الثلاثاء ٣٠ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٢٥
بقلم علي الدكروري

زيت الغياب

كان لابد أن ترتب زينب الأدراج من جديد بدقة متناهية ..الدرج الأول للورود الحمراء ..والثاني للبيضاء والثالث للورود الملونة. الأحمر يجب ان يكون في الصدارة فهي صارت وردة عندما قال لها أحبك في المرة الأولي ..الأشواق لايجب ان تخرج من الحجرة أو تتجول كالدموع في البيت الكبيروالفضيحة لها رائحة لذا وضعت أقفالا محكمة علي صدرها لأنها تدرك أن الحروب تبدأ من هنا ..وهي لاتعرف لماذا تركوا لها هذا البيت الواسع ولاطيور لديها فقط عصفور وحيد وسافر ..ابوها منذ سافر للخارج تعلم الجميع الرحيل أمها وحبيبها ولم يعد لديها سوي عزة صديقتها الوحيدة التي اهداها لها الزمن مع مجموعة روايات يخرج منها الأبطال كل ليلة ويملأون الفراغ بالضجيج ..وكانت تحدث عزة عن كل رواية قرأتها بكل تفاصيلها الصغيرة .. ولذا كانت لاتنسي أن تمازحها كل مرة وتقول لها ..الزيت الحلو في المخزن ياعزة..وهي جملة كان يقولها صاحب المحل لامرأة يحبها ويريد أن ينفرد بها في رواية الحب بمن حضر ..وتضحكان معا ..كان صعبا أن تخرج علي أشواقها وأن تمنح دقاتها فرصة لنشيد جديد.. مايتركه الحبيب حين يغادر ربما هو أكبر من الحب نفسه ..الشوق ليس سهلا كما يظن المدعون لكنه أكثر تعقيدا مما يحسب الشعراء ..ورغم كل هذا كانت الخطوة الأولي أن عزة أقنعتها بعد تعب شديد أن تعيد نرتيب الأدراج وأن تلقي بالورود من الشرفة علي المارة وفعلتها أخيرا بينما عزة تشجعها وتقول هكذا يازينب.

كانت كلما نزلت الشارع يحفزها الطير لتفعل ذلك ويطير ناحية الشمال لكن القرار غالبا يكون صعبا في البداية.

رقت الأيام بعد فترة من أجلها ثم راقت لها و ظهر عمادفي حياتها فجأة هذا الشاب الذي لايمكن وصفه في قصة ..سوي أنها قالت في نفسها عنه انه رجل طازج ..هو رجل عادي لكنها تراه مخنلفا عن الجميع وكل مالديه جديد ..ابتسامته وصوته وأفعاله وملامحه ..وهي أيضا كثيرا ماتترك أشياء ثمينة وتبحث عن أشياء مختلفة فقط.

لم يدع لها فرصة لالتقاط الأنفاس وأمطرها بطزاجته مثل سماء تتقن الشتاء..يكفي أنه جعلها تنسي كل من سافر وكل من سيأتي .بل أنها للمرة الأولي تسمح لرجل أن يدخل بيتها ولاتخاف صحيح أنه كان يحضر لها بعض حاجات تريدها أو يشتري لها ما تخبره به ..ويخرج مسرعا لكنه كان أيضا يحدث للمرة الأولي .الحياة تغيرت بشدة والوحدة جمعت ثيابها وسحبت حقييتها ..وزينب نفسها لم تعد تحتاج لأحد حتي صديقتها عزة لم تعد تحتاج كثيرا لها ..فقد ملأ حياتها ..ربما شغلها قليلاأن عزة أيضا بدأت تغيب كثيرا ..منذ أخبرتها ان الأدراج لم تخلق للضحكات ولا الدقات ولا للعبير ..نعم هي قصت عليها كل شئ بينما كانت عزة تستمع بلهفة كماتسمع منها روايات وحيد الطويلة ..وعندما سألتها ٱخر مرة ماذا بك ياعزة؟ سافرت.

بعدها بدأت كل ليلة تشعر بأنفاس في الحجرة وفي البداية كذبت نفسها وقالت لايمكن أن يعود الفراغ بتلك السرعة ولم يعد له أصلا مكان بالممزل

لكن الشك بدأ ينمو كحيوان مفترس ويطول ..وبدأ عماد يطيل الغياب شيئا فشيئا.

لم يحدث أي خلاف بينهما ولا أخبرها بشئ و لأيام طويلة ما دق الهاتف ولا الباب وعندما يتوقف الباب عن الطرقات تزداد طرقات القلب.

لم تعرف ماذا تفعل لكنها حين استلقت علي سريرها وكانت بين الصحو والنوم رأت عماد وهو يعمل في محل كبير وقد تزاحمت النسوة للشراء ورأت عزة وهي تقترب منه لتشتري شيئا فقال لها انتظري أنت ياعزة سنذهب للمخزن فالزيت الحلو هناك.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى