الاثنين ٢٠ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٢٣
بقلم علي بدوان

كتابنا الجديد«كيان تحت التشريح»

كتابنا الجديد
كيان تحت التشريح (الديمغرافيا والطبقة، الميثولوجيا والدين، الحياة الحزبية)

المؤلف علي بدوان: كاتب سياسي فلسطيني

اصدار اتحاد الكتاب العرب:

تاريخ الإصدار بداية تشرين الثاني/اكتوبر 2023

عدد الصفحات 150 صفحة

فهرست الكتاب

الفصل الأول: تزاوج الأيديولوجيا والميثولوجيا

الفصل الثاني: الهجرة التوسعية الكولونيالية

الفصل الثالث: يهود العالم والتراجع الزاحف للفكرة

الفصل الرابع: العنصرية الصارخة بثوب القلق الديمغرافي

الفصل الخامس: ديناميات التحولات الحزبية الاسرائيلية

الفصل السادس: الدولة اليهودية النقية خلف التاريخ

خاتمة: هم عابرون ونحن عائدون

مقدمة الكتاب

المشروع الصهيوني وانحسار المستقبل

شكلت الهجرة الاستيطانية التوسعية الاجلائية اليهودية إلى فلسطين العماد الرئيس للمشروع التوسعي الكولونيالي الصهيوني. فبدأ المشروع الصهيوني أولى خطواته، في إقناع اليهود بالهجرة من أماكن وجودهم الأصلية إلى فلسطين، وهي العملية التي توقفت عليها عملية رفد وبناء الكيان الصهيوني بالطاقة البشرية من اليهود، والتي كانت بدورها أيضاً الهدف الأساسي لجهة اجتذابي مزيداً من المهاجرين اليهود لتحقيق التفوق الديموغرافي المطلق على العرب الفلسطينيين في أرضهم وعلى حساب حقوقهم الوطنية والقومية، فاستلهمت الحركة الصهيونية العالمية شعارات تيودور هرتزل، وتلاميذه، ومنها الشعارات التي قامت عليها فلسفة البناء الصهيوني وفق قاعدة "عبرية الأرض والعمل" بينما خطت أوربا الغارقة آنذاك في حروبها الاستعمارية طريق الخلاص من يهودها عبر إحلال منطق التصدير، وخلق بؤر دائمة الاشتعال في العالم، خصوصاً في الشرق الأوسط.

وتبعاً لذلك استطاعت الحركة الصهيونية بالتحالف مع بريطانيا والغرب عموماً في لحظات تاريخية طارئة، من إنشاء الدولة العبرية في أيار عام 1948، أي بعد واحد و خمسين عاماً من انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول في مدينة بازل السويسرية، ونجح قادة الحركة الصهيونية من اجتذاب (650) ألفاً من يهود العالم عبر عدة موجات هجرة لليهود من دول العالم باتجاه فلسطين، مستغلين الظروف السياسية السائدة في دول الشرق وغرب أوروبا وبعض دول الشرق الأوسط. وعليه، شكلت الهجرة اليهودية الاستعمارية إلى فلسطين، المورد الأساسي المطلوب لتوفير القاعدة السكانية الضرورية لإقامة وتنفيذ المشروع الصهيوني في فلسطين، ولاحقاً لتعزيز هذا الوجود السكاني، ورافق هذا التوجه الصهيوني محاولات إنشاء اقتصاد صهيوني قوي حتى يكون عامل جذب قوي ليهود العالم إلى فلسطين المحتلة، هذا جنباً إلى جنب، مع مصادرة مزيد من الأراضي الفلسطينية وطرد ما أمكن من سكانها العرب الفلسطينيين لتحقيق التفوق الديموغرافي من خلال الترانسفير الصهيوني المنظم، فضلاً عن إنشاء جيش صهيوني قوي لحماية الإنجازات التي حققتها الحركة الصهيونية ووليدتها إسرائيل فيما بعد.

ولكن، الآن وبعد عقود من عمر الدولة الاسرائيلية الصهيونية فان التحولات التي تحكمها صيرورة الأشياء وقوانين المجتمع والتاريخ، أصبحت تفصح عن نفسها، وتحديداً بعد التطورات الكبيرة التي عصفت بالمنطقة وبمسار التسوية المعطل على الجبهة الفلسطينية كما السورية، فمجرى التسوية اصطدم من جديد أمام العوائق الهائلة، ودخلت المنطقة وعملية السلام أو بالأحرى التسوية إلى مزالق الانهيار الكبير، وتحديداً في ظل الانتفاضة الباسلة القائمة على أرض فلسطين والتي انطلقت شراراتها في (28/9/2000) بعد فشل مفاوضات كامب ديفيد الثانية في (تموز/يوليو 2000). حيث تشهد ومازالت الحياة السياسية والفكرية الاسرائيلية الصهيونية نقاشاً محتدماً يتعلق بمصير الكيان الصهيوني ومستقبله كالنقاشات الحالية الجارية منذ سنوات خلت داخل الأحزاب والنخب العسكرية والسياسية، وتحديداً منذ انطلاقة الانتفاضة الفلسطينية الأولى نهاية العام 1987. فقد أمسى الحديث عن مستقبل "كيان إسرائيل" عنواناً حاضراً بشكل استثنائي لأول مرة وسط كل مظاهر القوة والبطش والغطرسة التي تمارسها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني وعموم المنطقة. حيث بات الكثير من اليهود يعتقدون أن مستقبل إسرائيل ومكانها في الشرق الأوسط أصبح على محك التساؤلاتً كما لم يكن لعدة أجيال، ولسان حالهم يقول: هل ستبقى الدولة اليهودية على قيد الحياة؟ وبأي ثمن؟ وبأي هوية؟ وهل يمكنها أبدا أن تعرف السلام؟.

ومن الطبيعي القول بأن مرد هذا الانتقال في منحى التفكير المستقبلي عند النخب الاسرائيلية الصهيونية يعود لجملة من الأسباب المنطقية التي فرضت نفسها على أرض الواقع. فالثقة بمستقبل إسرائيل باتت ضعيفة جداً، بالرغم من التناقض الظاهري بين قوة آلة إسرائيل العسكرية والمخاوف على مستقبلها، ففي حين أن الآلة العسكرية الاسرائيلية نفسها اقوي من أي وقت مضى، فان ديناميات التحولات الجارية في المنطقة خصوصاً مع نهوض الشعب الفلسطيني وثباته فوق أرضه جعل من فكرة إسرائيلي ومستقبلها عرضة للسقوط أكثر من أي وقت مضى منذ الخمسينيات.

وعليه ليس غريباً أن يقول واحد من غلاة الصهاينة، هو الجنرال شاؤول موفاز رئيس الأركان الإسرائيلي أثناء عملية السور الواقي التي جرت ضد الفلسطينيين أثناء حصار الرئيس الراحل ياسر عرفات "إن الحرب التي تخوضها إسرائيل اليوم أهم لمستقبلها من حرب الاستقلال عام 1948" والذي يعنيه رئيس الأركان الإسرائيلي السابق هذه الحرب الدائرة اليوم على الساحة الفلسطينية في الداخل بين الاحتلال وقوى الانتفاضة الفلسطينية، والتي لا مقارنة في القوة العسكرية بين طرفيها الإسرائيلي والفلسطيني. كما ولايخفي شاؤول موفاز قوله بأن الحرب ضد الفلسطينيين تعتبر حرب تأمين ركائز "الدولة العبرية الصهيونية" التي تتعرض كما قال ولأول مرة منذ تأسيسها للمخاطر ولضربات قاتلة من المقاومة الفلسطينية، حيث يترافق مع فعل العمل الفلسطيني الوطني المقاوم توالد ظاهرة الهروب من الخدمة العسكرية في إسرائيل. فالدولة التي قامت على العسكرة من أول يوم في حياتها، أصبحت تعاني من الظاهرة إياها، وهي ظاهرة تشهد تصاعداً في "إسرائيل" بمعدلات غير مسبوقة في مجتمع قام على العسكرة، حتى أن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الجنرال غابي اشكنازي قال في خطاب ألقاه في مقر سلاح الجو الإسرائيلي في هرتزليا في (31 يوليو/تموز 2008) "إن ظاهرة التهرب من الخدمة العسكرية تنهش المجتمع والجيش في إسرائيل".

وعاماً بعد عام تتصاعد معدلات القلق داخل المجتمع الإسرائيلي فهذا الجنرال (موشيه يعلون) الذي كان يشغل منصب رئيس هيئة الأركان في الجيش الإسرائيلي، وقائداً أمنياً بارزاً، والذي امتدح قدرة ما أسماه "الشعب الإسرائيلي" على الصمود في الصراع الدائر مع الفلسطينيين، اضطر في تصريحات علنية إلى الاعتراف بأن قدرة المجتمع الإسرائيلي على الصمود محدودة للغاية، بل وأقرّ بصواب نظرية المقارنة بين خيوط العنكبوت ودولة إسرائيل. فهل من مستقبل للكيان الصهيوني في بيئة عالمية متغيرة تشهد كل يوم إرهاصات توالد عالم متعدد الأقطاب، وانحسار النفوذ الأميركي والغربي عن الشرق الأوسط؟

إن دولة إسرائيل الصهيونية، وبحكم نشأتها الطارئة والملتبسة، ككيان استعماري/ "استيطاني" أوجدها الغرب امتدادا لمصالحه وسياساته في المنطقة كـ "دولة وظيفية"، وبحكم تكوينها الاثني/القومي، تجد نفسها اليوم أمام تحولات داخلية عميقة من حين لأخر، تكتسي كل يوم أثواباً جديدة من الحراكات التي تبشر بانحسار المشروع الصهيوني نهاية المطاف، وانسداد الأفاق أمام المشروع الصهيوني الذي بشر به وعمل من أجله تيودور هرتزل وفلاديمير جابتونسكي وديفيد بن غوريون. فإسرائيل المنتعشة بروح الغطرسة وهي في ذروة قوتها وتجبرها وتفوقها وقوتها العسكرية والاقتصادية واحتكارها السلاح النووي، لم تكن قلقة على مستقبلها ومكانتها بقدر ما هي عليه اليوم. حيث تعيش الأوساط الصهيونية ونخبتها الحاكمة وخاصة المؤسسة العسكرية حالة من الأرق والخوف من المستقبل الآتي. وتتصاعد حالة الأرق والخوف مع المتغيرات التي تقع كل يوم بالنسبة لتراجع ميزان الهجرة الاستيطانية التوسعية إلى فلسطين عما كانت عليه بالنسبة لسنوات مادية، ومع تراجع شعور الانتماء لدى اليهود الجدد الذين أتوا إلى فلسطين في موجات الهجرة الأخيرة من دول الاتحاد السوفييتي السابق تنامي ظاهرة التباينات الطبقية والاثنية بينهم، إضافة لتراجع الانشداد العاطفي من قبل يهود العالم تجاه إسرائيل، فضلاً عن تحولات الميزان الديمغرافي على ارض فلسطين التاريخية مسنوداً بتواصل الكفاح الوطني الفلسطيني.

في هذا السياق، كانت قد صدرت في تل أبيب ثلاث دراسات، تسجل كلها أن مستقبل "إسرائيل العبرية" سيبقى مهدداً ومجهول المصير، إذا ما استمر النهج الصهيوني رافضاً الاعتراف الفعلي والعملي بحقوق الشعب الفلسطيني. فالوثيقة الأولى: هي كتاب ألفه رجل المخابرات (متاي شتاينبرغ)، وعنوانه (يقفون أمام مصيرهم) والمؤلف مستشار سابق لأربعة رؤساء لجهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) وينطلق من فكرة أساسية مؤداها أن على إسرائيل لكي تنجز تسوية ما تضمن مصالحها على المدى الطويل، أن تنسحب إلى حدود (4حزيران/يونيو1967) ولا يقدم المؤلف هذه الملاحظات كنصيحة فنية، بل لرؤية يؤمن بها، فهو يعتقد أن امتناع إسرائيل، أو التهرب من دفع الثمن الذي تتطلبه التسوية (أي الانسحاب إلى حدود 1967) ينطوي على مخاطر على وجود دولة كيان إسرائيل. والوثيقة الثانية: هي دراسة صادرة عن جامعة حيفا تحت عنوان (دولة تل أبيب تهديد لإسرائيل)، أنجزها البروفيسور (أرنون سوفير)، وتستعرض الدراسة ما تسميه مخاطر السياسات الخاطئة وعوامل الانهيار الذاتي، وتقول الدراسة "هناك ظاهرة كونية متمثلة بازدياد حجم المدن الكبرى وتعاظمها ديمغرافياً واقتصادياً، على حساب الأطراف، جراء الهجرة لها وتركيز الموارد فيها. ويشير هنا إلى خصوصية الحالة في إسرائيل وخطورتها لكون سكان مركزها، أي تل أبيب ومحيطها، من اليهود، بينما يتركز فلسطينيو الداخل في أطرافها.

وتوضح الدراسة أن الكيان الإسرائيلي يتقلص يوما بعد يوم، وينحصر في منطقة تل أبيب. وتقول الدراسة إن انطواء اليهود في لب الدولة يعني تهديدا مباشرا لها، وتعريضا للمشروع الصهيوني برمته لفوضى رهيبة، وينتهي إلى استنتاج لافت للنظر يقول فيه "إذا استمرت إسرائيل على هذه الحال، ستطبق بيديها قرار التقسيم للعام 194، وستختزل وجودها في شريط ساحلي يمتد من حيفا إلى عسقلان مرورا بتل أبيب، ولن تقوى إسرائيل حينئذ على الحياة زمناً طويلاً". والوثيقة الثالثة: هي دراسة صادرة عن مركز "أدفا" بعنوان (عبء النزاع الإسرائيلي/الفلسطيني)، ومحررها هو البروفيسور (شلومو سيبريسكي)، حيث تقول الدراسة إن النزاع مع الفلسطينيين أشبه بحجر الرحى على عنق إسرائيل، فهو يقوض نموها الاقتصادي، ويثقل كاهل ميزانيتها، ويحد من تطورها الاجتماعي، ويضر بمكانتها الدولية، ويستنزف جيشها، ويهدد ساحتها السياسية، ويهدد مستقبل وجودها. وتقر الدراسة بأن على إسرائيل العمل من اجل حل يستند إلى تقسيم عادل ومتفق عليه.

من هذا المنطلق فان الزعيم الصهيوني التاريخي ناحوم غولدمان لم تفته مقولة بن غوريون وهو يكتب مقالته التي نشرها في مجلة "الفورين أفيرز" سنة 1975، إذ نبه غولدمان إلى أنه "لا يوجد لإسرائيل مستقبل على المدى الطويل دون تسوية سلمية مع العرب"، واعترف بأن "مطالبة الصهاينة بدولة يهودية، تتعارض بشكل تام مع إمكانية البقاء على المدى البعيد". كما نستذكر رفض ألبرت اينشتاين عالم الفيزياء اليهودي الأوربي وصاحب النظرية النسبية عرض دافيد بن غوريون له بأن يكون أول رئيس لإسرائيل حين إعلانها العام 1948واصفاً هذه الدولة بأنها ستقود يهود العالم إلى الكارثة.
ونحن هنا في هذه الدراسة، نقدم صورة مكثفة تنضح بالأرقام والمعطيات المتعلقة بكيان الدولة الاسرائيلية الصهيونية من داخلها، والعوامل التي تتفاعل كل يوم داخلها.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى