الأحد ٢٧ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٩
العلوم والتكنولوجيا تحت مظلة الجمال

في فـــن التصــميم

أ.د إيــاد حســين عبــدالله

لم تكن فكرة ولادة فن التصميم بمشكلة عابرة، أو حدث، أو اسلوب فني ظهر بفعل مؤثرات مرحلة تاريخية، كما هو الأر مع المدارس الفنية في أوربا، أو في أماكن آخرى من العالم، والتي قامت على انقاض بعضها، فكانت ولادة كل منها تعني موت سابقتها، وإنما هو نتاج حتمي لحركة الحياة وتطورها في كافة الميادين دونما استثناء، ولغة عالمية وعلمية وجمالية وتقنية وصناعية وانتاجية وتسويقية يحتكم اليها إنسان هذا العصر في أدق مفاصل حياته ووجوده. ولعل دراسة منهجية معمقة تكشف اللثام اليوم عن اكبرظاهرة حضارية - فن التصميم - كانت محصلة طبيعية تعلن بان هذا الفن هو قضية حتمية تقترن باكتشاف اخر النظريات في العلوم كافة، ومن المنطقي القول أن كل النظريات والأشياء التي تنتفي الحاجة اليها تسلك طريقا إلى الزوال، خاصة إذا صح القول بان الحاجة أم الاختراع، فإن الاستغناء أو العزوف هوسبب الاندثار، وهكذا يعلن هذا الفن ديمومته وضرورته بقوة مقترنا بكل ما هو أفضل وأحدث وأجمل.

جوهر فكرة التصميم

ولما كان جوهر الفكرة في فن التصميم هو وجود حاجة إنسانية على المستوى المادي والفكري وبصورة مستمرة لاتتوقف على مدى الايام، فان الحديث عن هذه الحاجة تعني الحديث مبدعين ومكتشفين، وعن مناهج ونظريات وعلوم ذات افاق واسعة جدا، افقية كانت أم عامودية، اجتمعت لتعمل في نسق واحد. وهي ظاهرة حديثة وفريدة في تاريخ فلسفة العلم، حيث كانت العلوم تتطور بمعزل عن بعضها إلى حد كبير، ولتدخل التاريخ الانثربولوجي للإنسان في مرحلة تاريخية جديدة تعيد معنى طبيعة العلاقة بين الإنسان وموجودات الحياة اليومية وفق اسس جديدة.

وعليه فان الفكرة الخلاقة في التصميم ذات المستويين الابداعي والبزوغي تسعى دائما إلى تحويل الفرضيات – لدى المبدع - إلى حقائق، وازاحة الحقائق القائمة بعد أن عجزت الياتها عن اداء اسباب وجودها وديمومتها امام مستحدثات الامور. وحقيقة هذه الالية كانت السبب الرئيس في سنة تطور كل الافكار والنظريات والأشياء على مدى التاريخ.

لغــــة الشـــــكل

تولد الحقائق الجديدة في فن التصميم في شكل جديد، يستورث ويختصر تاريخ كل القيم الجمالية بمدارسها واساليبها ومعانيها وثقافاتها المتعددة، لان طبيعة المحتوى الإنساني لفن التصميم كنسق، تجاوز كل الحدود والفواصل، الجغرافية والعرقية والقومية واللغوية والاثنية، ومهما تعددت نظريات الشكل واساليبها المونوفولوجية أو الظاهراتية فقد اقترن الشكل في التصميم بذلك المحتوى وبالوظيفة، كما اقترن بكل ما هو جديد.

وتقترن لغة الشكل في فن التصميم باللغة البصرية لتحيل الخطاب الجمالي فيه إلى الثقافة البصرية وما يمتلكه من الاف الصور المختزنة في الذاكرة، فيجعل هذا الفن في مواجهة مباشرة مع علم النفس والبصريات والسيمياء والاتصال، وقدرتهم على تيسيرعملية الرؤية والادراك والياتهما واللتان تؤديان إلى عمليات اخرى كالفهم والتاويل والتفسيروالاقناع.

قيــــم فن التصــــميم

يسعى فن التصميم إلى الوصول إلى صفات الابتمال والتكامل عن طريق تحقيقه اربعة قيم اساسية، ولايمكنه أن يتخلى عن اي منها وهي: ( الوظيفية / النفعية / الاستخدامية / التداولية )
وتتبادل لغة الشكل مع القيم الاربعة حوارا منطقيا كبيرا – لامجال للولوج فيه – تبرز اهمية تحقيق التصميم لاهدافه بصورة موضوعية.

فالشكل والوظيفة مثلا، في لغة التابع والمتبوع يكونان عنصرين متلازمين يفقد احدهما قيمته دون العنصر الاخر، هنا تكسب الوظيفة سبب وجود الشكل، والا فما قيمة قلم جميل لايكتب أو مافائدة عجلة لاتدور....؟ اي أن الشكل في التصميم يكسب معناه فقط من خلال ما يؤديه من وظيفة. وحقيقة الامر لايقف التصميم في حدود الوظيفة لانها واحدة من قيم عديدة تجعل من التصميم حقيقة موضوعية.

ضرورة فن التصميم

ولمعرفة ما يشتمل عليه فن التصميم والعلوم التي تتعلق بذلك، يكفي النظر إلى كل ما حول الإنسان، مما يتداوله في حياته اليومية، من عمارة ووفضاءات واثاث واجهزة وادوات ومعدات وملبوسات ومطبوعات ووسائل نقل ووسائط واغذية وادوية واسلحة ومواد ومستلزمات وتقنيات.... الخ، وكل العلوم التي تتعلق بها كل هذه الأشياء من هندسة وفيزياء وكيمياء ورياضيات وعلوم النفس واجتماع وفلسفة وسيمياء واتصال، وعمليات الصناعة والانتاج والخزن والتوزيع، وكثيرا جدا من التفاصيل المتعلقة والامثلة الكثيرة، فتصميم واسطة نقل حديثة يشترك في وجودها الميكانيك والهندسة والكهرباء والانارة والحركة والالكترونيات والفيزياء وتقنيات ونظام المرور، وكثيرا من المعادن والمواد والمستلزمات والاثاث واليات العمل والتشغيل والسرعة والامان والصناعة والانتاج والتسويق.... الخ، كل ذلك تحت مظلة شكل جميل جذاب يحقق ( وظيفة، واداء، واستخدام، ومنفعة ) كل تلك الخامات والمواد والتقنيات. وهذا الشكل يصاغ يوميا بلغة العصر المختلفة، التي تعيد ترتيب الذاكرة البصرية والخطاب الجمالي الذي يتوق اليه الإنسان. انها طريقة فذة لاشاعة الجمال ونفاذه إلى أدق التفاصيل ذات العلاقة بالحاجات والمقاييس الإنسانية.

التصميم واشكالية المنتج والمستهلك

يتضح مما سبق أن جوهر عملية التصميم تقترن بعملية خلق واكتشاف كل ما هو جديد وصناعته وانتاجه وتسويقة، وهذه العمليات وان تجسدت في نهاية الامر بالموجودات المادية للإنسان الا أن حقيقة العملية الانتاجية هي عملية فكرية خلاقة تنتج الافكار والنظريات الجديدة التي تتحول إلى وجود مادي في خدمة الإنسان، وبمعنى اخر فان التصميم الجديد كاكتشاف وحدث وقضية يتعلق بين منتج ومستهلك، منتج ينتج الفكر والابداع وخلق الأشياء، ويصوغ مفردات الحياة وفق رؤيته الخلاقة، ومستهلك تابع ينبهر يوميا بكل ما هو جديد ومفيد ليدفع ثمنه.

وهنا يتضح بجلاء سطوة تصميم الشكل الجديد وجمالياته الخلاقة بالتحكم بعمليات التصميم والصناعة والانتاج والاقناع والادراك والاذواق والسلوك والتسويق وراس المال والجدوى والاقتصاد.

في فن التصميم فقط ينفذ الجمال إلى كل موجودات الحياة ومستلزماتها وليتحول من الندرة والاحتكارالى الكثرة والشيوع، ليكون في متناول كل البشر وليرتقي بهم في كل يوم، مع ظهور كل شيء جديد وجميل.

أ.د إيــاد حســين عبــدالله

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى