

رايةُ الإخلاصِ
أتَعلَمُ يا أخي أني تعيسٌ
أعيشُ ولم أجِد معنىً ومبنى
أتعلَمُ أنّ عيدًا لم يجِئني
وكيف وأهلُنا قتْلَى ومَرضى
أتعلَمُ أنني ما زلتُ أحكي
عن الماضي وليس لديّ مغزى
أتعلَمُ ما تكَدّسُه الرزايا
ولستُ أنا القويَّ فكيف أنسى
وكيف أذوقُ مِن عطفِ الليالي
سِوى الغثيانِ والأفكار تكوى
أقِرُّ بأنني بالصمتِ أُكسَى
ضعيفًا بينما الأوجاعُ شَتى
فأزرعُ داخلي أحواضَ حُلمٍ
أبرُّ بها ومِن غلٍّ سأشفى
أدقُّ البابَ والأصفادُ حظّي
أمزّقُها فهل أنقذْت صرعى
أيدخلُ في فمي أكلٌ وشربٌ
أيمكِنُ أن يصيرَ المُرُّ حلوى
وأجلِسُ بين أصحابي وأهلي
أشاطِرُهم وفي الضحكاتِ قتلى
وأطفالٌ تَعرّوا دون زادٍ
وبين الجهلِ والتهميش أقصى
وبين الظلمِ والتعتيمِ شَيبٌ
وعربدةٌ فهل حَرّرت أقصى
ولكني أقاوِمُ بَربريًا
يبيدُ الشعبَ والأوطانَ منفى
وينتقِلُ الرجاءُ إلى إلهٍ
ليُنزِلَ بأسَه في كلّ مَسعى
يجيءُ الردُّ ماذا بعد صمتٍ
وقد كرّستَ للهذيان نجوى
أثرثِرُ في البكاء وفي التمنّي
وأخشى الصمتَ يُعتِمُني كأعمى
وليس بحِصّةٍ مِن رزقِ مالي
لناسٍ بعضُهم يقضون عطشى
وزادُ النفسِ تسويفٌ وزيفٌ
وصبرٌ قيل كي نغتال بلوى
ولكنّ البلاءَ هو التداعي
وإحساسٌ بليدُ بين جزعى
نشاطِرُهم وقد فَقدوا ثلاثًا
بلا أمنٍ وأمراضٍ وجوعى
وناسٌ أسرفوا مِن غيرِ داعٍ
وقد قالوا بأنّ اللهَ أعطى
ويومًا يسأل الإنسانُ فيما
يجيء العجزُ لا أنفقت أشهى
يكبُّ على المساوئِ يبتغيها
ونارُ الذنبِ قد أُمِرتْ لأشقى
وكَم بالفعل يُلقيهِ ويحيا
بمُلكٍ فائقٍ خَلاه أسمى
قرأنا في كتابِ اللهِ عزًا
وتكريمًا لِمن بالمالِ زَكّى
بأرضِ نبوةٍ بالنورِ حُبلَى
لِمَا كنتم مع الودعاءِ أغبى
أَيَدهسُها عُتُلٌ عاشَ بخسًا
ويدرِكُها الأفولُ بدونِ مَرَأى
سترجعُ رايةُ الإخلاصِ عصفًا
ونصرٌ بعدما المهزومُ صلّى
ولو هادنتَ كي تجتازَ مكرًا
ستقصفُ ربّما الأوهامُ تغشى
تفوقُ على التأمّلِ والتحدي
وتَستهدي مع الإيمانِ مَسرى
تحاصِرُكَ الذئابُ وزحفُ أفعى
وترفضُ أن تهادِنَ أيَّ مَنحى
وقالوا ربّما تنجو بمكرٍ
فإنْ قررتَ بالظلماتِ تطلى
لتبدو باهتًا في كلّ فعلٍ
وتبدو غائبًا تَنهَى فتبقَى
وبعدَ مرورِ آلامٍ وذلٍّ
كما الخذلانِ تحت الفقدِ تَثوى
فلا أرضٌ تَراك ولا بحارٌ
ولا حتى المساجدُ حين تخشى
ورغمَ الجسمِ موتُكَ فيهِ تِيهٌ
كأنكَ عدتَ مِن دنيا لأخرى
مجرد حيرةٍ وعواءِ روحٍ
وشيء فيكَ رغمَ العزلِ يُرثَى
تكبّدُ حَيّزَ الأشياءِ رعدٌ
وبرقٌ ربما الأقدارُ تتلَى
وتَزعقُ في التجاهلِ والتدنّي
وصوتُ الحقِّ رغم القهرِ أقوى
ويومًا ترجِعُ اللعناتُ سيفًا
له قدسيةٌ ويُغِيثُ غرْقَى
ينيرُ إذا أراد الشعبُ نورًا
ويسقط إفكهم مِن غير مَرسى
فلا قَصَفوا سِوى عسرٍ بيُسرٍ
ولا هَدموا سِوى ما كان يخفى
وهذا عدلُ مَن قد قالَ يومًا
ستنتصِرونَ ليس النصرُ أحلى
فلا قَدَروا عليّ وكيف أعصى
وما احتَجَبوا ولو عصموا بذكرى
يَذوبُ الليلُ يدهنُهم عراءٌ
فيرتَجِفون والأضواءُ أنكَى
إذا كشفوا كأن جذامَ جلدٍ
وهرشًا تحت أخيلةٍ فيجزى
فهل قَبِلوا سلامًا دونَ قلبٍ
به ودٌّ أمِ الأحقادُ أدْهَى.