

سجين الحرية
أوشكت الشمس على الغروب فاكتست السماء بحمرة خفيفة، استند بظهرهِ على حائط السجن، رأى أوراق الشجر تتساقط من نافذة زنزانته .. يبدو أنها النهاية.
ارتفع صوته منادياً على حارس زنزانته:
“أيها الحارس لوطنك المسروق." جاء الحارس منزعجًا قائلاً:
"ماذا تُريد أيُّها المختل ؟"
"أُريد ورقًا وحبرًا."
"لماذا لا تُصدق أنه سيُنفذ قرار إعدامك أمام كافة الشعب، ولا يوجد من يهتم لأمرك، فكيف سيقرؤون؟"
صمت طويلًا ثم أجاب:
"تعلم أن سبب وجودي هنا هو الحرية .. طالبت بالحرية فقيدوني."
"الحرية أم الحب؟" تسائل الحارس بخبث.
"لا يوجد فرق طالبت بالحرية لوطني وطالبت بالحب لقلبي."
"وترك قلبك كل القلوب ليشغف بقلب بنت القائد الإنجليزي قائد البلاد..؟"
" لا تسأل محب لماذا أحببت .. وبالمناسبة لا يُسمى قائد البلاد بل سارق لها."
"إن الحديث معك أكثر من هذا سيوقعني في المصائب، سآتي لك بطلباتك."
عاد الحارس بالمطلوب فأمسك هو بالأوراق وأحسّ ببردوة في قدميه فأدرك أن عليهِ أن يسبق الوقت.
"بلادي وإن جارت عليّ عزيزة..
أيتُها العزيزة حاولت كُرهك فلم أستطع، قُمتي بظُلمي فبررت أن مكيالي في الظلم والعدل مختل..
مثالية أنتِ يا بلادي، اجتمع عليكِ السارقون فسلبوكِ نقائك، فرضوا علينا قيداً على أرضك وأنتِ المنادية بالحرية يا بلادي. حزينة أنتِ على أبنائك وفي الوقت ذاتهِ يظنون بكِ السوء، سامحيهم فهذا السارق كما سلبكِ نقائك سلبهم عقولهم.
ولكن أرضك هي جنة الله في عيني .. سأستنشق أولى أنفاسي هنا وسأزفر أخرها ايضاً.
وإلى أهل بلادي الذين أنكروا عليّ مطالبتي بالحرية لهم مُدعين جنوني! إن كانت الحرية تعبر لكم عن الجنون فشرفٌ لي أن أوصف بالجنون على أن أكون عاقل مقيد يتحكم في أفعالي سارق يزين لي سرقته."
زفر السجين نفساً طويلاً وأمسك بورقة أخرى يستعد لإكمال كتابته.
"رفيِف .. لم تختلفِ كثيراً عن معنى اسمك، أسماكِي والدك اسماً عربياً ليحصل على حبنا ولكنه وضع العديد من السدود بين الهواء الذي تتنفسيه والهواء العربيّ، لا تعلمين كم كان الطريق لقلبك مؤذيًا لي وكم نزفت في محاولة الوصول لكي، عاقبني والدك بتهمة حبك ولكن قلبي رفض الانصياع لأوامر والدك.
يبدو أنكِ كنتِ الإجابة لكل دعائي ، كنت أملك روحاً قبل الوقوع لكِ، ولكنك سرقتي روحي عندما حننتي عليّ بنظرة منك.
رُبما كان حبك هو الألم، ولكن كيف سأشعر بنسيم الحب قبل أن أجرب خريفه..
لذا إن لم يكن اللقاء في الأرض فالسماء هي المُلتقى إن شاء الله.
ستجديني حيثُ تنبت الزهور دون عائق، ويرفرف الطائر بجناحيهِ دون قفص، ستستمعين لضحكات الأطفال وتشعري بدفء منزل العائلة، عندما تهب رياح المغرب الهادئة، وحين يواسي المطر قلبك، في كل لحظة من هذه ستستشعري وجودي، وإن غاب عنكِ جسدي، فروحي رفضت أن تفارق روحك.
كنتُ أنادي دائماً بالحرية ولكن معكِ أنتِ فقيديني بين أضلعك."
انتهى من الكتابة وعلق نظره على النافذة لتزداد ابتسامته..
"أيها السجين يبدو أن الليلة سأنتهي من ثرثرتك ." قالها الحارس صباح اليوم التالي.
"لماذا لا تجيبني أيها المختل؟ يبدو أن ما يقوله أهل المدينة عنك أصبح حقيقي."
مرّ الحارس على باقي السجناء بجانبه ليعود لهُ بعد مدة من الزمن قائلاً:
"ماذا بك؟ ألست خائفاً سيتم إعدامك اليوم؟"
رق صوته وفتح زنزاته مقترباً منهُ :"أيها السجين؟ ماذا يوجد بالنافذة لتعلق نظرك عليها هكذا؟"
"أيها السجين..أصبحت حرًا من الحياة كلها الآن."