

طفلٌ على كتفِ السما تمشى
تمهيد للقصيدة: "طفلٌ على كتفِ السما تمشى"
ليس كلُّ من حملَ الحجارةَ مقاتل،
ولا كلُّ من صرخَ في وجهِ الرصاصِ مقاوم...
لكنّهُ، هذا الطفلُ الصغير،
خالفَ نواميسَ الطفولة،
وسارَ على خطِّ اللهبِ كما يسيرُ العارفون.
لم يكنْ يحملُ بندقية،
لكنّ الأرضَ كانت تصطفُّ خلفَ خُطاهُ كأنّها جيشٌ من الدعاء.
في هذا النص، لا نكتبُ عن طفلٍ وحيد،
بل عن جيلٍ كاملٍ صارَ الجرحُ لعبتَه،
وصارتْ الأحلامُ على أكتافِه أثقلَ من وطن.
هنا، نسمعُ صوتًا لا يُشبهُ الطفولة،
بل يُشبهُ السماء حينَ تغضبُ… أو حينَ تَعدِل.
القصيدة: طفلٌ على كتفِ السما تمشى
طفلٌ، ولكنْ في يديه زلازلُ
والنارُ تنحني إذا ما قاتَلُ
يمشي وفي عينيهِ برقُ بطولةٍ
تغفو المدافعُ حينها وتُخاتلُ
ما بين كفّيه الصغيرِ قصيدةٌ
فيها الترابُ يثورُ، والحقُّ يُسألُ
قد خاض حربَ الكونِ وحدهُ واقفًا
والأرضُ تصرخُ: من سواهُ يُقاتِلُ؟
هو لم يزلْ يُلقي الحجارةَ ثائرًا
والطفلُ في رجمِ الطغاةِ مُناضلُ
يلهو بلُعبتِه الصغيرةِ مثلما
يلهو الشهيدُ بجُرحهِ ويُكافلُ
يبكي، فتضحكُ من دماهُ كائناتُهُ
ويصيحُ، فالجدرانُ منهُ تُبَجَّلُ
يا سائلي: ما سرُّ جُرحٍ حُفَّ بالـ
ـيُتمِ الحزينِ، وصدرُهُ لا يَخجلُ؟
هو آيةٌ حُبلى بطُهرِ مقاومٍ
من خافَها، من نفسها يتزلزلُ
يمضي، وتحتَ حذائهِ تنهارُهم
صرخاتُهم، ويقينُهُ لا يُحمَلُ
لا شيء في الدنيا يُطفئُ نورَهُ
فهو الشعاعُ، ومقلَتاهُ المُشعلُ
يا نازفًا من غيرِ جُرحٍ ظاهرٍ
تبكي دموعُ الأرضِ حينَ يُقاتلُ
طفلٌ، وفي عينيهِ نارُ حقيقةٍ
جُنّ الجنودُ، ومكرُهم لا يَعملُ
لم يحملِ البندُقَ لكن صوتهُ
في ساحةِ المعنى السلاحُ المُذهلُ
يمشي على أشلاءِ إخوتِهِ، وفي
صدرِ السكونِ نشيدُهُ يتمايلُ
يا طفلُ، لا تهنأْ بلعبتِكَ التي
تركتْ يديكَ، وجرحُها لا يَخملُ
قُم للصلاةِ على رصيفكَ، إنّما
في كل جُرحٍ ساجدٌ ومُبجَّلُ
قُم واصرُخِ الآنَ البلادُ أمانةٌ
والحقُّ في عينيكَ لا يتزلزلُ
طفلٌ يُدوِّي في الجراحِ كأنّهُ
صوتُ المدى، والكونُ منهُ يُبجَّلُ
من غيرِ أيّ شعارِ حربٍ زائفٍ
قد صارَ بالمعنى العميقِ مقاتلُ
ويشدُّ كفَّ الأرضِ كي لا تُنتَزعْ
فالطفلُ وعدُ التُّربِ إنْ يتحمّلُ
لو يملكونَ الدبّاباتِ، فإنّهُ
يرمي الحصى، وفي اليقينِ يُعقّلُ
صوتُ الحجارةِ إن نطقْتَ، فطفلُنا
أوّلُ من جعلَ الصخورَ تُرتّلُ
ما عادَ يسألُ عن مدى أعمارِهِ
ما دامَ حُلمُ الأرضِ فيهِ يُظللُ
فهو القُداسُ إذا استُبيحَ ترابُهُ
وهو النداءُ إذا السكونُ تَغوّلُ
طفلٌ، ولكنْ في مسيرتِهِ نرى
ألفَ الجيوشِ، وجيشُهُ لا يَكسلُ
هو كلُّ من سقطوا على دربِ النّدى
هو كلُّ أمٍّ قلبُها يتزلزلُ
وإذا سقطْ، فالكونُ كلُّهُ ينحني
وبكاؤُهُ في صمتِنا مُترجَّلُ
طفلٌ كأنَّ الموتَ منهُ يفرُّ إنْ
أقسمْ، وإنْ صمتَتْ يداهُ، تُسألُ
فاخشَوا صغارَ النارِ… إنَّ وقودَهُمْ
دمعٌ يُعلِّمُ من يثورُ ويُعقّلُ