الأحد ٢١ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٨
بقلم عبد الغفور الخطيب

في دفاتر النرجس

سنواتٌ مرَّتْ
وأنا أكتبُكِ في دفاترِ النَّرجسِ،
وعلى جذوعِ أشجارِ الحورِ والصَّفصافِ،
وفي كتابِ الورودِ والأزاهيرِ،
وبينَ دهاليزِ المدنِ المنسيَّةِ وأزقَّتِها،
وعَبْرَ دروبِ الجبالِ والوديان.
 
وأنا أحفرُ حروفَكِ السِّحريَّةَ على الأحجارِ
وأنا ألوِّنُ اسمَكِ على صدورِ السُّحبِ..
وأنا أخطُّهُ في سجلاتِ الأمطارِ،
وفي وثائقِ الينابيع.
 
سنواتٌ مرَّتْ
وأنا أغنِّيكِ ألحاناً شجيّةً،
أمامَ المواقدِ الثَّملةِ،
وعلى الموائدِ الامبراطوريّةِ..
وأنا أَهَبُكِ زقزقاتِ حياتي،
ووشوشاتِ عمري..
وأنا أتعبَّدُ في محرابِ الحبّ،
أَبثُّكِ فيه أشواقي.
لم يضْنني الانتظارُ..
بقيَتْ روحي مشرقةً في سمائكِ الزَّرقاء،
تَشعُّ بنورها البهيِّ على الوجود..
لم أفتقدْكِ يوماً
فقد أصبحتِ عُنوانَ وجودي،
وسرَّ أسراري..
بتِّ تعويذةَ تاريخي ورصدَهُ.
 
سنواتٌ مرّتْ كحلم
وكلَّ يومٍ أحبُّكِ من جديدٍ
وأعشقُكِ أكثرَ وأكثرَ،
كأنِّي أراكِ أوَّلَ مرَّةٍ..
وكأنِّي ما التقيتُكِ منذُ سنواتٍ،
وعشقتُكِ في كلِّ لحظةٍ منها..
وكأنَّ يدي لم ترسمْك في صحائفِ العشقِ،
أو تخطَّكِ في كشكولاتِ الغيومِ كلَّ شتاءٍ،
أو تغمرْكِ بماءِ عطائها المسمَّى حبراً.
لم أسألْ نفسي يوماً
عن هذا الحبِّ المتجدِّدِ في داخلي،
عن هذا المخزونِ الهائلِ مِنَ العشقِ
الذي أمتلكُهُ في قلبي..
ومعَ ذلكَ
أراهُ لا يكفي لضفيرةٍ منْ ضفائركِ..
لابتسامةٍٍ من ثغركِ النَّبيذي..
لكلمةٍ تخرجُ من بين شفتيكِ
لقمرٍ يبثُّ نجواهُ أمامَ عينيكِ..
لهمسةٍ تهمسينَها للفجرِ..
لنظرةٍ تَخطَفُني من عالمي،
إلى حيث أنت.
 
* * *
...
ما زلتُ عندَ فنجاني أنتظرُكِ..
حزيناً أعيشُ بلا صدى لأنغامي
بلا صدى لأشعاري،
لهمساتي وتنهُّداتي،
وما زالَ فنجانُ القهوةِ ساخناً
ينتظرُ أناملَ فجرِكِ الورديِّ،
وطراوةَ شفاهِكِ الحمراء..
ينتظرُ إطلالَتَكِ الملكيّةَ على شرفةِ العُمْرِ.
تغنّيها الطُّيورُ..
تحفُّها مواكبُ الأفراحِ..
تحيطُ بها أمواجُ السّنا المتلاحقةُ..
تهللُ لها حدائقُ النِّرجسِ والياسمينِ
ونهرُ بنفسجٍ خجولٍ.
ما زال فنجاني ينتظرُ أيّامَهُ معكِ..
وفصولَه الأربعةَ..
ومداهُ الرَّحيبَ.
لم ييئسْ وهْوَ يخطو إليكِ مغرماً..
وما أصابه القنوطُ مِنْ تعنُّتِكِ..
فمداراتُه حبٌّ بحبٍّ
ولغتُه أجملُ من حديثِ فراشةٍ لزهرة.
 
* * *
حين أقلِّبُ صفحاتِ الأعوامِ الماضيةِ،
لا أجدُ سواكِ فيها معَ قصائدي..
مع خواطري ونصوصي.
خاليةٌ صفحاتي إلا منكِ ومن غبارِ السّنين الذّهبي.
امتلكتِ كلّ الصفحات !
بما تحتويه من أحداثٍ وأخبارٍ وشخصيات.
استحوذتِ على كلِّ شيءٍ يخصُّني!
صرتِ في نسيجِ أوراقي؛
ما قبلَ البياضِ، وما بعدَ الهطول.
سنواتُ حبِّي لكِ عُجِنَتْ ألفَ عامٍ،
ثمّ اختمرتْ ألفَ عامٍ أخرى..
ثمّ ولدَ النَّرجسُ في كفَّيكِ
وباحَ لك بسرِّه في جلسةِ عشقٍ واحدة..
تشهدُ على ذلكَ
بحيرةُ حبرٍ أغمسُ فيها قلمي منذُ سنينَ،
وأوراقٌ لم تعدْ تعرفُ غيرَ اسمِكِ،
وسطورٌ تسافرُ إليكِ كلَّ يومٍ،
وطاولةٌ أصابها هذيانُ الحبّ،
ومصابيحُ أرهقها سهرُ الليلِ.
 
غجريٌّ أنا على مرمى قبلةٍ ورقصةٍ
لا أعرفُ نفسي إلا من خلالِ عطرِكِ
ومن خلالِ ما نسجناه
عند زهرة نرجسٍ، وباقةِ بنفسج.
 
غجريٌّ أنا...!
ومدني..
وإقطاعي..
وارستقراطي..
صفيني بما شئتِ
المهمُّ أنِّي عاشقٌ حتّى العشقِ والفناء..
إنِ ابتسمتِ سُررْتُ
وإن بكيْتِ حزنتُ
وإن مرضتِ عانيتُ
لأنَّكِ النِّصفُ الأخطرُ من روحي.
* * *
...
أمامَ ملايينِ الحروفِ التي قرأتُ وكتبتُ
أقولُ أحبُّكِ
وأعلنُ أنَّ عُمْراً واحداً
لا يكفي لحبِّكِ.

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى