الثلاثاء ٢١ أيار (مايو) ٢٠١٣
بقلم إياس يوسف ناصر

عين كـــــــــارم

(في ذكرى النّكبة الفلسطينيّة)
 
يا عينَ كارمَ... إنّي أعرفُ السَّبَبا
فلا تزيدي عليَّ اللّومَ والعَتَبا...
ستّونَ عامًا... ولم أعثرْ على لغةٍ
تحكي كعينيكِ عن بيتٍ لنا سُلِبا
وعن حقولٍ من الزّيتونِ نقطفُها
وعن نسيمٍ يناغي التّينَ والعِنَبا
ستّونَ عامًا... ولم أنظرْ إلى حجرٍ
إلّا أعادَ إلى عينيَّ من ذَهَبا
ستّونَ عامًا... وأطلالٌ أسائلُها
كإمرئِ القيسِ عمّن غابَ واغتربا
ستّونَ عامًا... وقنديلي يرافقُني
أُضيءُ فيهِ... عساني ألتقي العربا...
 
* * *
ما زالَ يسألُني عن بيتِهِ رجلٌ
وعن تلالٍ تنادي الشّمسَ والشُّهُبا
يومَ التقينا رأيتُ الرّيحَ تحملُهُ
والشّوقَ يجلدُ فيهِ القلبَ والهُدُبا
والذّكرياتُ يماماتٌ يُطيِّرُها
فتحملُ العُمْرَ في منقارِها حِقَبا...
"من أينَ أنتَ؟!" أجابَ الدّمعُ في
فمِهِ "من عينِ كارمَ لا زهوًا ولا عجبا!"
واسترسلَ العمُّ في إخبارِ قصّتِهِ
وراحَ يحكي... كطفلٍ ضيَّعَ اللُّعَبا
"قد جئتُ يومًا إلى بيتي بقريتِنا
قرعتُ بابي فهبَّ الصّوتُ مُلتَهِبا
من أنتَ؟! من أنتَ؟! هيّا اذهبْ
ولا تُرِني غرابَ وجهِكَ... إنّي أكرهُ الكَذِبا
فعدتُ أحملُ أوطاني على كتفي
وأحملُ البيتَ والقرميدَ والقُبَبا
ولا أزالُ لهذا اليومِ أحملُها
وأشربُ الشّمسَ والأمطارَ والسُّحُبا
حتّى غَدَوتُ غريبًا فيكَ يا وطني
بيتي قريبٌ... ولكنْ لستُ مقترِبا!
فيا لَحجمِ مآسينا ونكبتِنا
حتّى بأرضي أعيشُ العُمْرَ مغتربا!"
 
* * *
يا عينَ مريمْ... ألم تبكي على وطني
كما بكيتِ على الفادي الذي صُلِبا
هل حكمةُ اللهِ أن يغتالَنا قَدَرٌ
وأن نرى قَدَرًا في كلِّ ما خَرِبا؟!
أقدارُنا مثلُ مكتوبٍ يطمئنُنا
لو أُعطِيَ النّصرُ للمغلوبِ ما غُلِبا
أقدارُنا البنجُ في شريانِ صرختِنا
وكذبةٌ حوّلتْ أحزانَنا خَشَبا
أقدارُنا... أن نعاني كلَّ ثانيةٍ
ونشكُرَ اللهَ ما أعطى وما وَهَبا!
لا عدلَ في الأرضِ إلا حينَ نُوجِدُهُ
ولا كرامةَ للإنسانِ ما اغتُصبا
لو كانَ للهِ وجهٌ والتقى وطني
لمسَّحَ الدّمعَ عن عينيهِ والتّعَبا...
 
* * *
يا عينَ كارمَ... يا سيفًا بذاكرتي
ويا حصانًا جميلًا ضاعَ وانقلبا
قرأتُ وجهَكِ في أيّامِ صُحْبتِنا
حتّى اختصرتُ بهِ التّاريخَ والكُتُبا
وقمتُ أكتُبُ في عينيكِ من أدبي
فصارَ وجهُكِ عنّي يَكتُبُ الأدبا
إنّ البيوتَ وإنْ أصحابُها رَحَلوا
تبقى الحجارةُ عنهُمْ خيرَ ما كُتِبا
ونحنُ نبقى كوجهِ الشّمسِ في وطني
من جاءَ يَطردُنا فليحترقْ غَضَبا
كلُّ الدّروبِ إلى روما مؤدّيةٌ
صحِّحْ كلامَكَ... وانظرْ فيهِ محتسِبا!
كلُّ الدّروبِ إلى أرضي مؤدّيةٌ
باقونَ فيها... نَلُمُّ الدّهرَ والحِقَبا...

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى