قراءة نقدية لفيلم «هيليوبوليس HELIOPOLIS»
فيلم هيليوبوليس،جديد المخرج جعفر قاسم.
الفيلم الذي جمع شمل العائلات في قاعات السينما من جديد بعد أن كانت فارغة و مغلقة لأكثر من سنة.
الفيلم عبارة عن قصّة مُستوحاة من حقبة تاريخية في الجزائر إبّان الاستعمار الفرنسي و يُجسّد أبشع جرائم فرنسا التي لا و لن تُنسى ما دمنا نتنفّس و نكتب و نُذكّر أبناء جيلنا و الأجيال القادمة.
هيليوبوليس يحكي عن زمن الكولون الذي عمل لصالح فرنسا و كيف كانت امتيازاته من بيت فخم و عبيد و حقول، لكنه في المقابل باع نخوته و كرامته و ووطنه للعدوّ و بقي عبدا مطيعا لأسياده.
الفيلم كان جدّ رائع من حيث الصورة، الألوان، الشوارع و الثياب التي عادت بنا كلها عبر الزمن لتلك الفترة بالذات.
محفوظ ابن الكولون الشاب الذي رفض إتمام دراسته و ترك بيته بترفه ليلتحق بأصدقائه المناضلين الشجعان.
إنه الابن الذي عشق ميصالي الحاج و كان يتوق للقاء فرحات عباس، ليكون في نهاية المطاف ضمن من حضر لمظاهرات 8 ماي 1945 الخالدة.
استشهد في الأخير رميا بالرصاص على مرأى والده الذي ترجى قاتله و أصبح كلبا مطيعا يُكرّر كل كلمة بعده.. الاب الذي ركع تحت علم فرنسا لأجل اطلاق سراح ابنه الوحيد.. رغم أنّ محفوظ رفض صارخا في وجه أبيه حتى لا يُطيعهم فيما أمروه و فضّل الموت برجولة و شموخ رافعا رأسه عاليا لأجل جزائر حرة.
* الفيلم رغم إبداع المخرج فيه لنقل رسالة للمتفرّج إلاّ أنه مليء بالهفوات التي سأذكرها كما يلي:
– اللغة الفرنسية الغالبة في النص و السيناريو و الحديث في الفيلم رغم وجود الترجمة الفرنسية في أسفل الشاشة.
كان الأحرى و الأجدر أن يبقى النص جزائريا خالصا باستثناء كلام الفرنسيين بالفرنسية ليكون للفيلم هيبة و حضور قويّ في دور السينما الغربية أو شاشات التيلفزيون الاوروبية.
– ابن الكولون محفوظ و هو على علاقة غرامية مع فرنسية!!
أيُعقل من باب المنطق أن يفعلها مناضل شاب ترك مستقبله وراءه لأجل هويته و كرامته و حرية وطنه؟!
ألا يُعتبر هذا تشويه لمن ضحى بروحه و أغلى ما يملك لأجل الوطن؟
– ما غاب عن المشاهد الجزائري في ابنه الكولون
لالة نجمة.
من خلال معرفتي و ربط الأحداث،اكتشفت أن المخرج جعفر قاسم له قراءة سابقة للروائي و المسرحي الخالد كاتب ياسين و رائعته (نجمة).
حيث أنّ جعفر قاسم استلهم شخصيتها في هيليوبوليس من خلال أنها كانت ممرضة و عالجت المرضى الذين آويتهم لمنزلها و أخفتهم في الاسطبل و أشرفت على علاجهم بعد أن رفض والدها وجودهم.
عصت أوامره هذه المرة لأنها تحمل روحا ثائرة و مناضلة على خطى أخيها الشهيد محفوظ.
إنها نجمة الثائرة و الاستثنائية على مرّ الزمن في عين كاتب ياسين.
– المشهد الغائب و الذي كان سيجعل الفيلم رهيبا جدا هو مظاهرات و مجازر 8 ماي 1945 التي خلّفت قتلى و هي وصمة عار في تاريخ فرنسا الدمويّ.
– المشهد الذي أزعجني كثيرا و أزعج غيري كمشاهدين هو خطاب فرحات عباس وسط جمهوره من المناضلين باللغة الفرنسية!!
هل يُعقل أن يطمس فرحات عباس لغته و يُغيّرها للغة العدوّ في خطاباته؟؟
* في الأخير أقول:
الجميل و الرائع في هيليوبوليس أنّ التمثيل كان في القمّة.
الممثلين أدّووا أدوارهم بجدارة ليُبرهنوا أنّ التمثيل لأصحابه الحقيقيّين.
و أنا بدوري أحييهم لعملهم الجبار هذا الذي أعادنا بعجلة التاريخ لأحداث مؤلمة حدّ الوجع.
سأقول من خلال ملاحظاتي و مشاهدتي أنّ كل من دخل قاعة السينما و خرج منها كان حزينا و كئيبا لأنه عاش أحداث الفيلم بوجع من ضحّى و استشهد في سبيل الجزائر، لأجل من عُذّب و شُنق و عُلّق على الأشجار عاريا لأجل كلمة: ( تحيا الجزائر..).
شكرا لك جعفر قاسم لهذا الفيلم التاريخي الذي سيجوب كل قاعات السينما و سيكون ذو بصمة دولية منافسة للأفلام.
تمنياتي لك بدوام التألق و الإبداع و النجاح بقلمك و رؤيتك و إخراجك.