عازف الكمان
في قلب مدينة قديمة، حيث تتراقص الأزقة على أنغام الزمن، عاش شابٌ موهوبٌ يُدعى "كريم". سكنت روحه موسيقى الكمان منذ نعومة أظافره، فكان يُناجي به القمر والنجوم، ويحكي حكاياتٍ لم يسمعها أحدٌ من قبل. لم يكن كريم عازفًا عاديًا، بل كانت موسيقاه سحرًا ينساب من أوتاره، يلامس القلوب ويُحرّك المشاعر. كان يعزف في السوق كلّ مساء، فتجتمع حوله حشودٌ من الناس، مفتونين بأنغامه العذبة.
ذات يوم، بينما كان كريم يعزف لحنه المعتاد، لفت انتباههُ جمالٌ خلّابٌ يجلسُ في الصفوف الأمامية. كانت فتاةٌ تدعى "ليلى"، تتمتع بِعينين عسليتين ساحرتين وشعرٍ أسود ينسدلُ على كتفيها كالشلال. ُصيب "كريم" بنظرةٍ واحدةٍ من "ليلى"، فارتجف قلبهُ وتلعثمت أناملهُ على أوتار الكمان. لم يَعُدْ قادرًا على التركيز، فكلّ نغمةٍ كانت تُعبر عن مشاعرهِ الجياشة نحو تلك الفتاةِ الجميلة. بعد انتهاء العزف، اقترب "كريم" من "ليلى"، وتلعثمت كلماتهُ خجلًا. لكنّ ليلى ابتسمتْ لهُ ابتسامةً ساحرةً، وأخبرتهُ كمْ تأثّرتْ بموسيقاهِ العذبة.
منذ ذلك اليوم، بدأتْ قصة حبٍّ فريدةٌ بينهما. كانا يلتقيان كلّ مساءٍ في السوق، ويستمتعان بالموسيقى ويُشاركان بعضهما البعض أحلامهما وآمالهما. وقد ألهمتْ "ليلى" "كريما" بِحبّها، فبدأتْ موسيقاهُ تتطورُ وتصبحُ أكثر عمقًا وعاطفةً. كان يُعزفُ لها لحنًا خاصًا كلّ يوم، يُعبّر فيه عن مشاعرهِ الدفينةِ نحوها.
لم تكنْ سعادتهما لتدومُ طويلاً، فقد ظهرَ في المدينةِ رسامٌ موهوبٌ يُدعى "فارس". هذا الأخير الذي وقعَ " في غرامِ" ليلى" من النظرةِ الأولى، وبدأ يُغازلها ويُقدّم لها الهدايا الثمينة، فشعر "كريم" بالغيرةِ من اهتمامِ "فارس ب"ليلى"، فحاولَ أن يُنافسهُ بكلّ ما أوتي من قوّة. لكنّ "فارسًا" كان ثريًا ووسيمًا، وكان يُغري "ليلى" بِوعودٍ براقةٍ بالمستقبل الزاهر. وهكذا أُصيبتْ ليلى بالحيرةِ والارتباك، فلم تَعرفْ مَنْ تُحبّ حقًا. كانتْ تُعجبُ بِموهبةِ "كريم" وروحهِ الطيبة، لكنّها كانتْ تُغرى أيضًا بِثراءِ "فارس" ووعدهُ لها بحياةٍ مُترفة.
في أحدِ الأيام، واجه "كريمُ" "فارسًا" في السوق، وتحدّاهُ في مسابقةٍ موسيقيةٍ لِيفوزَ بقلبِ "ليلى"، وافق "فارس" على التحدّي، واجتمعَ الناسُ في الساحةِ لمشاهدةِ المُباراة. عزفَ "كريم" أجملَ لحنٍ كتبهُ في حياته، لحنٌ عبّر فيه عن حُبّهِ العميقِ لِ"ليلى" وتعلّقهِ بها فتأثرت "ليلى" بِمشاعرهِ الصادقةِ، وذرفتْ الدموعَ الغزيرة وبللت وجهها الناعم.
عندما انتهى "كريم" من العزف، سادَ الصمتُ على الساحة، ولم يَستطعْ أحدٌ أن يُنكرَ عظمةَ موسيقاه وتأثيرها العميق على القلوب.
حينئذٍ، تقدّمتْ"ليلى"من"كريم"، واعترفتْ لهُ بحبها وقالت لهُ إنّها لم تَستطعْ مقاومةَ مشاعرها، وأنّ موسيقاهُ قد لامستْ روحها وجعلتها تُدركُ حقيقةَ مشاعرها.