق نثــــــــــــور

وإذ عـم الغضب أطـراف جهنــم تحركت قوات الأمـن (الزبــانية) بدعـم من الملائكــة فاندلعت حرب ضروس بين الجمـاهير الغاضبة وزبانيـة النــار:

ولقــد أسرعــت زبانيــةُ النــــــار

إليهـــــــــــــــــــــــم وكلهــــــــــــــــم مذعــــــــــور

يـــالها فـي الجحيم حرباً ضروسـاً

مـا لهـــا في كـــل الحروب نظيـــــر

ولقــد عـاضد الذكــورَ إنـــــــــــاثٌ

ولقــد عـاضـــد الإنــــاثَ ذكــــــــور

ثـم جــاءتهـم الشيـاطيـــن أنصـاراً

ومـا جيــش المـــاردين حقيــــــــــر

ولقــد جــاء مـن ملائكـــة العــرش لإرجـــــــــــــــــــاع الأمــــن جـــمٌ غفيــــــــــــــــر

وتـــلاقى فـوق الجحيــــم الفريقــــــــــــــــــــــــــــــــــان وهـذا نــــــار وهـذا نــــــــور

وتستمر الحـرب ومعاركهـا التي تفتك بالمتحــاربين وتضاعفت حمية الجمــاهير المنتصرة واندحرت المـلائكـة المجنـدلة :

وقـد اهتــز عـــــرش ربـــــــك مـن

بعـــــــــــــــــــــد سكــــون والدائــــــــراتُ تــــدور

ولقــد كـــادت السمـــاء تهــــــوي

ولقــــــد كـادت النجــوم تغـــــــــــور

كـانت الحـرب فـي البــداء سجــالً

مــا لصبـح النصر المبيـــن سفـــــور

ثــم للنــاظريـــــــــن بــان جليـــــاً

أن جيــــش المــــلائك المدحـــــــــور

هزمـــوهم إلـى معـاقلهــم فـي

الليــــــــــــــــــــــــــل حتــى بـدا الصبـــح المنيــــــــــــر

ولأهـــل الجحيــــــم تـــم بإنجــــاد

الشيـــاطين في القتـــال الظهــــــــور

فاستراحوا من العذاب الذي كـانوا

يقـــــاسونـــه وجــــاء الســـــــــرور

ولــم يكتف أهل الجحيــم بدحر عدوهــم وإعلان النصر عليـه بـل هـم قرروا استخـدام الشيـاطين والذهــاب إلى الجنــة لاحتــلالهـا وطرد البلــه والمجــانين من ربـوعهـا .. فهــم بميزاتهـا أحق:

ثـم طـاروا على ظهـور الشيـاطين

خفــــافاً كمـا تطيــــــــــر النســــــور

يطلبــون الجنــانَ حتى إذا مـــــــا

بلغـــوهـا جـرى نضـــالٌ قصيـــــــــر

ثـم فــــــــازوا بهـــا وقـاموا بمــا

يوجبـه النصـر والنهــي والتدبــيــــر

طـردوا مـن بها من البله واحتلوا

القصــور العليــا ونعـــــمَ القصـــــور

غيـــر مـن كـانوا مصلحيـن فهـذا

القسـم منهـم بالإحتــرام جديـــــــــــر

فـــر رضـوانُ للنجـــاة ومـن أتبـــــــــــــــــــــــــاع رضـــوانَ مســـرعاً جمهـــــــــــور

وأقـــاموا لفتحهــم حفلــةً أعقبـها

منهــــمُ الهُتــــــــاف الكثيــــــــــــــر

إنـــه أكبـــر انقـلاب بــــه جــادت

علــــى كـرهـــا الطويــل الدهـــــــور

هكـذا تنتهي ثورة أهـل الجحيم التي قلبت المفـاهيم وقوانين الجنة وجهنـم رأسـاً على عقب .. وهكـذا تنتهـي ملحمــة الزهـاوي التي أراد لهــا أن تكون ملهــاة َ فلسفة الدنيـا والآخـرة بالمفهوم السائد في بلاده طـامحـاً لتضمينهـا مفاهيمه الثورية والإنسـانية وقنـاعاته العلميـة كــافة ً .. ولقد وصـل إلى مـا أراد فكـانت الملحمة َ الشعرية الفلسفية الوحيدة باللغة العربية واستناداً إلى أدب العرب ومعتقداتهم بعد رسـالة المعري ..

ثــورة أهـل الجحيـم ملحمـة ُ الأدب الثوري العربي في الربع الأول من القرن العشرين، حيث كانت ثورة البلاشفة وكــان ألقـُهـا وتأثيرهـا على البلدان الرازحة تحت نير الإحتـلال العثمــاني .. وقد اتصفت بيئة الكفاح من أجل الإستقلال بارتباطهـا الجوهري بالنضـال من أجل الحرية والتقدم الإجتمـاعي ومحاربة التخلف والرجعية وسيطرة الإقطـاعية ورأس المـال على المجتمع والتحكم بمظاهره وتكريس الأمية والتخلف والخوف من حرية الفكر ضمـانـاً لنفوذهم واستمرارية مصـالحهم .. لقد عبرت ملحمة الزهــاوي عن رفض ومعـارضة أكثر النـاس نزاهة وخـُلـُقـاً وعطـاءً ووطنيــة، من أدبــاء وعلمــاء وفنـانين وسياسيين ومثقفيـن ومنتجيــن عبر مـراحل التـاريخ، لثقـافـات الخوف والغيب والرجعية والتعصب والتقاليد الأسطورية وطقوسهـا ومـا تجلبه هذه الثقـافات من عبودية وأميــة واضطهاد وحرمـان وجـوع وتفش للأمراض الإجتماعية والفسـاد .. ومـا ينجم عنهـا من حيف وجـور:

إنمـا في الداريـــن عسف وحيــف

غيــر أن السمــاء ليســــت تمـــــــور

فلنـــاس تعـاســـــــــة وشقـــــــاء

ولنـاس سعــــادة وحبـــــــــــــــــــور

اكتمـال الملحمة بانتصـار أهل الجحيــم، وكلهم من أهل الفلسفة والعلم والمعرفة والفن الإنساني الخـلاق، إنمـا يؤكــد ان من يبنـي الأوطـان وينعش أرضهـا ويحيي مجدهـا هم أولئك النـاس العقلاء والمخلصون، رجـالاً ونسـاءً ممن يوصفـون ظلمـاً بالكفار والمـارقين وهم الأكثر إيمـاناً بالعدالة والسلام والتطور وسعادة البشرية وهـم الأكثر عطـاءً واستعداداً للعمـل من أجل ذلك ..

ولا يتردد الزهــاوي، فنـاننا المرح واللطيف، وهو يودعنــا بعد انتصـاره ورفـاقه في معركة الفلسفة والمرأة والمجتمع، في مـداعبتنـا وإثارة الرغبة في الضحك بعد هذه الحرب المخيفة وهذه الآراء الجريئة إلى حد الخطـورة وإخبارنـا حقيقة الأمـر، فهو كـابــــــوس أصــابه بعـد وجبة دسمـة ليس إلا:

وتنبهــت من منــــامي صبـــــحـاً

فـــإذا الشمـس في السمــاء تـنيـــــر

وإذا الأمــر ليس فـي الحـــــق إلا

حلــم قـد أثــاره الجـرجيـــــــــــــــــر

في الفلسفة والمـــرأة والمجتمع

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى