الأحد ٣ آب (أغسطس) ٢٠٢٥
بقلم رندة زريق صباغ

غادرنا زياد الرحباني ب «هدوء نسبي»

مثلكم أنا أيضاً ضايقني موت زياد الرحباني وأشعرني بالحزن على فقدان مبدع متميز وانسان مرهف لن نحظى بمثيله قبل عقود طويلة، فالأمم لا تحظى بمبدع كل عقد، بما أننا أمة لا تقدر مبدعيها ولا تكرمهم في حياتهم وقد تفعل ذلك بعد وفاته كأن يقدم الرئيس درعاً للمبدع المتوفى فيضعه على نعشه ويقف لالتقاط صورة تذكارية مع الدرع والنعش أمام العظيمة فيروز ومئات المعزين وآلاف المتابعين، إن دلّ ذلك على شيء إنما يدل على أن الدولة والحكومة تتكرًم بمبدعيها وليس العكس، بالمقابل نرى جماهير لبنان والوطن العربي أجمع تحولوا لقلب واحد نابض بمحبة وتقدير زياد الإنسان وزياد الرحباني المبدع اللبناني، العربي والعالمي.

"لكل امرء من اسمه نصيب"

زياد الرحباني ذلك المتميز الذي اعتبر نفسه أقل من أن يطلق عليه اسم فنان فهو وصف عظيم كبير يطلق على الكبار حسب رأيه، فاكتفى بأن يوصف بالصحافي، السياسي، الموسيقي والمؤلف لكن ليس بالفنان. في زمن يعتبر نفسه فناناً كل من قدم أغنية أو رسم لوحة أو قدم دوراّ في مسلسل أو مسرحية، يأتيك زياد الرحباني المجبول والمعجون بالفن والموسيقى ليذكر المثقفين وأنصافهم كما الجهلة بقيمة الفن وسموه.

في عالم بات فيه الصدق والصادق، أصبحت فيها الإنسانية الحقيقية عملة نادرة وقف زياد الرحباني بكامل صدقه الإنساني وفنّه القومي الوطني ليضعنا أمام مرآة أنفسنا فنفرح بوجود من يتحدث بلساننا ويعبّر عن مكنوناتنا بجرأة وسلاسة السهل الممتنع.

زياد ذلك الاسم الذي يعني الزيادة والنمو، حمله هذا الإنسان وتحمل وزر معناه بالقول والفعل فازداد نمواً فكرياً وثقافياً ، نمواً انسانيا ونورانياً، زياد الذي ازداد إبداعاً وعبقرية في كل كلمة، لحن أو عمل كتبه (رأى النور أم لم يرَ) زياد الذي زادنا وعياً وانسانية مع كل كلمة قالها في أغنية أو مسرحية أو مقابلة، كنا ننتظر بفارغ الصبر طلته في أحد البرامج لنسمع ونتعلم مما يقول فتزداد وعياً بغبطة بالغة رغم ألم يغرسه فينا زياد علًنا ننطلق نحو الأمل.

زياد الشيوعي العنيد

لن أطيل الحديث عن زياد الرحباني الفنان المبدع فجميعكم تعرفونه وتعرفون أعماله كما مواقفه المبدئية التي لا يتنازل عنها إطلاقا، فهو الشيوعي العريق حتى النخاع الذي لم يزعزع إيمانه حتى انهيار الاتحاد السوفييتي العظيم، ظلّ رفيقاً معتدّاً بشيوعيته، مناضلاً بصوته، قلمه وإبداعه… كان مستعدّاً لخسارة كل من حوله حتى المقربين، كم من مرة طلبت منه والدته الابتعاد عن السياسة والاهتمام بفنه وإبداعاته الموسيقية التي يعشقها وينتظرها الملايين.

زياد الشيوعي زيّن جدران شقته بصور لينين وستالين وسواهم من دعاة الحرية مناهضي الإمبريالية، زياد الذي آمن من عميق قلبه وفكره بضرورة العدالة والمساواة، كان مؤمناً بالله ولم يكن مافراً ولا ملحداً كما يطيب للبعض وصفه لتشويه صورته.

زياد الروحاني

فقدّم لنا أجمل الترانيم والتراتيل الكنسية المسيحية التي طالما رددناها واستمتعنا بسماعها خاصة فترات الأعياد، لم نكن نعلم أن معظمها من ألحانه وتوزيعه، أهمها (نحن الساهرون)، ( كريالايسون) ( المجد لك أيها المسيح) ( طوبى للساعين الى السلام) وغيرها، في جيل 16 عيّن زياد قائداً لكورس الكنيسة المكون من 50 مرنما وعازفا في أنطلياس، ، ألف ولحن العديد من التراتيل الكورس وبعد سنوات لأمّه فيروز التي تتحفنا بصوتها الملائكي وشخصيتها الملوكية.

إن ننسى فلا ننسى مسرحياته التي تلامس واقعنا وتصفعنا كل مرة من جديد، استخدم المسرح كأداة للنقد الاجتماعي بأسلوب ساخر قد يضحكنا وقد يبكينا في نفس الوقت، طرح من خلاله قضايا الحرب الأهلية، الطائفية والعنصرية،العدالة الاجتماعية كما قضايا الإنسان والمواطن اليومية،وقد اعتمد على شخصيات بسيطة من المجتمع لتنقل هموم الناس وابتعد عن النخب الاجتماعية.مسرحيته الأولى (سهرية) ثم (نزل السرور) لتليها أعمال اخرى اصبحت رمزا لنضال المواطن العادي، أذكر منها ( فيلم أمريكي طويل)، (بالنسبة لبكرة شو)، (شي فاشل)،

 هل ننسى ما قدّمه لوالدته السيدة فيروز حيث نقلها من أجواء الأخوين رحباني الحالمة إلى أجوائه الواقعية التي تعج بنبض الشارع ونبض الناس العاديين:: من أين لزياد الجرأة لينقل فيروز من أجواء (شو بخاف اني أخسرك) إلى أجواء (ضاق خلقي يا صبي)، على سبيل المثال.

جوزيف صقر

 ارتبط اسم زياد الرحباني بجوزيف صقر في واحدة من أعمق الشراكات الفنية في العالم العربي، حيث أصبح صوت جوزيف هو الأداة الأساسية التي عبّر بها زياد عن رؤيته الفنية. بدأ جوزيف حياته المهنية كمدرّس للغة الفرنسية، ثم التحق بكورال فيروز والأخوين رحباني، إلى أن اكتشفه زياد وميّز خصوصية صوته. منحه زياد أدوار البطولة الغنائية في معظم مسرحياته وألبوماته، وراهَن عليه ليؤدي أغانٍ معقدة تحمل وجع الناس وهمومهم، مثل «بخصوص الكرامة والشعب العنيد» و«أنا مش كافر». ومع مرور الوقت، أصبح جوزيف الصوت الذي يُجسّد نبض الشارع اللبناني في أعمال زياد. وعندما توفي عام 1997، ترك رحيله أثرًا بالغًا في زياد، الذي ابتعد عن الغناء طويلًا احترامًا لذكرى صديقه المقرّب وصوته المفضل لنفسه، زياد مرهف الحس كان رحيل الغوالي يسبب له إحباطاً فاختفاء

لا أرغب أبدا بالحديث عن تفاصيل حياته الشخصية، عاطفية كانت أم عائلية لأن المواقع والوسائل ملأى بهذه التفاصيل لدرجة مزعجة. بين خلافه مع دلال كرم وكارمن لبس من جهة وبين خلافاته مع والدته وأخته ريما من جهة، اضافة لبعض خلافات مع أولاد عمه منصور .

زياد الذي تكبّد وجع وفاة والده جرّاء انفجار في الدماغ تحمّل مسئولية أول أغنية تغنيها فيروز بغياب عاصي، ناهز حينها 14 عاماً حين أخذ منه عمه منصور لحناً كان قد وضعه زياد لكلمات أغنية لصديقه جوزيف صقر، أراد منصور هذا اللحن لكلمات سألوني الناس، طبعاً لا مكان لزياد ليرفض أو يختار، نجحت الأغنية بجدارة لكن عاصي اغتاظ من فكرة أغنية يتوسلون فيها حضوره، فقد كان حازماً صعب المراس لدرجة أرعبت ليس فيروز فقط بل زياد أحياناً.

تكبّد أيضاً قهر وفاة أخته ليال المفاجىء عن 28 عاماً إثر انفجار بالدماغ حالها حال والدها. زياد الأخ الأكبر والابن البكر الذي تحمّل خلافات والديه التي لا تنتهي فخنقته لدرجة قرر معها مغادرة المنزل بسن مبكرة فيعتمد على نفسه وحيداً مفتقداً لحنان والديه. لن أقول إن معاناة زياد نادرة في هذا العالم، لكنها تجسيد وتكثيف لمشكلات العديدين تجمعت في شخص واحد تناسب حياته لمسلسل أو رواية قد تبدو خيالية بعض الشيء كفيلم هندي طويل.

قد يبدو غريبا كيف ولماذا أحببنا أغاني زياد حتى بصوته غير الجميل وغير الشجي!! إن دلً ذلك على شيء فانما يدل على أن زياد الرحباني هو حالة متفردة نقبلها ونحبها كرزمة واحدة بكل تفاصيلها الجميلة والأقل جمالاً.

اكد لنا زياد الرحباني أن الشخصية لا تتجزأ ، هو الذي اعتبر أمريكا رأس الحيُة رفض أن يحيي حفلات في بلاد العم سام من منطلقات مبدئية، أمكن لزياد الرحباني
أن يتعالج بزراعة كبد لكنه رفض، أمكنه تلقّي علاجه في أمريكا لكنه رفض رفضاً قاطعاً انطلاقاً من نفس المبدأ ، لاستذكر هنا ما استهجنته في حينه إذ وافق محمود درويش وقرّر إجراء عملية جراحية في أمريكا على أمل أن يتعافى، لكم التعليق والمقارنة.

ماذا أقول لفيروز الأيقونة التي خسرت رفيق نجاحاتها الغنائية في نصف دربها الأخير، فيروز التي حافظت على صمتها ووقارها في أقسى الأوقات جنازة زوجها عاصي، جنازة ابنتها ليال وجنازة بكرها زياد،

قد تكون الغصّة الكبرى في حياة هذه العائلة هي إعاقة الابن هالي الذي أصيب بفايروس خطير في المستشفى بعد الولادة. زياد الذي أحبّ أخاه وتقاسم رعايته مع أختيه ليال وريما الصغرى طبعاً كمساعدين للأم نهاد حداد.

هنا لا بد لي من التطرق لريما البنت الصغرى لنهاد وعاصي التي بلغت الستين عاماًً، ريما التي لم تترك والدتها نهاد ولم تترك أمها فيروز، فكانت ولا زالت عكازا لوالدتها كما كانت ولا زالت مديرة أعمال فيروز تحرسها وتحمي ابداعها برمش العين ونبض القلب، فيروز التي لا تحرك ساكنا في وجهها ولا تبتسم إلا كرمال ريما، رأينا سفيرتنا للنجوم تبتسم مرتين في وجه ريما المصدومة بوفاة أخيها والمذهولة من هول الصدمة.

قلبي وبالي مع أم زياد التي انكوى قلبها لوفاته وقلبي أيضاً مع ريما التي وقع كل الحمل على أكتافها وروحها. ريما التي انتبهت لإغماء اختها ليال ووفاتها، ريما التي تحلًت بالشجاعة وتحدثت عن ان عمها منصور هو من بثّ إشاعة حول وفاة ليال جراء جرعة زائدة وهي التي توفيت نتيجة انفجار بالدماغ حالها حال والدها عاصي. ريما هي التي حملت وزر الخلافات والقضايا بين ورثة عمها منصور وبين ريما وزياد ورثة عاصي، خلاف مقيت على حقوق ملكية انتاج الأخوين رحباني. الآن بقيت ريما وحيدة تظلّل حول والدتها وتكون انعكاساً لتحركاتها وحركاتها، لتكون عكازها وعصاها، كذلك ريما ستكون المهتمة برعاية عالي والعناية به، ولا ننسى أنها الباقية لتحمي إرث زياد كما إرث عاصي وفيروز وهذه مسئولية ضخمة لن يقدر عليها سوى العظماء. فإرث زياد الرحباني مقسوم بين ما رأيناه وسمعناه وبين ما زال محفوظاً في الدرج ونتمنى أن يخرج للعلن والضوء فنستمتع ونستفيد. ريما التي لم تخرج عن طوع أمها فيروز بقيت صامدة مذهولة، لم تذرف دموعاً امام نعش زياد وكانت تغلف والدتها بالمحبة والرعاية، تمسك بيديها، تربّت على كتفيها، تمسح دموعها التي لم تذرف، تدرك ريما أن الضعف ممنوع، أن الاستسلام ممنوع، فالمعركة لا زالت حامية والتحديات صعبة وقاسية، والعناية بهالي متعبة، انتظرت ريما كما أنها العودة للبيت لتبكينا معاً بعد أن يخلد هالي للنوم، هالي الذي سيفتقد زياد ويبكي بطريقته الصامتة ليس شموخاً كأمه ولا إدراكاً مثل أخته بل ضعفاً وهشاشة. ريما ربما الحندقى شعرك أشقر ومنقًى، اللي حبك بيبوسك واللي كرهك شو بيتلقّى،،، قلبي معك يا ريما القوية الشجاعة، الحنونة الطيبة، الصادقة المظلومة، فقدت زياد العظيم الذي ترفع عن المشاركة في مهرجانات كبيرة مثل جرش وقرطاج حيث لم يعنِه التواجد بمدرجات يملؤها غير المتذوقين لموسيقاه، يريد زياد جمهوراً نوعيّا يرتقي به ومعه لذلك كان يقدم عروضه على مسارح صغيرة في لبنان والعالم وكنت إحدى المحظوظات بحضور أجمل حفلاته في باريس التي كانت بمثابة حلم واقعي لكل من تواجد هناك، كنت محظوظة وعائلتي بأن حظينا بحضور بروفا ما قبل الحفلة لنحظى بأجمل وأرقى الأوقات بمشاهدة زياد الرحباني وفرقته يتدربون بأجواء من الدعابة والمرح والفن الجميل.

كان قد طلب مني الباحث في الأدب الرحباني الأستاذ فضل سمعان ( أبو نزار) ابن قريتي عيلبون إيصال نسخة من كتابه (ميثولوجيا الأدب الرحباني) لزياد الرحباني الذي أعجبه الكتاب كثيراً، أبو نزار الباحث منذ 40 عاماً في الأدب الرحباني لدرجة أطلق عليه الأستاذ منصور اسم ( بطرس الرحباني) من شدة حبّه لهذه العائلة وإبداع أبنائها، أنصحكم جميعاً باقتناء هذه الموسوعة القيمة وسبر أغوار تاريخ أدب الرحابنة.

من ضمن الذكريات التي لا تنسى حضور حفلة السيدة فيروز في عمان عام 2000 التي حضرها المئات من عشاقها من فلسطينيي الداخل وعرب الدول العربية لنحظى جميعاً بحفلة من العمر. حفلة تتوجت بلقائي بالسيدة فيروز بعد الحفلة في جامعة عمان الأهلية، لقاء حلّق بي نحو النجوم في ليلة فيروزية ساحرة، وقفت بجانب سفيرتنا للنجوم وقد تدثرت بعباءة سوداء ووشاح أسود من الدانتيل زادها هيبة ووقاراً.

بنفس هذه الهيبة والوقار قرّر زياد أن يترك الحياة رافضاً العلاج وزراعة الكبد وهي عملية مكلفة جدا من جهة نتائجها غير مضمونة من جهة، رفض العلاج وتوفي في بيته في شارع الحمرا، عاش زياد ومات في بيت مستأجر يشبهه بتفاصيله ومحتوياته،

قرار زياد عدم العلاج لا اعتبره استسلاماً بقدر ما هو وعي مدرك وإدراك واعٍ لماهية البقاء في محيط وعالم ظالم لن يكف عن التجريح، عالم لن يتغير ولن يخطو نحو النور،، قرار به من الشجاعة والنبل ما يكفي ليسلم زياد روحه راضياً عن نفسه مرضيّاً بها. ما مُنح لزياد بعد وفاته من محبة كان قادراُ على توسيع صدره وإطاله عمره لو بأيام قليلة يحظى فيها بكل هذه المحبة، ليرى أولاد عمومته متواجدين كلهم يوم جنازته يسلمون على ريما ويعزونها بوفاة أخيها، لو رأى زياد كل هذه الجموع، هذه التغريدات وهذه المقالات والتعليقات فربما منحنا مقطوعة موسيقية أخيرة من وحي الحالة والمرحلة.
زياد الرحباني، رغم عبقريته الموسيقية المعروفة، لم يتخرج من أي معهد موسيقي رسمي. ففي شبابه، تقدّم إلى امتحانات الكونسرفاتوار الوطني اللبناني، لكنه لم يستمر فيه طويلاً، إذ لم يقتنع بالنظريات الأكاديمية الصارمة، ورفض الالتزام بالإطار التقليدي للتعليم الموسيقي. لم يحمل زياد أية شهادة موسيقية رسمية، اعتمد على موهبته وصقلها بنفسه بمساعدة وتشجيع والديه، لينطلق ويؤسس مدرسة موسيقية خاصة به، تخطت كل القواعد المتعارف عليها، بتنا جميعاً تلاميذ هذه المدرسة نتذوق ونحاول أن نفهم ما يقدمه وما يعنيه زياد خلف الكلمات وخلف الألحان.

سلّم لي عليه

حين كانت فيروز في امريكا لإحياء الحفلات لم يشاركها زياد لانه ضد السفر لأمريكا، وبقي ليرعى اخاه عالي ذي الاحتياجات الخاصة، اتصلت فيروز الأم تطمئن على ابنها فقالت لزياد: سلم لي عليه بوس لي عينيه،،، ليحلق زياد بهذا المذهب محولا اياه لإحدى اجمل الأغنيات التي تناسب كل حالات الحب والمحبة، تنشد في لوصف الحنين والاشتياق بكل رقي وجمال،،، قول له عيونه مش فجأة بينتسوه ،، نظرات عيونه ثابتين ما بينقصوا،،،، سلم لي عليه.

كيفك انت!!

وهو حال أغنية كيفك انت؟ سؤال طرحته فيروز حين التقت زياد صدفة بعد عودته من لندن اذ لحق بدلال كرم وتزوجها دون رضا والديه:- كيفك؟ قال بقولوا صار عندك ولاد، أنا كنت مفكرتك براة البلاد،،، شو بدنا بالبلاد الله يخلي الاولاد،،،،هذه الأغنية البسيطة المركبة في آن كانت نقلة نوعية للسيدة فيروز احتاجت هي لأربع سنوات حتى تقتنع بتأديتها حيث لم يألُ زياد جهداً باقناعها حتى تم ذلك وحظينا بتحفة ناطقة بلسان حالنا.

ماذا أقول لفيروز التي لم يرد لها الله أن تحظى بأحفاد وحفيدات تغنجهم وتدللهم لربما زرعوا بسمة على وجهها.

مربى الدلال

بات مفهوماً للجميع من هي دلال وما سبب هذه الاغنية الساخرة التي لم يتردد زياد في تقديمها رغم أنه ينتقد لاذعاً ذلك الرجل الذي كان حماه يوماً، لكننا اليوم لم نعد نستغرب من أسلوب زياد ولا من أسباب ومسببات أغنياته التي نحب ونشعر براحة معينة كونها تصف ولو بعض من مشاعرنا وتجاربنا.

موعود/ ع هدير البوسطة

أما للفتاة المصرية ليلى التي كانت تعمل عند الجيران وأحبّها زياد أيام المدرسة فقد كتب لها (ع هدير البوسطة) التي تحولت 1979 لتحفة إنسانية فنية مباغتة لجميعنا، استبدل زياد الاسم حتى لا يكتشف أهله لمن يغني فحظيت كل من تدعى عليا بواحدة من أجمل الأغاني بل وأغربها في حينه، كنت في السادس الابتدائي حين سمعتها لأًل مرة في رحلة مدرسية حين وضعها في مسجل الحافلة مربي صفنا الأستاذ نبيه نايف نخله، كنا صغاراً لم ندرك المعاني تماماً، فكيف يمكن أن تغني فيروز وتصف من يأكل خسا ويتناول تيناً!! هل يليق وصف مرأة بالبشعة من خلال أغنية!! لم نعرف أن البوسطة في لبنان هي الباص الصعايب ففي بلدنا البوسطة هي البريد، لم نفهم ما هو هذا الهدير الذي تغنيه فيروز قبل أن نتعرف أن هذا هو زياد المختلف،،، حاول الأستاذ نبيه في تلك الرحلة أن يقنع بقية المعلمين بجمال الأغنية والكلمات، نجح مع أحدهم في حين لم يستسغ الآخرون هذا النمط الجديد، أما هو فكان طرباً فرحاً بهذه الأغنية التي اعتبرها نافذتي الأولى التي أطلعت من خلالها على ابداع زياد الرحباني لتتسع هذه النافذة لاحقا من خلال لقاءات أبناء الكادحين والشبيبة الشيوعية في قريتي عيلبون وغيرها من النشاطات الوطنية والثقافية في المؤتمرات والمناسبات المركزية حينها.

مسرحيات زياد الرحباني

لن تتسع هذه الصفحة للحديث عن مسرحيات ليست كالمسرخيات المألوفة، وليس هو هدف هذه السطور لكن لا بد من التطرق لهذا العالم المذهل الذي صنعه زياد الرحباني بعد أن تحرّر من جلباب الأخوين رحباني ليثري مكتبتنا وذائقتنا الموسيقية بأجمل وأصدق من تحدث واصفاً نبض الشارع، تعب الناس وطموحاتهم كما أحلامهم، أعمال تم رفضها في البداية ومنع بثها وإذاعتها، فوصلت للبعض سراً وتهريباً كما نجح زياد بتمريق بعض منها وبعض من أفكاره من خلال برنامجه الاذاعي (العقل زينة) ليحرم بذلك عقولنا الراكدة الخائفة من كل جديد وتجديد، زياد.

أثبت زياد في حياتة وأكد في مماته أن أفكاره، أعماله من كلام وألحان لمست شغاف الجميع بغض النظر عن الانتماءات السياسية، الدينية، الاجتماعية وحتى العمرية، فهو الناطق باحاسيسنا وهو ناظم أفكارنا وهو القادر الأوحد وإن لم يكن الوحيد….

ما أصغرنا أمام حضورك حتى في غيابك يا زياد الرحباني، وما أقوانا حين نؤمن بأفكارك الاجتماعية الإنسانية بعيداً عن السياسة.

استذكر أنني تعرفت على فيروز من خلال ابنة عمي فيرا نمر زريق عاشقة فيروز التي زينت جدران غرفتها بصور فيروز وبكلمات بعض أغنياتها التي اقتضتها من مجلتي الشبكة والموعد اهم المجلات الفنية العربية آنذاك،، كنت في السابعة من عمري لم استمع لفيروز قبل ذلك وتعرفت على شكلها الذي راق لي ودخل قلبي، بفضل فيرا ابنة عمي. ثم بدأت أميز هذا الصوت عبر الراديو والإذاعات المختلفة ولا أفهم لماذا اهتم صوت إسرائيل بإذاعة أغاني فيروز فحظينا بتشويق أذاننا بصوت شجي، كما اهتم التلفزيون الاسرائيلي ببث الافلام المصرية حينهافتابعها من سمحت له أوضاعه المادية بشراء هذه الشاشة العجيبة، مرور الوقت اشترى والدي المسجل وأصبح بمقدورنا اقتناء الكاسيتات لنستمع الى هذا الفن الجميل المميز، نحلق به ومع فيروز لنصل النجوم فعلاً بعدها اشترى تلفزيون فبدأنا نسمع ونشاهد كل ما تبثه المحطات اللبنانية والأردنية تحديداً.

وداعاً زياد الرحباني الذي اكتفى من الحياة فقرر المغادرة بعد أن اعتصر الألم قلبه وكبده حزناً على غزة وعلى سوريا بعد مكابدة عناء اللبنانيين وهو الذي رفض مغادرة لبنان زمن الحرب، رفض الهجرة وكل الأبواب التي فتحت له في روسيا، أوروبا وأمريكا مقررا البقاء مع أبناء شعبه في وطنه الغالي لبنان


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى