
سؤال
سؤال
تَخْتَنِقُ الكلماتُ..
حَتّى الغثيان
وَتُشْنَقُ الكلِماتُ..
حَتى المَوْت
وَتُصلّبُ الأرْواحُ
حَتّى الإبادة
يَسْكُنُني الألَم..
رَغمَ أجسادنا المنصوبَةِ
على سَفْحِ الهاوِيةِ
مَعنوياتُنا عالية
لَملَمْتُ أطرافُ تَبَعثُري
وَسألْتُ أبي:
لماذا غابتِ الابتسامةُ
عن سُهولِ شفَتَيْكَ..
وعن هِضابِ الوَجنات؟
لِأنّا في سِنواتٍ عِجاف
أكلَتِ الأخضرَ واليابِسِ
وِلمْ تُبْقِ سِوى الانتِظار
وَأنتِ أُمي
لِماذا أرى تلكَ العُيون الجميلة
قدْ ذَبُلتْ وَجَفّتْ
بَعدَ أنْ سالَتْ أنهارَ حُزن
وَلمْ تَعُدْ تَمُدّني بِالحُبِّ وَالحَنان
إنّهُ البّرْد بُني
فلَيْسَ بَرْدُ الشِّتاءِ وَحدَهُ القاتِل
إنّما بَردُ الحِقْدِ والمَكائد...
بَرْدُ الخذلانِ.. بردُ الجّوعِ
فَبَرْدُ الروحِ هو الأقسى...
والدي!!
لَوْ انّهم اتبعوا قَوْلَ الله
"كُلوا واشْرَبوا مِنْ رِزْقِ الله
ولا تَعثوا في الأرضِ
مُفسِدين"
نَعَم..
إنَّ في قُلُبِهِم مَرَضا
" وإذا قيلَ لَهم
لا تُفْسِدوا في الأرْضِ
قالوا إنّما نحنُ مُصْلِحون"
بُنَي... قالَتها
وقدْ مَلأ طَيْفُ أملٍ عَيْنَيْها
وِبَريقٌ كانَ قَد اخْتَفى..
يَبدو أنَّ حِضْنَ الحياةِ
لَمْ يَعُدْ يَتَسِعُ لِلشُرَفاء
مِنْ بَيْنِ أنقاضِ بَيْتِنا..
أنْقاض قَلْبي...
صَعَدَت أُمي نَحوَ السّماء
تُرَفرِفُ بِأجْنحتِها...
مُلَوِحةً بِقُوّةٍ وإباء
وَعَيْناها تُرْسِلُ كَلِماتٍ
مُعَبّقةً بِروائحِ البُرتُقال
بِعِطْرِ أزْهارِ اللّوزِ..
وِتَجَذرِ أشجارِ الزَيْتونِ
وَشُموخِ الألَم...
أكْمِلْ بُنَيَ أنتَ المِشوارَ
لكنّي أُوصيكَ
عِنْدما تَكْبُرُ وَتتَزوج
أنْ تُسَمي ابْنَتِك كما اسْمي
سَمِّها.. مَرْيَم
في عَتْمةِ التّرَدُدِ
وَقَفَ بَحْرُها يَبْكي
يا جارتي السّجينة
في وَطني المُكَبَلِ
الرُكامُ جاثِمٌ
عَلى جَسَدِ المَدينةِ
سِتَبْقى نَكْبَتُنا
امْتحانُ لِلضَمائر
في كُلِّ مَكانٍ...
أيُّها الألَمُ
الذي يَجتاحُني
أنْظُرُ لِلْعذابِ خَلْفي
والخَلاصُ أمامي
يا مَنْ حَوّلْتُم القِيَمَ
التي يَتَحَدّثُونَ عنها
إلى إيمانٍ راسِخ...
حَتّى لَوْ غابَت أجسادُكُم
سَتَظلونَ حاضرين..
شُعلةٌ تُضيءُ الطَريقَ
لِلأجيال...
كَآخِرِ وَرَقةٍ على الشّجَرَةِ
لَمْ تَسْتَطِعْ
كُلُّ رِياحِ الخَريفِ
إسْقاطَها...
خَريف
دَخَلَتْ غَزّة
خَريفَها الثالِثَ
هَلْ أُعِدُّ قَصيدةَ رِثاء..
وَماذا أرْثي!!
الإنْسان..
المَكان وَما حَوى
أرْثي بيوتاً تَقَوّضَتْ
مَدارِسَ.. جامِعاتٍ
وَجوامِع...
مَكْتباتٍ.. أسواقًا
وَمَشاعِر...
انْتَحَرَتْ على أثاثِ
بَيْتٍ فكّكتُهُ..
لِأبيعَهُ وَأشتَري
لُقْمةَ حياة...
كُتُبٍ أحْرَقْتُها..
لِتَكونَ وَقوداً
يَمُدُّني بِأملِ
مُسْتَقبلٍ هارِبٍ
أخْتَزِنْهُ في ذاكِرةٍ
عَلّها تَكونُ
بِذْرَةُ حياة...