قميص يوسف
كان يُوسُف جائعًا
لم يدخل جوفه طعامًا منذ ليْلَة أمْس
تلك اللَّيلة التي اشتد فيها الضرب
وتحوَّلت غزة إلى حمَّام دم
أطلال بيتنا الذي تعرَّض للقصفِ
لا يوجد به كسْرة خُبز واحدةٍ تسد الرَّمَق
ويُوسُف ابن الخَامِسة لا يزال يتَضوَّر جوعًا
قالت أمّي وهي تتقطع مِن بكاء يُوسُف: «يا بُني ثمَّة مخزن للطحين، يوزعه على الجائعين، نأخذ منه ونجهز العجين للخبز»
قلت لها سأذهب إلى المخزن وحدي
لكنَّ يُوسُف الجائع أراد الذهاب معي
فلم أرد له طلبًا
في الطَّريقِ إلى المخزنِ أشفقت على شقيقي الجائع
لعنت الحرب ألف مرَّة
وتساءلت باستهانةٍ: «لم لا تخرج من فوهة الدَّبَّابات وردات؟
وكيف تحوَّلت القُرنفُلة إلى قُنبُلةُ، والحَمائِم إلى غِربان!»
ملعونة الحرب في كل وقتٍ وحين
في مخزن الطحين فزت بكيس يزن كيلوجرام
كان يُوسُف سعيدًا به
قال بابتهاج طفولي: أخيرًا سنعجن ونخبز ونأكل
وكل ما أذكُرُه بعد ذلك وجودي على سرير طبي في مشفى قريب!
وهنالك عرفت كُل شيءٍ
هبطت قنبلة من السَّماء، ألقتها طائرة الأوغاد
فحوَّلت المخزن إلى كومة مِن الرَّمَادِ
وأنا أعاين جُروحي؛ انذعرت وقتما لم أجد يُوسُف بجواري
صرخت باسمه بجزع مِن دون مجيب
اقترب مني طبيب وألقى عليَّ كلمة بمثابة قُنبُلة!
أخبرني باستشهاد يُوسُف
ثُمَّ أعطاني قميصه شاهق البياض المخضب بدمهِ
صرخت صرخة مدوية
لا ريب إنَّها بلغت عنان السَّماء، وارتجَّت لها جنبات المشفى
في طريقي إلى أمي كُنتُ مترنح الخُطى
أقبض على قميص يُوسُف
لا أرى أمامي مِن سَوْرَة البُكاء
عند أطلال البيت استقبلتني أمّي
سألتني بوجل عن صغيرها
قلت وقد ارتَفَع نشيجي:هاك قميصه يا أُمّي، كل ما تبقى منه!
واستطردت قائلاً ودموعنا تنهمر كالسيل:
المؤكَّد أن يُوسُف لن يجوع بعد الآن يا أمَّاه.