الخميس ١ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٠٧
بقلم أحمد أبو سليم

عباد الشّمس

وَحيدَةً كانَتْ هُناكْ
في غابَةٍ سَوداءَ تَسعى بَينَ نَخلَتينِ
تَبكي ظِلَّها المَفقودَ مِنها في الدُّخانْ
تَئِنُّ مِثلَ ذِئبَةٍ ثَكلى
كانَ القَمَرْ.....
قَدْ ماتَ مُنذُ لَيلَةٍ وَغَسَّلوهُ بِالتُّرابِ سَبعَةً
وَحَمَّلوا أَشلاءَهُ لِغَيمَةٍ عَذراءَ جاءَتْ
مِن بِلادِ الرّافِدينِ
كَي تُصَلّي في الحِجازِ مرَّةً
عَلى يَديها طِفلُها
فَأَمطَروها بِالحَصى......
وَالشَّمسُ غابَتْ في سَوادِ ثَوبِها
ضاقَتْ عَليها الرُّوحْ
ضاقَ اسمُها
وَاستَسلَمَت لِلموتِ في أُسطورَةِ التَكويرِ
تَتلو آيَةً مِن حُزنِها عَلى القَمَرْ.....
مِرآتُها
في مَنسكِ الحُزنِ البَعيدْ.....
لا أشتَهي إلاّ سِراجاً
كوكَباً
يُضيءُ مِن زَيتونَةٍ شَرقيَّةٍ
مِن دونِ نارْ
مِن دَمعَةٍ صارَت رَماداً بارِداً
في لَيلِ شِعري
أو مِن بَقايا شَمعَةٍ
قَد أطفَأَتها الرّيحُ لَيلَةَ الحِصارْ.....
لا أَشتَهي إلاّ بِلاداً خَبَّأَتْ أسرارَها
في زَهرَةٍ كانَت تَدورُ كُلَّما دارَ النَّهارْ
وَاستَيقَظَت عَطشى عَلى أَحلامِها
مَسكونَةً بِالمَوتِ
تَبكي فَوقَ عَرشٍ مِن غُبارْ
قَد أُجهِضَتْ.....
فَلتَدخُلوا أَحلامَها مِن كُلِّ بابٍ
آمِنينْ
وَلْتَدخُلوا ما خَلَّفَ التَّتارُ فيها
مِن رَمادٍ
آمِنينْ
لا تُشعِلوا في لَيلِها ناراً
لا تُسرِجوا خَيلاً
لا تَنسِجوا مِن عُشبِها الحَزينِ بَيرَقاً
لا تَذكُروها في صَلاةِ الحاضِرينْ
وَلتُشرِعوا أَبوابَها للفاتِحينْ.....
لا أَشتَهي في لَيلِها إِلاّ ظِلالاً كَي أَقولَ
"ها أَنا ما زِلتُ أَحيا ها هُنا
وَلي ظِلالٌ فَوقَ هذي الأَرضْ "
كَم مَرَّةٍ أَطلَقتُ مِن كَفّي حَماماً
يَقيسُ سُمكَ لَيلِها فَعادَ باكِياً؟؟....
أَمشي إلى عَرشي التُّرابِ
وَحدَها كانَت هُناكَ بَينَ نَخلَتينِ تَسعى
- هَل أَنتِ هاجَرُ الَّتي ظَلَّت
تَفيضُ مِن رَسائلي قُروناً
أَم مَريَمُ الَّتي تَموتُ كُلَّ عامٍ في قَصيدَتي
وَتَستَفيقُ بينَ أَقواسِ الكَلامْ؟؟....
عُصفورَةً كانَت تَسيلُ مِن يَدي
بَيضاءَ حُبلى بِالأَغاني
زَهراً يَموتُ في رَبيعٍ هارِبٍ في الَّليلِ مِنّي
تُفّاحَةً مَغسولَةً بِالدَّمعِ وَالمَطَرْ
وَصوتُ أُمّي في الرَّحيلِ يَكسِرُ الحَجَرْ.....
-خُذني إليكْ
خُذني إلى ضوءٍ يَنِزُّ مِثل ماءٍ
مِن بَقايا حائطٍ قَديمْ
فَراشَةً تَموتُ في رَحيقِ نورِها
أَو هُدهُداً يَأتيكَ مِن مَعابِدِ الشَّمسِ الَّتي تَهَدَّمَتْ
بِالخَبَرِ اليَقينْ
خُذني سَحاباً أَو رَذاذاً
يَغسِلُ الأَرضَ الّتي تَصحو عَلى خَريفِها
مَغسولَةً في كُلٍّ عامٍ بِالخَطايا والأَنينْ
أَنا الحُروفُ التائهاتُ في القَصائدِ الَّتي
أَحرَقتَها في السِرِّ يَوماً فَاستَفاقَتْ
شَهوَةً عَطشى تَضُجُّ بِالحَياة....
كَلُّ المَساحاتِ الّتي ظَلَّلتَها
مُنذُ القَصائدِ الَّتي عَلَّقتَها عَلى جِدارِ البَيتِ
مِثلَ رايَةٍ
حتّى وَباءِ الشِّعرِ وَالطّاعونِ في أَرضٍ
تَمورُ بِالمُلوكِ اليائسينْ.....
-لَمْ يَبقَ لي غَيرُ التَّمَني وَالحَنينْ
كَم مِن جِدارٍ ساقِطٍ سَنَدتُ في شِعري
بِأَضلاعي؟؟
كَم رايَةٍ نَسَجتُ في قَصائدي
سَوداءَ لِلموتى
خَضراءَ لِلصحراءْ
بَيضاءَ لِلآتي
حَمراءَ لِلمُحارِبينْ ؟؟
كَم مَرَّةٍ أَطفَأتُ ناراً أُوقِدَتْ
مِن أَوَّلِ الصَّحراءِ حَتّى البَحرْ.....
أَنزَلتُ مِن أَعلى الصَّليبِ ما تَبَقّى مِن رَمادْ.....
كُلُّ القَصائدِ الَّتي شَيَّدتُها مِن مِلحِ دَمعي
أُلقِيَتْ في ماءِ دِجلَةَ الحَزينْ
- يا أَوَّلَ المَطَرْ
حَلُمتُ في طُفولَتي
في يَومِ ريحٍ عاصِفٍ
بِوَجهِ أُمّي في كِتابِ كاهِنٍ
تَقولُ إَنَّ السّاحِرة......
إن أَلبَسَتْ ثَوبَ الحَياةِ لِلحَجَرْ
وَصارَ مِثلَنا...... بَشَرْ
فَقَطرَةٌ مِنَ الدِّماءِ فَوقَ ظِلِّهِ
تَفضَحُ أَصلَهُ الحَجَرْ
أَنا الدَّليلُ المُستَحيلْ
قالَت
وَنامَت فَوقَ صَدري
وَاحتَرَقنا
وَاحتَرَقنا
وَاحتَرَقنا لَيلَةً تَحتَ النَّخيلْ
كانَ القَمَرْ.....
يَعودُ مِن غِيابِهِ الطَّويلِ
عُرجوناً قَديمْ.....
وَالشَّمسُ تَصحو شَمعَةً
تَنوسُ في أَعماقِ عَينيها
وَالرّيحُ تَعوي مِثلَ ذئبٍ جائعٍ
وَقَطرَةٌ مِنَ الدِّماءِ فَوقَ ظِلِّنا الهَزيلِ
في ظَلامِ الصُّبحِ
كانَت شاهِدي الأَخيرْ

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى