

زيتونة أزلية
لا شيءَ إلّا الرعبُ ثَمَّةَ طَوَّفَا
مُذْ أقْبَلَ الطوفانُ أوْسَعَ أعْنَفَا
حيِّ الرجالَ الواثبينَ على الحواجزِ
كالأسودِ الضارياتِ تلَهُّفَا
نَفَرُوا خفافاً أو ثقالاً حاملينَ
رصاصتينِ وخنجرينِ ومصْحَفَا
والنصرُ قابَ قذيفتَينِ
يَدَاهُ لوَّحَتَا،
وبيرَقُهُ اشْرَأَبَّ ورفْرَفَا
إنَّ الذي سَكَبَ الكؤوسَ مُخَوِّفاً
بالأمسِ ذاقَ اليومَ كأساً أخْوَفَا
روَّى من الصلَفِ/ الغرورِ فضاءَهُ
ومساءَهُ ؛ ليُرَى عتيَّاً أصلفا
زحفَ الأسودُ الصبحَ تطرقُ بابَهُ
فهوَى على عتباتِهِ ، وتكشَّفا
وبَدَا -برغمِ غرورِهِ المزعومِ- أوهنَ
من خيوطِ العنكبوتِ وأضعفا
كم أسرَفَ المحتلُّ في عدوانِهِ
والآنَ يُرجِعُ بعضَ ما قد أسْرَفا
**ـ**
قد شَدَّنا زمناً بحبلِ حصارِهِ
كي نستكينَ لَهُ، وكي نتلطَّفا
قد كان يحلمُ أن نقدِّمَ أرضَنا
طوعاً على صحنِ الهزيمةِ "مِنْسَفا"
لكن على صخرِ الصمودِ تحطّمتْ
أحلامُهُ؛ فطغَى وزادَ تَعَجْرُفا
واليومَ جَمَّعَ حِقْدَهُ ببجاحةٍ
وجنودَهُ، وعتادَهُ، واسْتنزفا
ورمَى بكلِّ قواهُ فوقَ عَرَائِنا
حتى البراءةَ في البرايا اسْتهدَفا
ومضَى إلى صَفْصَافِنا يَجْتَثُّهُ
ليُحيْلَ هذي الأرضَ قاعاً صَفْصَفا
كي يسترِدَّ الهيبةَ المفقودةَ
اسْتدعَى الجميعَ مؤلِّباً ومؤلِّفا
وأعانَهُ غَرْبٌ وعُرْبٌ كلّ مَنْ
لبسَ الخيانَةَ والعمالةَ مِعْطَفا
أغراهُ حينَ رأَى انشطاراً واقفاً
ورأى الجميعَ بتِيهِهِ مُتَلَحِّفا
يمشي النخيلُ مُغرِّباً لم يلتفتْ
شرقاً إلى زيتونةٍ كي يُسْعِفا
والياسمينُ يغطُّ في نومٍ عميقٍ
لا يبالي .. قد تَدَرَّعَ بالجَفا
والأرْزُ يغرقُ في الهوانِ، وحولَهُ
ظَمأٌ يَعُبُّ دَمَ الجراحِ مُجَفِّفَا
مهما تَداعَى المترفونَ عداوةً
سنظلُّ بالنهجِ المقاوِمِ أتْرَفا
إن كانَ قد رَجَحُوا بميزانِ القوَى
سنظلُّ في كفِّ الصمودِ الأكْثفا
وإذا الدَّمُ العربيُّ أنكرَ بعضَهُ
متخاذلاً، وإلى الأعادي أَزلفا
سنظلُّ طوداً بالدماءِ مزخرفاً
بالصبرِ معتدّاً وإخوانِ الصفا
فلْيَقْصفوا بيتاً ومدرسةً ومستشفى
وخيمةَ نازحينَ ومقْصَفا
لن يستطيعوا مَحْوَنا إنّا هنا
زيتونةٌ أزليّةٌ لن تُقْطَفا