| شوقي إلى فتح الفتوح رهيبُ |
لأكاد من فرط الحنين أذوبُ |
| وعلى الحدود أخوّتي مجروحة |
وعلى بلادي النائباتُ تنوبُ |
| وعلى الخدودِ تأسُّفٌ يجتاحُني |
والدمعُ خَلَّفَ في الفؤادِ نُدُوبا |
| يا قدسُ طالَ البُعدُ وانْفَطَرَ العلا |
فمتى أراني من ثَراكِ قريبا |
| بانَ الهلالُ، متى يُشعشعُ نورُهُ |
بدرًا يُجَلّي أُفقَنا المصلوبا |
| كم أرّقتْنا سكرةٌ وضميرُنا |
قد غارَ في عمقِ الدُّجى محجوبا |
| وكرامةٌ جُرحَتْ وأفقٌ نازفٌ |
والرأسُ كان مُطأطِئًا مغلوبا |
| لكنَّ جيلَ الفاتحينَ مزلزِلٌ |
أرضَ الطغاة، فمَن يَرُدّ غضوبا؟ |
| سأرى العدوَّ على أسنّة ثورتي |
وعلى سياط كرامتي مرعوبا |
| وأميطُ عن زيتونتي هذا الخنا |
وأضخُّ من إشراقتي يعبوبا |
| بدمي أضيءُ على المكارِهِ غُوطتي |
وأخطُّ في هذا الظلام دروبا |
| إنّي على أبوابِ قُدسكِ يا دمشقُ |
مجاهدٌ والدهرُ كان رقيبا |
| وبذرتُ بذرةَ ثورتي في تونسٍ |
وسَقَيْتُها والطينُ كان خصيبا |
| وعجبتُ لمّا أثمرَتْ في لحظةٍ |
قلبًا على هذا الغباءِ غضوبا |
| فقطفْتُ من ثمراتِها وغدوتُ في |
عامٍ أفيضُ على الشبابِ قلوبا |
| فَجَرَتْ بكلّ عروقِنا صَيْحاتُها |
وتفجّرتْ فوقَ البلادِ هُبوبا |
| فزعَ العجوزُ وصارَ يَهذي قائلًا |
وَلَدي لكُمْ خيرُ الطّغاة نصيبا |
| ومضى يَصُبُّ بنيلنا أرواحَنا |
حتّى غَدَا من قُدْسِها مرعوبا |
| والنيلُ يسقي مصرَ حتّى أُتْرِعَتْ |
بالحزنِ، يَنْثُرُ في الجنائزِ طِيبا |
| والشرُّ يجلِدُ أُفْقَنَا وسياطُه |
رَسَمَتْ على أحلامِنا التّعذيبا |
| لكنّ في الإيمانِ ما يكفي لِأَنْ |
يبقى الشبابُ على اللهيبِ لهيبا |
| فانْهارَ هذا الشّيبُ من تكبيرهم |
والسّجنُ أحرى أن يكونَ مَغِيبا |
| سَخِرَ الجنونُ وقال إنّي غيرُهم |
أنا ثائرٌ لمّا أزلْ محبوبا |
| مَلِكُ المُلوكِ وذا كتابي ثورة |
في عالم لا يَقْبَلُ التّجريبا |
| والشعبُ حاكمُ نفسِه، بُتْرُولُه |
مِلْكي فإنّي أُحْسِنُ التّنقيبا |
| فأفاقَ من هَذَيَانِه قَلِقًا على |
صيحاتُ شَعبٍ أَبْطَلَ التّكذيبا |
| واستأجَرَ الشيطانَ كي يغتالَهم |
والشعبُ لمّا يُتْقِنِ التّدريبا |
| عشرونَ ألفًا أو يزيدُ دماؤُهم |
سالتْ لتجرفَ صائلًا مجذوبا |
| كانت نهايةُ أمرِهِ في حُفْرِةٍ |
تَعِظُ اللبيبَ وتُسْكِتُ التّأنيبا |
| ذهبَ الثلاثةُ في أذلِّ نِكايةٍ |
مَنْ بَعدَهم قد يستذلّ شعوبا |
| يا أيُّها الحكامُ كم ذا عبرةٍ |
تُرِكَتْ فلم تُدْرِكْ فؤادَ لبيبا |
| لم يتّعظْ كرسيُّ رابعِهم بهم |
ومِزاجُهُ قد هدّنا تقليبا |
| فَهَوَتْ عليه من المآسي زفرةٌ |
حَرَقَتْهُ إنّ على الصدورِ لهيبا |
| نهرُ الدماءِ مضى عليهم مُثْقَلًا |
والبَغْيُ يَسْحَقُ حُلْمَهُم تغريبا |
| والآن قد هَرَبَ الظلامُ مُؤَمَّنًا |
ودمُ الضحيةِ لم يَزَلْ مَصبوبا |
| يا شؤمَ من قد أثخنوا في أرضِنا |
ثم استقالوا يطلبونَ هروبا |
| هيّا اهربوا من قبضتي نحو الردى |
واستشرِفوا يومًا أراه عصيبا |
| يومَ الحسابِ فلا سياسَةَ عندَه |
تُنجي الطغاةَ وتُفْلِتُ التّخريبا |
| يا ربُّ إنّ نساءَنا في الشام قد |
أدْمَيْنَ قلبي وانفطرنَ وجيبا |
| أطفالُنا أدركْتُ من صرخاتهم |
وعيونِهِم قبلَ الأوانِ مشيبا |
| وإليكَ أشكو مَن تَرَاخَوْا عن دمي |
وأبَوا إذا حَمِيَ الوطيسُ رُكوبا |
| أرْسَلْتُ للشام الأبِيَّةِ دعوتي |
واللهُ خيرُ السامعينَ مُجيبا |
| والجامعُ الأُمويُّ يَعْرِفُ جُرأتي |
فأنا الغنيُّ بنجدتي تلقيبا |
| وأنا الشهيدُ أبيعُ رُوحي طائعًا |
ما كان سَعْيِي في الرّدى مَرهوبا |
| أعلو وأسْتَبِقُ الحياةَ مُلبِّيا |
أَمَلي إلى أُفق أراهُ رحيبا |
| أَمْضي وأحْمِلُ للأسيرِ مروءَتي |
وأضمُّ نفسًا للقراع طروبا |
| إن القصاصَ لنا حياةٌ مَنْ عَدَا |
يُعدَى عليه كما اعْتَدى تأديبا |
| إيهٍ دمشقُ من الشجون فإنه |
ما زال في شرياننا مرغوبا |