الخميس ١ حزيران (يونيو) ٢٠١٧
بقلم إبراهيم خليل إبراهيم

رمضان فى ذاكرة التاريخ

ليس شهرا عاديا يتوالى فيه الليل والنهار ولكنه معنى يتصل بحركة الأرض والكون وما فى الوجدان من فكر وعقيدة انه محاولة لتجسيد الزمن المجرد وإكسابه معنى من خلال الطقوس والشعائر بحيث يتحول هذا الشهر عبر التاريخ إلى علامات فارقة.

قال تعالى: (ياأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب علي الذين من قبلكم لعلكم تتقون أياماً معدودات فمن كان منكم مريضاً أو علي سفر فعدة من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيرا فهو خير له وأن تصوموا خير لكم أن كنتم تعلمون).

فرض الله تعالى الصيام على المسلمين فى السنة الثانية للهجرة النبوية ومن يستعرض أحداث التاريخ الإسلامى يجد أن هذا الشهر كان موعدا ووعدا للمسلمين ولم يكن موهوبا للجوع والتكاسل ولكنه شهر الجهاد والفتوحات والعمل التاريخى العظيم بل إن الكتب السماوية قد تنزلت على أنبياء الله عليهم السلام فى شهر رمضان فقد جاء فى تفسير القران العظيم لابن كثير ..أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أنزلت صحف إبراهيم فى أول ليلة من رمضان وأنزلت التوراة لست مضين من رمضان والإنجيل لثلاث عشرة خلت من رمضان وانزل القران لأربع وعشرين خلت من رمضان).

قال تعالى: (شهر رمضان الذى انزل فيه القران هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان).

وهذا هو سبب جعل الله هذا الشهر مخصصا للصوم والعبادة تكريما له ونظرا لما يبعثه الصوم فى النفس من عوامل الخشوع وكبحها عن الصغائر والدنيا وقد سميت الليلة التى بدا فيها نزول القران بليلة القدر تنويها لمكانتها وقدرها (إن أنزلناه فى ليلة القدر وماأدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر).

وكانت أولى الآيات التى نزلت فى هذه الليلة المباركة قوله تعالى (اقرأ باسم ربك الذى خلق خلق الإنسان من علق) .

وفي السنة الثانية من الهجرة في السابع عشر من رمضان كانت غزوة بدر الكبرى التي تحقق فيها أول انتصارات الجيش الإسلامي علي قوى الشرك و الباطل ، و قد دارت حول بئر ماء بدر و كان أعداد المشركين من قريش ثلاثة أضعاف جيش المسلمين و كان الرسول صلي الله عليه و سلم استحث أصحابه علي الصبر و التضحية فصبروا و جاهدوا حتى نالوا نصراً عزيزاً.

وفي رمضان من السنة الرابعة للهجرة تزوج الرسول صلي الله عليه وسلم بأم المؤمنين السيدة زينب بنت خزيمة بن الحارث والتي لقبت بأم المساكين.

وفي رمضان من السنة الثامنة من الهجرة اعز الله تعالي الإسلام و المسلمين بفتح مكة بعد أن نقضت قريش عهد الحديبية الذي كان قائماً بينهم وبين الرسول وقد كان لهذا الفتح أثره في توحيد القبائل العربية وبداية عهد جديد من عهود الدولة الإسلامية قال تعالي: (إنا فتحنا لك فتحاً مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر).

وفي رمضان من السنة التاسعة للهجرة كانت غزوة تبوك، و في التاسعة جاءت وفود قبيلة ثقيف تبايع الرسول وتعلن دخولها غي الإسلام.

ولم تتوقف الانتصارات والفتوحات الإسلامية في رمضان وقد أثبتت الأحداث أن هذا الشهر كان دوما شهر جهاد ففي رمضان من عام 53 هـــ فتح العرب جزيرة رودس وبدأوا بهذا صفحة جديدة من تاريخهم البحري تواصل و تطور حتي استطاعوا فتح الأندلس عام 91 هــــ وقد بدا هذا الفتح المهم عندما أرسل موسي بن نصير قوة من فرسان العرب بقيادة طريف لارتياد الشاطئ الجنوبي للأندلس فعبروا البحر وغزوا الثغور وكانت هذه مقدمة الفتح الذي قام به العرب في العام التالي عندما قاد طارق بن زياد جيشاً من 12000 مقاتل لينزل في جبل طارق ويقابل جيش الملك رودريك في رمضان ويهزمه.. و يبقي السؤال : هل أحرق طارق بن زياد سفنه أم لا ؟ إن المؤرخين يشككون في هذه الواقعة و لكن الأمر المؤكد هو أن فتح الأندلس كان باهراً وتتوالي أحداث رمضان ولا تكل ذاكرة التاريخ: ففي رمضان من عام 129 هــــ ظهرت دعوة بني العباس في خراسان بزعامة أبي مسلم والخراساني وبعد ذلك بـــ 3 أعوام فقط في رمضان 132 هـــــ استولي أبو العباس عبد الله أول الخلفاء العباسيين علي دمشق وسقطت الدولة الأموية وقامت الدولة العباسية.

وفي رمضان 361 هـــ تم بناء الجامع الأزهر في القاهرة وارتفعت فيه أول تكبيرات في عهد الخليفة المعز لدين الله و تحول الجامع بعد ذلك إلى جامعة علميه تدرس فيها علوم الدين والشريعة وإلى مركز للمقاومة والحفاظ علي الروح القومية وفي رمضان 584 هــــ قاتل صلاح الدين الأيوبي الصليبيين وفي غمرة المعارك اقبل عليه شهر رمضان فنصحه قواده بالراحة في هذا الشهر ولكنه قال: (العمر قصير والأجل غير مأمون) وسار في منتصف رمضان وحاصر قلعة صفد و تواصل القتال حتى استولى عليها وفي رمضان من عام 658 هـــ تصدى الجيش المصري لزحف التتار على الشرق ووقف السلطان قطز في عين جالوت كي يزيق جحافل التتار أول هزيمة لهم بحيث جعلهم يتراجعون وبدأ من هذا التاريخ حكم المماليك لمصر.

وتواصلت انتصارات المسلمين في شهر رمضان حين عبرت القوات المصرية خط بارليف واجتازت القوات السورية هضبة الجولان في رمضان 1393 هــــ و انتصرت علي القوات الصهيونية وكانت هذه أول هزيمة تمنى بها إسرائيل في الصراع العربي الإسرائيلي.

هذا هو شهر رمضان المعظم .. وهذه هى أحداثه العظيمة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى