الخميس ١٣ أيار (مايو) ٢٠١٠
بقلم ميسون جمال مصطفى

في الفيس بوك أنا بائعة زيتون

أطل ذات مساء عبر شاشة الفيس بوك برسالة خاصة افقدتني صوابي، طبعا بعد سلسلة رسائل لا قيمة لها بنظري- ربما قد تكون تعنيه لأنه من كان يطرح الأسئلة، وكنت مجرد مستقبلة لها... شعرت من خفة دمه أنه مصري، سألته" إنت أكيد مصري"، فرد عليّ برسالتين كي يؤكد صحة تنبؤاتي" أنا مصري وابن مصري وبخفة دمي مصري وابن مصر الله عليه"، شعرت بنصر كبير، ها أنا بت أعرف من يتكلم معي عبر شاشة الانترنت من مجرد أن يفتح فاهه بكلمتين، عفوا بمجرد أن يكتب كلمتين... يا لي من خطيرة. أردف بعدها بسؤال" انت منين". قلت له" أنا من بلاد الزيتون والحنين"...

لم يسعفني الحظ كثيرا كي أستقبل رسالته فورا، فقد" روكب الكمبيوتر= يعني ما عاد يشتغل" واضطررت إلى أن أقوم بإعادة تشغليه، خمس دقائق كانت كافية لأعود أدراجي إلى الفيس بوك، لا لأرى رسائله وهو أصلا ليس على قائمة أصدقائي، بل لأتابع بعض أصدقائي المميزين الذين يأتون كل يوم بجديد.

فعلا نسيت أن أدخل إلى الرسائل كي أرى رد الأخ "الخفة"... ولكن بعد قليل أشار بريد الرسائل بإشارة حمراء. للوهلة الأولى لم تصدق عيني ما رأت، بالرغم من أني أرى على غرارها يوميا" يعني انت منين يا بائعة الزيتون"، تمالكت أعصابي، وقلت في نفسي لن أرد عليه، أيعقل أنه لا يعرف أن فلسطين تعرف بأرض الزيتون، وأن العدو الصهيوني دائما ما يقتلعها ويزرع مكانها شجر الغرقد. شجرة الزيتون المباركة التي ورد ذكرها في القران والانجيل والتوراة ... ! ربما هو مخطئ والتمست له سبعين عذرا، وكل عذر أكبر وأقوى مما قبله، ولكني في النهاية قررت أن أجيبه" أنا لم ولن ابيع أرضي، إن بعتها فليبعني دمي... يا أخي روح شوف مين بيبيع وبيشتري فينا".

يبدو أن الأخ الخفة، قد أحس أنه زاد من معيار خفته، فحاول تغيير الموضوع" أنا عملتك أد إضافة، يا ستي مين أدك إنت حتدخلي التاريخ بدخولك قائمة أصدقائي"، فعلا يا أخي سأدخل التاريخ... عفوا" ليه إحنا لسه ما دخلناش التاريخ، أقولك إشي من دون زعل التاريخ من غيرنا ناقص".

حاول أن يعتذرلأنه لم يفهم ما أقصد ببلاد الزيتون والحنين، وأنني أتحدث برموز هو شخصيا لا يعرف ما هي، حاولت أن أراجع حساباتي هل أنا فعلا صعّبت الإجابة، ربما، ولكن كثيرين بعمره يعرفون أن فلسطين تعرف ببلاد الزيتون، إن لم تعرف ببلاد الحنين، لأن الحنين ربما أمر خاص بنا، وقلت" يلا المرة الجاية راح أقول أنا من فلسطين، وحنشوف ايش راح يقول، يا بنت ما تصعبيش الإجابات، ليش حركاتك البايخة" وضحكت كما لم أضحك من قبل.
أرسلت له رسالة" أنا من فلسطين، بس هلأ لاجئة في لبنان؟ ما تقول ما بتعرف فلسطين؟" رد علي رد الوطنيين الذين يناصرون القضية الفلسطينية" هو يا بنت في حد ما يعرفش فلسطين، دي فيها المسجد الأقصى، وعلى قولتك بلاد الزيتون والحنين! هنيالك يا ستي بتشوفي لبنان وبتروحي فلسطين".

رافق ردي الحنين" مش عارفة ليه الحنين مسيطر عليّ" ... نعم أنا أرى لبنان يوميا، كلما أشرقت شمس" شرقنا البهية" التي نحبها في النهار، ونكرهها لأنها تخوننا عندما تنام في حضن الغرب ليلا، أما فلسطين إنني أعيش بها قبل أن ترى نبضات قلبي سحر الشرق الكاذب، وقبل أن تتلوث رئتي بدخان الغرب الآثم...أحسست أنني دخلت في شيء من الرمزية، فعدت له برسالة أخرى" يعني فيك تقول أنا بعيش فيها وما بعيش، أنت يا ابني مش سامع نزار قباني وهو بقول" لكل الناس وطن يعيشون فيه إلا نحن لنا وطن يعيش فينا" هذا القول الذي ملت أذني أن تسمعه وأن تراه حتى غدا شعار من لا شعار لهم، وصمت بعد أن حركت" الماوس" على كلمة"send".

انتظرت أن يرد، لكنه كان قد غاب، كما غاب يوسف في غيابة الجب"... ومرت الليلة الفيس بوكية بهدوء.
بعد يومين، وفي صباح لا يخلو من غضب في شوراع مخيمنا إثر ما يحصل للأقصى، وجدته يرسل لي رسالة" أسف المرة الماضية الكونكشن راح وما رجعش، بس عايز اقولك حاجة إحنا معاكم وقلوبنا معاكم"، أثلجت قلبي كلماته، كأنه حرر القدس، وأدخلنا إياها من باب الحديد، أو من باب المغاربة، وكأن القدس أصبحت تحت سيطرتنا، وطرقت رأسي أغنية الله أكبر فوق كيد المعتدي، الله أكبر للمظلوم خير مؤيد... وتخيلت نفسي في فيلم مصري في زمن الستنيات"، آثرت ألا أرد عليه، غيرت وضعيتي، مشيت قليلا تطبيقا لقول الرسول عليه الصلاة والسلام" إِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ قَائِمٌ فَلْيَجْلِسْ، فَإِنْ ذَهَبَ عَنْهُ الْغَضَبُ وَإِلَّا فَلْيَضْطَجِعْ" ورردت عليه" يا سيدي بارك الله بك، إحنا بدنا قلوبكم معنا، وبدنا إياكم معنا، وبدنا مدافعكم وطياراتكم وبدنا وبدنا....الخ، بس ما حدا معنا، نحن لحالنا... رد مسرعا" هو أنا في إيدي لإيه" قلت له" لا في ايدك ولا في ايدي، يا سيدي كما نكون يولى علينا".

وبكيت فعلا من كل قلبي، وحزنت عليه وعلى شعبي... هو عيّنة بسيطة من عالمنا العربي، هو فعلا لا يملك حلاً ولا يملك قرراً... وتساءلت ككل تساؤلاتي المُحيّرة... التي لا أجد لها جوابا ولا أجوبة قريبة" إحنا الشباب ايش ممكن نعمل حتى نغير، وإلا راح ابقى في الفيس بوك بائعة زيتون".

ومع نهار ومساء فيس بوكي جديد، ورسائل آخرى لا قيمة لها صباحكم ومساؤكم من صباح ومساء القدس" ما حدا يسألني كيف صباح ومساء القدس، وعلى قول إخوانا المصريين الحدق(الحدء) يعرف".

*ملاحظة: ليس المقصود بالمقال الشعب المصري- لأن فيه من الوطنيين من يعلموننا الوطنية- وإنما بعض الأشخاص الذين يعيشون على هامش الحياة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى