عندما تغيرت نية السلطان
(حكاية ليست خرافية)
عنَ لسلطان البلاد أن يتفقد بنفسه أحوال الرعية، فخلع رداء الحكم والسلطة وتجرد من كل ما يمت للسلطان بصلة، حتى وزيره الأول تركه وحده يديرالأمور، فسار فى خلفه رجل فقير يجوب البلاد، وبعد وقت أحس بالعطش ولم يكن أعد للطريق ماء أو طعام، فوقف على باب بيت، فطرقه وانتظر، فخرجت إليه صبية تبدو على سيماها النعمة والجمال، فبهر السلطان بجمالها، ثم تدارك أمره، فقال:
ــ يريد الغريب شربة ماء، جزاكم الله خيرا
فابتسمت الصبية، وكأنها عرفت فى سيماه وجه السلطان ثم أجابت:
ــ سمعا وطاعة.. انتظر قليلا أيها الغريب.
وكانت قد قرأت فى وجه الغريب ما يدل على حاجته إلى الطعام أيضا، وبعد قليل عادت الفتاة تحمل فى يدها كوبا مليئا بعصير القصب، وصرة بها طعام، وقالت:
ــ اشرب أيها الغريب، أما الطعام فلعلك تحتاجه أثناء الطريق.
شرب السلطان العصير وأخذ الصرة وكاد أن يضع يده فى جيبه ليقدم للفتاة شيئا ولكن جيبه كان خاليا، فقال لنفسه لسوف أكافئها بعد عودتى إلى القصر، ثم وجد نفسه يسأل الفتاة سؤالا بدا غريبا من رجل فقير غريب:
ــ بكم عود من القصب ملأت هذا الكوب ؟
تبسمت الفتاة وتأكد يقينها أن هذا الرجل من أهل السلطة، لعله الوزير أو الوالى أو السلطان نفسه، فقالت:
ـــ هذا الكوب من نصف عود فقط، أما الطعام الذى بين يديك فرزق ساقه الله إلينا من البحر والسماء.
وكان بالصرة سمكا مشويا وخبزا طريا.
عند ذلك خجل السلطان من نفسه، وكاد أن يعتذر؛ فشكر الصبية وسار ليكمل جولته فى البلاد، فى آخر النهار عاد السلطان من الطريق نفسه قادما إلى بيت الصبية،فأخذ يدق الباب، فلم يرد أحد، أصر على الدق فخرجت له عجوز مكفهرة الوجه، وقالت:
ــ ماذا تريد أيها الغريب؟
فقال السلطان فى لهجة المعتذر الفقير الجائع العطشان:
ــ شربة ماء يا سيدتى الكريمة تبلون به ريق رفيق سفر غريب.
نظرت إليه العجوز شذرا، وقالت:
ـــ ألست أنت الرجل الغريب الذى شرب العصير هذا الصباح من يد ابنتى؟
فقال السلطان:
ـــ نعم، أنا هو.
فقالت العجوز:
ــ إذن قل للذى أرسلك أن الماء قد نضب والزرع قد جف، فالماء قليل والحصاد جديب، لأن نية السلطان قد تغيرت، فقل الرزق، انتظر قليلا.
ثم سرعان ما عادت بكوب من العصير ليس فيه إلا اقل من نصفه، وقدمته للغريب.
ـــ تفضل.. أعرف أنه لن يرويك.
فشرب السلطان، وحمد الله، ثم قال للعجوز:
ـــ لقد ارتويت، لقد فهمت،قولى لابنتك أن السلطان فهم درسك وعليها أن تقابله فى القصر صباح الغد.
ويروى أن السلطان لم يزد من قدر الضرائب المفروضة على الرعية هذا العام، أما الصبية فقد عينها وزيرة ولم يتزوجها كما يروى فى ختام الحكايات الخرافية.