الأربعاء ٦ شباط (فبراير) ٢٠١٣
بقلم ميمد شعلان

خمسة جنيه «خمسة جنيهات»

يُحكي أن هناك مَن يُعرّف المروءة عِزة والشهامة كرامة! مَن يُعرّف الفخر دائما بالألقاب.. والمذلة دائما أزياء تباع وتشتري! لكن لم يعي (نصر) بأنه حينما خرج ضاربا عرض الحائط دون أن يبالي لمكائد الزمان والتي ستأخذ في طياتها مهابته بـخمسة جنيه (خمسة جنيهات)! فحينما مر بالحياة الدنيا لم يجفن أنملة رمش حتي تستأصل منه ما تحتويه جعبته، بل كان معروفا ببطشه المبرح للنظام من كلاب الداخلية وهواجس نباحهم مابين هنا وهناك! فوصلت به الفينة للأخري بأن يذهب إلي ماتحلو له رؤياه في التسكع عندها دون إثبات لشخصيته, أو إنشاد إسمه كنصر في مصائد ذئاب مصر.. فالجميع يخوّنه الحظ في إلتقاط أنفاسه؛ ليجد نفسه في غياهب عفن القاصي وسراديب غطرسة الداني. الشاهد بأن ثورة الفاتح من يناير جائت كأمنية تحقق له رغبته في تعميم الحرية والعدالة والتي طالما كان ينشدها دائما بين حشود العجزة.. عجزة المال والسلطة والجاه.. عجزة النفوس والمنجل والسطور.. بل وجائت أيضا تلك الثورة ككرباج تفتت من بعض قواه وتنخر في نخاعه.. ليسدد دَينا لمن لا دِين له! خرج نصر يشجب يمينا ويسارا.. يصارع فَرخا وشَركا.. يضارع روح الثورة بكسح الخنوع.. يحرض فلا يفتك أو ينهر.. يأمل خيرا ولا يريدها شرا، حتي كانت طامة الدهر في إنتظار إذاقته من مرارها..! فماهي إلا ساعات مضت حتي أخذته حافلة إلي المكان الذي تمجدت فيه عبقه لثورة الفاتح من يناير إلي التحرير.. إلي التنكيل.. نعم التنكيل! فهاهي ثوينات الثانية حتي مانشد لهم الحرية.. نشدوا له الحرابة! فالمشهد أمامكم أحدهم يتغناه.. وإثنان من خلفه.. نعم يعلم نصر كل العلم بشاكلة المشهد التالي، لكنه يمضي في هدوء بالقرب من المتحف الأحمر في لحظات تكاد أن تكون مُرتبة.. فلا أحد سواه وفي وقت ازبهل هو به! فكيف له أن يصدق تلك الحالة من حالات الذعر ليوم من أيامه.. فبالكاد يري من يشد أزره ولا يهرول كما تهرول النساء حافية الأقدام علي أشواك البيداء! حتي أسرع الأول له وما إن إجتنبه حتي جاء الإثنان الآخران.. وكان الأمر أيضا مستتبا، فليس بالمعضلة التي تعصف به، لكن حينما دنوا عليه ثلاثة آخرون أصبحت الكفة ستة لواحد لاتكافيء فرص الولوج خارجا، فالجميع يضع يديه علي جيبه بارزا منها (كزلك)- مطواة- منتظرا الغلطة التي سترسم ملامحها عليه حتي تكون آخر قطرة دم خرجت منه علي أسفلت الميدان غدرا وبهتانا آثيما..! فهو يعي بأنه لايصح أن يُهلك بتلك الطريقة البائدة الزائفة الشنعاء الميعاء! فقد أفرغت جعبته.. أفرغت جهمته.. أفرغت سطوته، وترك معه أحدهم خمسة جنيه (خمسة جنيهات) عربون رجولة باهتة.. خمسة جنيه (خمسة جنيهات) لا ولن ولم تفرغ إيمانه بالبقاء.. إيمانه ليسطر سطرا جديدا في تاريخ الأيام.. تاريخ المعاني الذي يأمل إرضاء شهادة الشهود.. عن مصابي وشهداء سقطوا كالسيول.. تاريخ الأماني الذي يحقق الوعود بعد نقض العهود وشل حركة تسليم السلطات للشعوب.. وملاهي ليلية تفتح أنشطتها بالسجون للفلول.. بحكام للعدل وخصوم.. بفساد أخلاق ومهاترات في بسط روح القبول.. فتعيد عليه الأيام بالهموم.. وتزيد بغيومها كرهه بوجوده في الوجود.. فتحيا الثورة مستمرة.. ثورة البناء, فكفانا عبثا وإلهاء.

*ملحوظة هامة جدا: نصر هو مثال لكل واحد منا، فقد يكون أنا أو أنت أو إلي غير ذلك.. فالفكرة ممثلة وممنهجة في أزمة اليوم والحقيقة المرجوة ليوم غد.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى