السبت ٢٢ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٠٨
بقلم جمال غلاب

قراءة في السيرة الابداعية والذاتية لأرتير رامبو

إنني أعرف مثل المسلمين أن ما هو مكتوب ينبغي أن يقع وهذا كل شيء ّ من توقيع ّ أرتير رامبو وهو على فراش الموت ّ.

مئات الأبحاث والدراسات والمقاربات التي نشرت بمختلف اللغات الحية عن هذا الشاعر الأعجوبة، ولكن ليس ثمة من وفق إلى سبر أغوار هذا الانقلاب الذي أصاب رامبو ّ من شاعر تفيض جوانحه صورا والوانا ومعان إلى متمرد، ويؤذيه أشد الأذاء أن يذكره أحد بماضيه الابداعي بقولهّ: لقد ذهب ذلك الماضي ولست أفكر فيه بعد ّ فما هذا الطلسم المغلق؟ وما هذه الأحجية التي استعصى تفسيرها؟ ولفتح الأولى وتفسير الثانية يجدر بنا الرجوع إلى ديوانه لرصد الكثير من المحطات بحياته. قصد السباحة في نهر ابداعه من منابعه الأولى إلى مصبه.

وأول سؤال نطرحه من يكون ّ ارتير رامبو ّ؟ ولد ّرامبوّ بمدينة شارل فيل الفرنسية في 20 أوت 1854 من أب كان نقيبا بالجيش الاستعماري الفرنسي المتعفن والمشحون بارهاب والمتغطرس... الموعز إلى التخلف الاجتماعي والثقافي والحضاري وفي عنفوان هذا التناقض وو حشيته. ولد رامبو الشاعر الفرنسي الذي بلبل الغنائية الفرنسية، وأرهص بالرمزية الحديثة وكان أصغر عبقري من عباقرة الشعر في العالم.

كان في الخامسة عشرة من عمره حين تفتحت عبقريته الشعرية العجيبة وقد ظل يكتب طوال خمس سنوات ثم اذا به يصمت وهو في كامل قواه العقلية والصحية... فما السر في ذلك يا ترى؟ هل هي صرخة مبدع وصدى لوجع عميق بنفسيته المعذبة؟... هل هي ردة فعل للاعلان عن أزمة؟ أم هو أقصى درجات التعبير للتعبير عما لا يعبر عنه؟ ازاء الخلل الخطير الذي تسرب إلى المبادئ الانسانية لثورة المبدعين والمفكرين الفرنسيين؟ المؤسسة على الأخوة والمحبة والعدالة؟. وما سايرها من انحرافات كالسطو والاعتصاب والابادة لكل الجزائريين.

أن مبدعا مثل أرتير رامبو الذي ترسخت فيه المبادئ الثورة الفرنسية النبيلة لا يمكنه أن يتعايش مع عالم يتناقض فيه الخطاب الثقافي مع الخطاب السياسي بل الخطاب برمته مع الممراسات؟ وانتقاما من هذا الوضع المتعفن فقد ركل ّ رامبو ّ الشعر بقدميه ثم ولى وجهه شطر الدنيا يضرب في طرق الشرق والغرب سعيا وراء النجاة بضميره من خلال خنق عالمه الداخلي ليعيش عالمه الخارجي وهكذا مات الشاعر الذي أبدع خمس سنوات فقط وولد الهائم على وجهه في صحاري العرب بحثا عن سحر الشرق؟. بين الإ سكندرية وعدن ليعيش عشرين عاما.... مات صاحب القثارة التي أنشدت أغاني سفينة السكرى ودمعة وانشودة أعلى الأبراج، ومجموعتي الاشراقات، وفصل الجحيم، وقصيدة ّ يوغرطا ّ الأمير عبد القادر الجزائري، وولد الهائم على وجهه..في صدره حكم ونفسه غليان؟...الهائم على وجهه الذي يتاجر بالسلاح والبخور والمسك والتمر بين هراري وقبرص واليمن حتى اذا جمع بعض المال أصيب بمرض في ساقه أدى إلى قطهعا ثم انتشر مرض السرطان في عظامه فمات به وهو في السابعة والثلاثين.

لماذا تراه أثر الهجرة إلى الشرق؟ ومن يكون هذا الشرق؟ الاجابة نجدها مدفونة في تركته التي تتمثل في أشياء بسيطة لكنها ذات أصداء بعيدة قليلة ولكنها مفيدة رخيسة الثمن ولكنها عظيمة المعنى انها بإيجاز طابع من الشمع رسمت عليه حروف عربية فأحالوه على المستشرق الكبير ّ ما سينيون ّ الذي قرأ عليه ّ الحمد الله وحده ّ وقرأ عليه عبدو رامبو أي عبد الله رامبو وعليه نقال لبان أي تاجر بخور....و قد ذكرت أخته ازبيل انه كان يردد وهو على فراش الموت عبارة ـ الله كريم... الله كريم... الله كريم بالعربية الفصحى. ولماذا نذهب بعيدا لقد كتب إلى ذويه وهو في عدن بقوله ّ انكم تحدثونني عن الأنباء السياسية ليتكم تعرفون مقدار عدم اكتراثي لهذا كله انني لم أقرأ صحيفة منذ عامين وأن جميع هذه الأمور أصبحت لدي غير مفهومة انني الآن أعرف مثل المسلمين أن ماعو مكتوب ينبغي أن يقع وهذا كل شيء

مقولة رامبو، الأخيرة في رسالته الموجهة إلى اسرته تنطوي تحتها الكثير من الاحتمالات والتأ ويلات وتبيح لنا القيام بعملية الربط بينهما وبين ما كان يحدث من سخط وعدم الرضا على ما آلت اليه سياسة النظام الاستعماري الفرنسي وأول عناصر الربط هذه الأصداء التي تركتها عملية الافراج عن الأمير عبد القادر الجزائري التي تمخض عنها الاحساس بالذنب من أغلبية الأحرار الفرنسيين وأول المعتذرين كان نابليون الثالث بقوله وهو يوجه كلامه إلى الأمير عبد القادر ّ انكم جلبتم دقة نظري وأستلزمتم محبتي بما اشتهرتم به من خصال حميدة وبسالةو شجاعة وجميع ما ابرزتموه من أنواع المدافعة عن وطنكم...و لا أنظر اليكم بنظرة أسير بل بضيف يحترم ّ....اضافة إلى ما نقله أحد الكتاب الفرنسيين من مقارنة بين استقبال باريس لعبد القادر الجزائري واستقبالها للجنرال السفاح ّ لا موريسيه ّ الذي حارب الأمير عبد القادر الجزائري في الجزائر وكيف أن ذلك الجنرال السفاح يمشي في طرقات باريس فلا يلتقت اليه أحد في حين يدخل الأمير عبد القادر الجزائري فاتحا وكل الفرنسيين يتزاحمون لمشاهدته.

يقال أن كل هذه الخصال الحميدة التي أنضجتها ثقافة الرجل وتربيته السليمة ألهمت الشاعر المتمرد رامبو الذي بعد تفتحه على لغة العرب واختلاطه بهم أشاد ببطولة الأمير عبد القادر في قصيدة باللغة الفرنسية عنونها ّ يو غرطا ّ وكانت لا زمتها عبد القادر ســــــــــليل يو غرطا ّ.

لقد تعلم رامبو ّ من رحلته إلى الشرق أشياء كثيرة من الحضارة الشرقية تعلم وأقتنع أنها مؤسسة على سؤال مفاده لماذا؟ عكس الحضارة الغربية التي ركلها رامبو بقدميه والمفضلة لسؤال كيف؟ وفي رحلة بحثه في مرامي السؤالين وما تضمناه من احتمال الواقع والواقع بالذات تيقن أن سؤال لماذا؟ يؤدي إلى حضارة انسانية متوازنة يتسع افقها للجميع وسؤال كيف؟ غايته شوفينية... عنصرية... تولوتارية مقيتة ووسيلة للقضاء على ألآخر قصد الوصول إلى فرض حضارة القوة وليست قوة الحضارة؟. وللتدليل على ما سلف ذكره ندرج مقطعا من اشعاعات من ديوان ّ رامبو ّ ـ وأرسلت إلى الشيطان أكاليل الشهداء واشعاعات الفن وكبرياء المخترعين الخلاقين وعدت إلى الشرق... والى الحكمة الأولى الأبدية ـ ويضيف ـ مدن انه شعب نصبت له هذه اللبنانا ت الحالة...قصور من بلور تتحرك على سكك لا ترى....( ما اعظمها من حضارة ولدت بشرقنا الشامخ ).

و الحق أنه كلما حاولنا تلمس حقيقة رامبو الا واعترض منحى تفكيرنا سيل جارف من الأسئلة الحارقة المقلقة... لماذا رامبو طعن آلهة الشعر وقد عبدها خمس سنوات؟ وجادت عليه بأنفس وأغنى عطاياها؟ لماذا انصرف عنها إلى دنيانا العادية المبتذلة؟ وهل في انصرافه عن الشعر تكمن سر عبقريته؟. تا بع الحلقة الثانية لمعرفة بقية التفقاصيل ـ


مشاركة منتدى

  • كنت قد اقتنيت ديوان الشاعر ارثر رامبو "فصل في الجحيم"،عندما كنت طالبا ،من باعة الكتب القديمة.كنت اتصفحه بين الفينة و الاخرى محاولا استكناه اغواره و استكشاف اسراره التي بدت لي منيعة وقتءذ،عصية على الفهم.لكن ،و مع ذلك،لغة الشاعر قاتنة تاسر متذوقها..
    ساعود للبحث عن قصيدته الاي كتبها عن الامير عبد القادر الجزائري لاكتشفها من جديد و اتعرف عن سر اعجاب شاعرنا بالمقاوم الاسطورة...

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى