

عهد الساحر
رأيت كأنه حاوى أو ساحر يقف وسط حلقة من الناس يستحوذ على أذهانهم و يبهرهم بالخديعة فيريهم ما يريد وما يِرغب، ويصدقونه، يقف وسط حلقة من الناس شبه عاري الجسد، لا يلبس شيء سوى قطة قماش دبلان أشبه بشورت أو لباس داخلى يدارى عورته، ومع قصر هذا الشورت يبرمه عدِة طبقات من موضع الأستك، كأن لسان حاله يقول للناس أننى لا أخبىء شيء في أكمامى أو في جيوبى فأنا أقف أمامك كما ولدتني أمي عار، لم تستهوينى التجربة للإستمرار في مشاهدة صنعته، غضضت ناظري عن متابعته، فشخصية ذلك الحاوى تبدو كئيبة جهومة، ذلك من تعابير وجهه الغاضبة وحركته العصبية داخل الحلقة، يبدو أن كل شيء يخصه غير نظيف حتى لون جسده الأسود لا يدارى قذارة لباسه الداخلي لا أتخيل أن لونه كان أبيض يوما ما، وجسده هذا يبدو أنه لم يرى الماء منذ أيام بعيدة، كأنه قادم من قلب الصحراء، كل شيء قذر حتى جرابه القماش الملقى على الأرض اكثر إتساخا وقذارة، إستحلفنى صغيرى أن أنتظر قليلا ليرى أفاعيل هذا الساحر، لقد استهواه كلام الساحر الذى أخذ يتجول ويلف ويدور حول جرابه القماش يرفع يمناه بحركات بهلوانيه إلى السماء ويخبر الناس أن يحضر ما لا يخطر على بالهم من داخل هذا الجراب الذى يبدو للجميع أنه فاضي وتتلاصق ضفتيه ولا يوحى لخيال أن يوجد به حتى ورقة كراس! لكنه ينزل يده ويدخلها في الجراب القماش ، أخرج لهم نجمة سداسية زجاجية زرقاء اللون، فدهشوا جميعا ثم أخرج شمعدان متعدد العيون ثم كانت المفاجئة أخذ يلف ويدور حول حلقته ليتأملوا ويندهشوا بالمفاجئة التالية وهى أنه أستخرج لهم (جوزة) التي تستخدم في شرب دخان المعسل على القهاوى الشعبية، إبتسمت وسخرت من هذه الأجواء الرخيصة ثم وقف في وسط حلقته واضعا معصم يديه حول عظام حوضه، متباهيا بقدرته التالية في مفاجئته لجمهور المشاهدين وهى أنه سيحضر لهم حجر الجوزه مشتعلا يهبط من السماء نحو مكانه المحدد فوق الجوزة، ازدادت سخريتى منه، ولكن انطفأت دهشتى سريعا حين رأيت الناس يحملقون نحو السماء يبحثون عن هذا الحجر المشتعل بشغف لا أعلم لماذا تملكني الغضب في حين أن الكل قد برقت أعينهم سريعاً وفتحوا أفواههم مبهورين فرفعت رأسي مثلهم نحو ذلك الذى خطف عيونهم وعقولهم، فوجدت شيء لامع في السماء يقترب ويدنو من الأرض،
أدركنى الخوف والغضب وبدون إرادة منى رددت تلقائيا أية الكرسي وما أن انتهيت منها حتى رددت لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.
حين كاد الحجر أن يقترب من الأرض حتى انفجر، ظهرت الخضة على وجوه الجميع حتى أنا إلا ذلك الحاوي الذى اقترب منى وهو ينتفخ غضبا، الكل ابتعد وخاف حتى صغيرى، بقيت وجها لوجه مع الحاوي يزداد سوادا ويتضخم جسده وينتفخ وجهه غضبا وكلما اقترب نحوى خطوة ببطء كلما تراجعت نفس الخطوة للوراء ولساني يردد بآية الكرسي وذلك الدعاء وكلما أنهيتهم كررتهم مرات وراء مرات حتى استند ظهرى بجدار خلفي أحاول أن أزحزحة قليلا من الخوف أو يبتلعنى فأنجو بنفسي وذلك الكائن يصرخ في وجهى
– أنت الذى أبطلت مفعول عملى
– الله لا إله إلا هو الحي القيوم ,,,,,,,,
لقد نسيت ما كنت أردده من الآية الكريمة أعدت ترديدها من بداية الآيه لقد نَسيت أو أُنسيت!!!! لقد أصبح جسده ضخم جدا وعلا في بنيانه، ضربت ذقنى براحة يدى مرتين، استعدت ذاكرتى أخيراً وثَبُت بها فؤادى، فأسرعت أردد كلمات الله وكلى ثبات وقوة يقين رددتها مرات ومرات وكلما رددتها كلما زادت بداخلي الفرحة والنشوة حين رأيت الحاوى يتقلص حجمه وينكمش سريعًا حتى تضائل أمامى.
قمت
من فوق سريرى أبحث عن الماء فقد جف ريقي وتصحر سقف حلقى رفعت الغطاء عن جسدي المنهك ما كادت قدماي تنزل من فوق السرير لأبحث عن دورق المياه بجوار سريري، حتى رفعتها مسرعا مرة أخرى لقد وجدت قط اسود يجلس على فخذيه مستنداً على يديه شاخصا ببصره نحوى،
– لا إله الا الله!!!!!! من أنت انصرف؟
كانت جوارحي كلها تردد الدعاء وآية الكرسي حتى جف منها لساني فقمت لكى أرتوى وأبلل شفتي بالماء فوجدت كأن الحاوي قد تقلص إلى قط يقف أمامي لا يحرك جفن ينظر إلى بشدة كيف دخل إلى هنا فالأبواب مغلقة جيدا ومن أين أتى هذا القط؟ فأنا لأول مرة أرى هذا القط أمامى في هذا المكان ارتعبت أوصالى أكثر تقوقعت على السرير وأنا أشيح له بيدى من بعيد للانصراف، ثم كررت الدعاء وآية الكرسي مرة أخرى وأخيرة،
نزل علي يديه وانصرف نحو الباب بهدوء حرك الباب كأنه يعرف ما يفعله، وغادر المكان كيف له أن يحرك الباب هكذا.
رأيت ابتسامته مصحوبة بسخرية واستهزاء وهو يقول لى
– إنتصرت علىَّ بالأمس ولن أدعك تفرح بنصرك سأدمرك اليوم سأقضي عليك!
إنه شخص مختلف كلية عن سابقه، لم يأتي كعادته يلهو مع الناس ويلهيهم بل جاء خصيصاً لينتقم منى، يرتدى بدلة سوداء وقميص أسود ياقة القميص بها شارة بيضاء حول رقبته، يرسم لنفسه جانب من الوسامة والهندام، رأسه بيضاء كما الثلج لا ترى فوقها شعرة واحدة حتى حواجبه لا شعر فيها عينيه الخضراوين لا رموش حولها، نظرت إلى عينيه جيدا فكانت حدقته طوليه وليست دائرية،
نظرت حولي فوجدت أطياف من ألاف الناس يجلسون يرقبون هذه المعركة، لا جسد لهم إلا أرواحهم تملأ المكان، أرواح هائمة تتزاحم بشدة كزبد البحر حين يتلاطم، الساحة خالية برغم كثافة ما بها، إلا شخص واحد وجدته بجوار كتفي إنه (حسن) ذلك الشاب التونسي صاحب الصوت الشجي في قراءة القرآن حين يصلى بنا العشاء كل ليلة أو حين نتسامر على شاطئ البحر الأحمر بجدة نصطاد السمك بشاطئ (مدينة أُبحُر) في لحظتي تلك وجدت فيه خير سند قد ألجأ إليه، تلفت له
– جميل أن أراك يا حسن، إذا وجدتني أخطئ في قراءتي للقرآن لا تتعجل بردى عن خطأي انتظر قليلا ولا تستعجلني حتى لا أتعتع
صرخ الساحر واحتد قائلاً
– انتظر هل ستواجهني بالقرآن! ألهذا الحد أنت فقير في أسلحتك (ضحك وقهقه فصخب المكان)
– لا أمتلك سواه (قلتها بكل جرأة وأنا للقرآن غير حافظ بل غير قارئ)
– أنت هكذا تكسر قواعد اللعبة
– ومن وضع هذه القواعد للعبة؟ ؟؟؟ أنت؟
– سميها ما شئت ولكنها شروطي لا قرآن لا أصدقاء! وعليك الالتزام بها!
– بأى حق تضع فيها شروط أو قواعد! من أنت لكى تفرض فيها شروطك أو تلزمني بقواعد من خيالك؟ أنت؟؟ أيها الخارج عن القانون؟ الكاره لكل قانون إلهي أو إنساني! أنت أيها العاصي الذى خالف كل القوانين والنواميس الإلهية والإنسانية ومازلت على عهدك، أنت أيها المغرور السفيه، الذى تفكر نفسك سيدا من النور خلقت وكل الناس من الطين عبيدك، تختال نفسك المُفضَل المُختَار المُقَرَب ولكنك صرت المنبوذ، أنت أيها النكرة!! مطارد في كل تاريخ، منبوذ في كل عهد، عصيت فكتبت عليك اللعنة ، كتب عليك الشتات والسيح في أرضنا، لا تنسي أنك أويت إلينا واغتصبت أحلامنا، وسرقت زينتنا وقلت إنها لعبة لها خوار، وهى صنيعتك سجدت لها وحين قاومنا لعبتك وضعت لها كتاب وقلت هذه هي القواعد، اتخذتها عهدا تعبده، ومن العجل رمزا تعبده ، قواعدك هذه تلزم بها نفسك أيها الفاشي الفاشل، لقد فشلت مراراً وسابقا وستفشل لاحقاً، والآن حتى إن كنت متفوقاً ومنتشياً بتلك النفخة الغرور التي تملأ صدرك بمقدرات الخلق وأيامهم فتعبث بها الفساد ما هى إلا شكة بسن دبوس في وقت ما بها ستختفى، ذلك الاختفاء الثاني و النهائي لموعد يعلمه الله، وسيقف كل حجر وكل صخر تختبئ خلفه فيخبرنا عنك وعن ذريتك، نقتص منك وننهى فيها مسيرتك وعبثك بكل البشر، أما قواعدك وشروطك تلك فتلقمها وضعها في مؤخرتك، أما أنا فهذه قواعدي وأنا شرطي الوحيد هو القرآن فلن أحيد عنه!
لاحقته بكلماتي وحَد بنظره نحوى فصمت صمت المضطر، وجدت يد (حسن) تضغط على كتفي بقوة تعطيني صلابة وقوة فسحبت شهيقا وانطلقت أتلو ( ق والقرآن المجيد ) أنهيتها كاملة ثم أخذت أتلو ( والذاريات ذروا ) حتى أنهيتها أيضا،
قمت
نظرت بجوار السرير فلم أجد شيء حمدت الله ثم أسرعت نحو المصحف، انتابتني رعشة انتفض لها جسدي حين نظرت إلى ترتيب المصحف فوجدت سورة ق ثم الذاريات لم أكن أعلم أن هكذا ترتيبهم ، والأغرب أننى لا أحفظ آياتهما، أسرعت بفتح صفحات المصحف وأخذت أقرأ تلك الآيات وجسدي ينتفض منى، حوالى ست صفحات كاملة هي نفس ما كنت أتلوه منذ دقائق فلا أنا بحافظ لتلك الكلمات ولا أنا بالشخص المنتظم على قراءة القرآن، بل هي عادة سنوية أختم فيها القرآن مرة أو مرتين في شهر رمضان.
لم أذكر لأحد ما رأيت، لكن بحثت عن (حسن) الغائب منذ عدة أيام أحكى له ما رأيت، أبحث عنه في تلك الزاوية التي نصلى فيها العشاء في المعسكر أو كل يوم عند الثامنة مساءًا في الكافيتريا ونحن نتسامر ونسهر ليالي غربتنا نتناول الشاي فيها ونحن نشاهد مسلسل (البخيل وأنا) ، تلاشت إشارة القناة الأولى للتليفزيون المصري فأخذ الجميع يبحث عنى
– أين جمال ابحثوا عنه ليضبط لنا الإشارة
قمت ببطء أضبط فيها الإشارة الضعيفة جدا وحين أنهيت عملي نظرت إلى الجمع أشكر لهم ثنائهم فوجدت حسن يرفع لى إبهامه يحيى فيها مهارتي وابتسامته تملأ فمه
– حسن، فينك تعالى بسرعه!
سحبت حسن من القاعة وهو فى حالة الضيق فكنا كلنا ننتظر ذلك المسلسل يضحكنا ويسلينا فيه فريد شوقى ومحمد هنيدى ووائل نور ولكن أمام إلحاحي وإصراري سار معي، جلسنا في الحديقة حكيت له كل ما رأيت وما أن قاربت على الانتهاء وأخبرته أنى قرأت تلك السورتين (ق والذاريات) وأنا لا أحفظ فيهم آية واحده، وجدت حسن يقف عل قدميه وأمسك بذراعي يسألني
– متى كان هذا
– منذ ثلاثة أيام بالضبط، يوم الإثنين ( قبض حسن على معصم يدي بيسراه ورفع سبابة يمناه ويقول)
– أشهد أن لا إله الا الله وأشهد أن محمد رسول الله ! لقد ذهبت يوم الإثنين نحو مكة ومعي أمر من الإدارة لتركيب بعض الفسيفساء بأحد القصور ومعي بعض العمال، قمنا بعمل عمرة في ليلتنا تلك وحين إنتهينا منها قبل الفجر بساعة قمنا نصلى العشاء وصليت بزملائي جماعة قرأت في الركعة الأولى بسورة ق وفى الثانية قرأت الذاريات هي نفس ما قرأته في ليلتك تلك.