السبت ٤ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٠٦
بقلم لطفي زغلول

ديموقراطية .. منظور أميركي !!

يفتح مؤتمر ما يسمى الديموقراطيات الجديدة أو الناشئة في قطر مؤخرا ملف موضوع الديموقراطية التي تصر الولايات المتحدة الأميركية وشركاؤها في الاتحاد الأوروبي ، لغاية في نفسها لم تعد خافية على أحد ، على تصديرها للعالمين العربي والإسلامي ، وتسويقها بأية وسيلة كانت خارج إطار اقتناع شعوب هذين العالمين أو رضاهما عنها ، كونها مفروضة ومفرغة من محتواها الحقيقي . ومثال عليها حمامات الدم المهدور على شرفها في كل من العراق وأفغانستان .

منذ العام 2003 ، وتحديدا غداة الغزو الاميركي للعراق ، اصبح الحديث عن الديموقراطية والحرية ملح السياسة الاميركية الموجهة الى مساحات شاسعة من العالمين العربي والاسلامي جغرافيا وديموغرافيا ، وهي المساحات التي تطلق عليها هذه السياسة مسمى الشرق الاوسط الكبير ، أو الجديد الذي تسعى الى ايجاده .

وبناء على المنظور الاميركي للديموقراطية ، وجب على الشعوب العربية والاسلامية ان تتعلم الديموقراطية حتى تصبح متحضرة وتتخلص من "نزعات الارهاب المتأصلة في مركبات تنشئتها التربوية" . والولايات المتحدة تمنح نفسها الحق في تعليم هذه الشعوب الديموقراطية ضمن برنامج اصلاح شامل تعده لها ، كونها قاصرة في نظرها وانه لا بد ان تكون عليها وصية .

وتعتبر الولايات المتحدة ان هناك مثالين هما العراق وافغانستان قد دخلا مدرسة الديموقراطية الاميركية وانهما بقدرة قادر تخرجا بامتياز واصبحا حرين ديموقراطيين ، وهكذا فان الاحتلال العسكري لهذين القطرين ، وما جرى ويجري فيهما من قتل ودمار وتخريب ونهب للثروات والغاء للاستقلال وتفكيك للمؤسسات السيادية القائمة، ان كل ذلك والذي لم يذكر اعظم اصبح يعني من منظور اميركي الحرية والديموقراطية ، وعلى العالمين العربي والاسلامي ان يعترفا بهذا المنظور ، وان يستعدا للاقتداء به .

واذا كانت الولايات المتحدة الاميركية بعد تجربة ما ينوف عن ثلاثة أعوام مريرة ودامية ما زالت تخوضها في العراق ، اضافة الى انها ، وبعد ما ينوف عن خمسة أعوام لم تحقق أي نصر حقيقي في افغانستان ، لم تفكر في احتلال اقطار عربية اوسلامية اخرى على المدى المنظور ، الا انها قد اعدت برنامجا للاصلاح والديموقراطية أعلنت عن فحواه مرارا عديدة ، فتارة هو الشرق الأوسط الكبير ، وأخرى الشرق الأوسط الجديد ، وثالثة يعلم الله ماذا سيكون المسمى .

وايا كان هذا الطرح ، فعلى ما يبدو انها وصفة الديموقراطية السحرية التي تتصور الولايات المتحدة انها سوف تؤمن لها الهيمنة المطلقة على الشعوب العربية والاسلامية . وفي اعتقادنا ان الهدف هو تغيير هذه الشعوب وليس انظمتها السياسية ، اذ ليس ثمة داع لتغيير هذه الانظمة كونها تسير في فلكها ولا تعصى لها امرا ، وتقدم لها فروض الولاء والطاعة ، واذا كان لابد من تغيير في مضمارها فلن يكون اكثر من عمليات تجميلية .

وبرغم ان غالبية الشارعين العربي والاسلامي على يقين من فحوى هذه ديموقراطية هذا الشرق ومن اهدافها ودوافعها ، وان رفضها شكل قاسما مشتركا لدى معظم الوان الطيف السياسي والاجتماعي والثقافي والعقائدي في العالمين العربي والاسلامي ، الا ان هناك شرائح مجتمعية عربية واسلامية في ظاهرها ومسماها متلهفة لها وتنتظرها على احر من الجمر ، وهي على شرفها تطبل وتزمر ترحابا بها رافضة بذلك استخلاص العبر مما يجري في افغانستان والعراق باسم الحرية والتحرير والديموقراطية .

في اعتقادنا ان الديموقراطية التي تبشر بها الولايات المتحدة الاميركية العرب والمسلمين ما هي الا وهم كبير واكذوبة من اكاذيب العولمة ، وهي في الحقيقة قناع يستر الوجه القبيح للاستعمار . وفيما يخص ما تسميه الشرق الاوسط الكبير ، أو الجديد بلونيه العربي والاسلامي فلابد لنا ونحن نستقرئه ان نخلص الى جملة من الاهداف تسعى امريكا الى تحقيقها اذا ا كتب لها وتمكنت من نشر ما تسميه اصلاحا وديموقراطية .

في اعتقادنا ان الهدف الاول يتمثل في تغيير اولويات الاجندة القومية العربية ، فعلى وقع ايقاظ النعرات الدينية والمذهبية والطائفية والعرقية واللغوية بحجة منح العدالة والمساواة والحرية للجميع ، والمقصود هنا الاقليات المختلفة المقيمة في العالمين العربي والاسلامي ، فان الاهداف القومية الكبرى المتمثلة بكافة اشكال الوحدة العربية سوف يتم تغييبها ، والسيناريو المعمول به هذه الايام في العراق هو ابعد ما يكون عن العروبة ، وهو على ارجح تقدير سيكون المثال والقدوة ، إذا قدر لها أن تنجح ، والأمر مشكوك فيه . إن الولايات المتحدة بهذا انما تسير على خطى عرابي الاستعمار البريطاني الذين اوجدوا مقولة "فرق تسد" وطبقوها بامتياز .

اما الهدف الثاني فيتجه صوب المفاهيم والقيم او بمعنى اشمل المكونات الثقافية والتربوية والعقائدية التي ستصبح في مرمى آليتي الحذف والابدال . وما مطالبة الولايات المتحدة الانظمة العربية بتغيير مناهجها التربوية وبخاصة تلك الوثيقة الصلة بالعقيدة الا مشهد استباقي مصغر للمشهد الثقافي التربوي ذي المواصفات والمقاييس الاميركية الذي تسعى اليه هذه الديموقراطية .

واما الهدف الثالث فيتجه صوب الحريات الاجتماعية والمرأة . ان الولايات المتحدة والغرب يدركان ان ثمة ضوابط ومعايير لانماط السلوكات والعلاقات السائدة في المجتمعات العربية كونها محافظة ومستمدة في غالبيتها من الشريعة الاسلامية . ان ما تخطط له هذه الديموقراطية الاميركية هو تغيير الضوابط والمعايير واستبدالها باخرى على النمط الغربي الذي يغلب عليه طابع التحرر والانفلات وفيه ما فيه من الاباحيات واستباحة المحرمات .

ان الديموقراطية التي تبشر بها اميركا العرب والمسلمين ، يمكن ان تتضمن كل شيء باستثناء الديموقراطية الحقيقية القائمة على حرية الشعوب العربية والاسلامية في اختيار حياتها ونمط تفكيرها ، وحقها بالحفاظ على سيادتها واستقلالية قرارها وحماية ثرواتها الطبيعية .واذا كانت الولايات المتحدة حريصة على علاقاتها مع العرب والمسلمين فان طريق الدخول بسلام الى قلوبهم وعقولهم تمر بالقضية الفلسطينية التي اعلن رئيسها مؤخرا تصفيتها وافراغها من محتواها الاساسي ، وهناك العراق وافغانستان اللذان تحتلهما وتستعمرهما وقضايا اخرى كثيرة .

ان الولايات المتحدة تنظر الى الشعوب العربية والاسلامية انها قاصرة سياسيا واجتماعيا وثقافيا وينبغي عليها والحال هذه دخول مدرسة الديموقراطية والحرية الاميركية . والولايات المتحدة قد جعلت من الديموقراطية والاصلاح بضاعة تصدير قابلة للتسويق . الا ان ثمة معيقات تحول دون وصول هذه البضاعة الى اهدافها والجهات المعدة لها . اولها ان وسائل شحنها كانت الدبابات والمقاتلات والصواريخ الحربية . وثانيها ان العادة جرت ان تكون بضاعة التصدير عالية الجودة وفي كثير من الاحيان افضل من مثيلاتها المتداولة في البلد المصدر .

الا ان الولايات المتحدة عكست الاية . ان ديموقراطيتها هذه مشكوك في صلاحيتها وفاعليتها وتفتقر الى الجودة ، وهي مفرغة مما ينبغي ان تحتويه . وهي بمواصفاتها لا تلائم الشارعين العربي والاسلامي كونها مفروضة عليهما ، وكونها دامية مدمرة ، تسعى إلى إيجاد عالمين عربي وإسلامي تابعين مخدرين دائرين في فلكها .


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى