الأحد ١٥ حزيران (يونيو) ٢٠٢٥
بقلم مي هاشم شعبان

شرخٌ في السّنديانة

لم يكن الشّيخ الفاضل أبو حسن في قرية شنبوطين في ريف جبلة والذي نيّف على الثمانين بمعزل عما يحدث فأولاده الخمسة في صفوف الجيش العربي السوريّ وهو ينتظر في كلّ لحظة اتصالاتهم، ويتلهف لسماع أخبارهم كيف لا؟!

والظّلمة والسّواد يكتنفان سوريا، والطرق متشعّبة فلا يهتدي فيها الضّال، و لا يستيقن المهتدي.

علّم الشيخ أبناءه حبّ الوطن والشّهامة قبل القراءة والكتابة واليوم ابنه تميم ضابطٌ في مطار الطّبقة المحاصر عام 2014م، لكنه لم تفتر عزيمته، ولم ينبُ سيفه، يقاوم مع أصدقائه أترابِ الندى، غيظِ العدا، ولشدّة بأسه لم تتغيّر نبرة صوته وهو يتّصل مع والديه الكبيرين يطمئنهما ، يضحك وأحشاؤه تصطلي بنار الوجد.

يصرخ ابنه الصغير معترضاً كلام جده الذي يمسك الجوال : أبي أبي متى ستعود يا أبي .........

تحتضنه أمه التي لم تبلغ الثلاثين بعد، إنها تحمل إجازةً جامعية، ينحل الفراق جسمها ويخطف الحزن جمالها ، ويضطرب تفكيرها فلا تدري أين الصواب؟ وأين بوصلة الحقّ؟ تتألّم إذ ترى قرابيناً في كل يوم من مدنيين وعسكريين وأجانب على هذا الثرى.. وتتألّم إذ تسمع الله أكبر على لسان القاتل والمقتول، وتعجب من امتزاج الدم والدموع والصلوات والشموع .... يقطع سيل أفكارها صوت تميم.

تميم: سأعود قريباً يا بني منتصراً إن شاء الله...

يبتعد الشيخ قليلاً عن أفراد العائلة ويتّجه نحو شجرة السنديان الشامخة فوق حجارة القطع البيضاء (حجارة من البيئة الجبلية)، ينقطع لسانه في فيه وهو ينصت لابنه ..

تميم : البارحة أحبطنا هجوماً للإرهابيين، فغنمنا منهم طعاماً (معلبات) ونحن كما تعلم محاصرون .. جائعون يا أبي .....

ولكن هل يجوز أن آكل من طعامهم؟

ولمَا لا؟

لأنهم معتدون ظالمون؟

يسند الشيخ يده إلى الشجرة مستلهما منها الثبات: لا بأس يا بني كلْ ... كلوا جميعاً واشكروا الله على ظفركم بهم، أنتم في عين الله التي لا تنام.

يلتفت إلى الوراء فيرى الزوجة والأولاد والجدّة اللطيفة التي أصبح فؤادها فارغاً لقد جاؤوا ليودّعوا أثره في ظلّ شجرة السنديان حيث كان يجلس محرّكاً مفاتيح حاسوبه.. إنه مهندس في الهندسة العسكرية ...

كان هذا آخر اتصال مع مطار الطبقة وبعد ذلك تسابقت البقع الطاهرة لتحضن شلواً من أشلاء البطل، وأحدث الخبر شرخاً في السنديانة يعجب منه كل ناظر.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى